تعد الحراسة من أهم الوسائل التي تم صياغتها من أجل المحافظة على المال المتنازع عليه، فعندما يختلف الشركاء حول ملكية أو إدارة المال يرجح هلاك هذا المال بسبب تلك النزاعات التي تعرض حفظه وإدارته للخطر، لذلك عنى المشرع بصياغة نصوص تحاول الحفاظ على المال المتنازع عليه ومنها أحكام الحراسة.
يمكن تعريف الحراسة بأنها وضع مال يقوم في شأنه نزاع أو يكون الحق فيه غير ثابت ويتهدده خطر عاجل في يد أمين يتكفل بحفظه وإدارته ورده مع تقديم حساب عنه إلى من يثبت له الحق فيه، ويوضع المال تحت الحراسة إما باتفاق بين الطرفين المتنازعين فتكون حراسة اتفاقية، وإما بحكم من القضاء فتكون حراسة قضائية.
للمتضررين.. كيف تصدى القانون لأزمة الأموال المتنازع عليه بين الشركاء أو الورثة؟
في التقرير التالى، يلقى "برلماني" الضوء على مسألة الحراسة طبقا لأحكام القانون المدنى بداية من المادة 729 حتى المادة 738 منه، واجمال عناصرها، وأنواع الحراسة، وشروط اختصاص القضاء المستعجل بدعوى الحراسة، وتعيين وصفة الحارس، حيث أن الحراسة عقد يعهد فيه الطرفان بمقتضاه الى شخص أخر بمنقول او عقار أو مجموع من المال يقوم في شأنه نزاع أو يكون الحق فيه غير ثابت، فيتكفل هذا الشخص بحفظه وبإدارته وبرده مع غلته المقبوضة الى من يثبت له الحق فيه، طبقا للمادة 729 – بحسب خبير الضرائب والمحامى بالنقض جمال الجنزورى.
في البداية - ويفهم من هذا النص أن الحراسة عقد يتم بين شخصين أو أكثر متنازعين أو بينهما حق غير ثابت وبين شخص أخر يوكل اليه حفظ المال المتنازع عليه، وتكون في العقار كما تكون في المنقول أو فيهما معا والحارس كالوديع يقوم بحفظ المال ورده عند انتهاء الحراسة لكنه يختلف عنه في أنه يقوم بإدارة المال، وفى رده الى من يثبت له الحق فيه من المتنازعين – وفقا لـ"الجنزورى".
ثانيا: أنواع الحراسة:
أ-الحراسة الاتفاقية:
وتكون بعقد بإتفاق جميع أطراف النزاع سواء كان هذا العقد مستقل أو بموجب شرط تضمنه عقد مبرم بينهم سواء تضمن الإتفاق شخص الحارس أو لم يتضمنه، إذ في الحال الأخيرة جاز للخصوم الاتفاق على شخص الحارس لاحقا، فإن لم يتفقوا قام القاضي بتعيينه دون بحث للحراسة ذاتها فقد تقررت باتفاق الخصوم، ومن ثم لا يجوز للقاضى أو لأى من الخصوم جحد الحراسة لأى سبب ولو بتخلف الشرط العاجل، إذ أن شروط الحراسة قاصرة على الحراسة القضائية وليست الاتفاقية، ويكون الاختصاص لقاضى الموضوع وليس إلا أذا توافر شرط الاستعجال، فينعقد الاختصاص لقاضى الأمور المستعجلة، فإن لم يتوافر يكون القضاء المستعجل غير مختص حتى لو تم الاتفاق على اختصاصة، ويكون عزله بإجماع الآراء كما يجوز لأى من الخصوم طلب عزله أذا أرتكب ما يوجب عزله أو اساء الإدارة – هكذا يقول "الجنزورى".
ويشترط في الحراسة الاتفاقية موافقة جميع أطرافه على الحراسة ومهمة الحارس، فإن لم تتوافر هذه العناصر فلا تنعقد الحراسة الاتفاقية ولا سبيل حينئذ إلا الحراسة القضائية، أما إذا تم الاجماع على الحراسة دون تعيين الحارس وتحديد اعماله يجوز اللجوء الى القضاء لتعيين حارس وتحديد اعماله دون بحث لشروط الحراسة، وتنحصر مهمة القاضي في الطلبات المطروحة في شأن الحراسة الاتفاقية – طبقا لـ"الجنزورى".
وتخضع الحراسة الاتفاقية للقواعد التي تخضع لها العقود، وبالتالي يجب توافر الأهلية القانونية اللازمة،كما تخضع الحراسة الاتفاقية لكافة أسباب الانحلال كالفسخ والبطلان، ولا يشترط لإعتبار العين متنازعا فيها قيام دعوى بين الطرفين المتنازعين، وإنما يكفى الخلاف بأمر فرعى كالإدارة والاستغلال، كما ترد الحراسة على حق احتمالى غير ثابت كما لو كان مقترنا بشرط واقف أو فاسخ.
ب-الحراسة القضائية:
وتكون بأمر القضاء في الأحوال المبينة في المادة (730) وهى:
1-أذا لم يتفق ذوى الشأن على الحراسة.
2-أذا كان صاحب المصلحة في منقول أو عقار قد تجمع لديه من الأسباب المعقولة ما يخشى معه خطرا عاجلا من بقاء المال تحت يد حائزة.
3-في الأحوال الأخرى المنصوص عليها في القانون.
والحراسة القضائية هي إجراء تحفظى مؤقت لا يمس الموضوع، وهى في حقيقتها نيابة قانونية وقضائية، فالقانون يحدد نطاقها والقضاء يسبغ على الحارس صفته، ولا آثر للحكم الصادر فيها على الموضوع ويحكم فيها بناء على ظاهر المستندات، وبالتالي لا يجوز للقاضى فيها إحالة الدعوى للتحقيق أو ندب خبير أو توجيه اليمين أو غير ذلك من وسائل الإثبات الموضوعية.
وتكون الحراسة القضائية بناء على طلب أحد الخصوم إذا توافرت شروط الحراسة الاتفاقية بوجود نزاع أو عدم ثبوت الحق في شان منقول أو عقار أو مجموع من المال، كما يجوز اللجوء الى الحراسة القضائية في حالة العرض الحقيقى للمال الذى يتعذر إيداعه خزانة المحكمة وفاء من المدين بهذا الالتزام، كما يجوز فرض الحراسة ولو بعض صدور الحكم الموضوعى المنهى للنزاع طالما أن عين النزاع ظلت في حيازة الخصم الأخر وتوافرت الضرورة، والخطر الموجب للحراسة .
وينعقد الاختصاص للقضاء العادى أو للقضاء المستعجل إذا توافر شرط الخطر العاجل ولا يجوز رفع الدعوى أمام محكمة الموضوع كدعوى أصلية بل كإجراء وقتى تابع للدعوى الموضوعية وإذا رفعت الدعوى الموضوعية، فلا يوجد ما يحول دون رفع دعوى الحراسة أمام محكمة الأمور المستعجلة، كما يجوز للمدعى أن يتقدم بطلب عارض في الدعوى الموضوعية بفرض الحراسة القضائية بصفة مستعجلة.
شروط اختصاص القضاء المستعجل بدعوى الحراسة:
الشرط الأول: وجود نزاع جدى أو الخشية:
لا يكفى الإدعاء المجرد بوجود نزاع لا أساس له بل يجب ان يوجد نزاع جدى على أساس من الصحة – كمن يدعى انه شريك أو وريث أو مالك أو صاحب حق - ولا يؤكد ظاهر المستندات وظروف الحال هذا الادعاء، ولا يكفى بوجود نزاع رفع دعوى موضوعية أو الادعاء بوجود حق لا يؤيده الظاهر، كما أن وجود نزاع لا يكفى بذاته بل يجب أن تتوافر الخشية من بقاء المال تحت يد حائزة.
الشرط الثانى: توافر الخطر العاجل:
يجب أن يتوافر الخطر العاجل الجدى الذى ينذر بضياع حقوق طالب الحراسة أو اتلاف المال أو العبث به من واضع اليد عليه وأن يكون هذا الخطر محدقا وشيك الوقوع وتوافرت أسبابه المعقولة وهو من المسائل الموضوعية التي يختص بها قاضى الموضوع ولا يخضع لرقابة محكمة النقض .
الشرط الثالث: عدم المساس بأصل الحق:
دعوى الحراسة هي اجراء تحفظى حتى يتم صدور حكم موضوعى يحسم النزاع، وبالتالي يجب الا تمس الحراسة أصل الحق.
الشرط الرابع: أن تكون الأموال قابلة للتعامل فيها:
يجب أن يكون محل الحراسة قابلا أن يتولى الغير إدارته، فلا تجوز على الأموال العامة ولا تجوز على الرسوم ولا مكاتب المحامين وعيادات الأطباء وأصحاب المهن الحرة.
الشرط الخامس: يجب أن لا تمس الحراسة القرار الإدارى:
يمتنع على القضاء العادى وضع أموال تحت الحراسة القضائية صدر في شأنها قرار إدارى، فإذا تبين أن القرار الإدارى مشوب بعيب ينحدر به الى العدم وجب عليه طرح هذا القرار أذ يعتبر هنا عقبة مادية .
تعيين وصفة الحارس:
امر تعيين شخص الحارس للخصوم أن أجمعوا على شخص معين ولا تكفى الأغلبية، فإن لم يتوافر الإجماع تولت المحكمة تعيينه سواء من أحد الخصوم ولو أعترض الباقون متى أطمئنت الى إمانته وكفايته أو أحد خبراء الجدول، ويمكن تعيين شخص واحد أو أكثر حسب نوع الأعمال وتنوعها ويجوز للحارس التنحى كما يجوز عزله.
صفة الحارس:
1-يكون الحارس نائبا عن صاحب الحق بالنسبة للمال الموضوع تحت الحراسة وتثبت له هذه الصفة من تاريخ الحكم وكونه صادر في مسالة مستعجلة، فيكون واجب النفاذ فور صدوره حتى لو تم الطعن عليه، كما تطبق أحكام الوديعة وأحكام الوكالة بالقدر الذى لا تتعارض فيه مع الأحكام الخاصة بالحراسة أو حدود الاتفاق أو الحكم القاضي بالحراسة.
2- ويلتزم الحارس بعدم المساس بحقوق صاحب المال.
3- كما يلتزم بالحفظ والإدارة، ويجب عليه أن يبذل في كل ذلك عناية الرجل المعتاد الى جانب عدم تمكينه أحد ذوى الشأن من إدارة المال بطريق مباشر أو غير مباشر.
4 -ولا يجوز له أن يتصرف إلا برضاء ذوى الشأن جميعا أو بترخيص من القضاء .
5-والأصل في الحراسة أن تكون بأجر ولكن يجوز أن تكون بلا أجر.
6- وللحارس حبس ما تحت يده من الأموال حتى يستوفى الأجر.
7- ويلتزم الحارس بمسك دفاتر وحسابات منتظمة.
8- ويجوز للقاضى الزامه باتخاذ دفاتر موقع عليها من المحكمة.
9-كما يلتزم بتقديم كشف حساب كل سنه على الأكثر معززا بما يثبت ذلك من مستندات.
10-ويجب عليه إيداع صورة من كشف الحساب قلم كتاب المحكمة.
11- وتنتهى الحراسة بإتفاق ذوى الشأن جميعا أو بحكم القضاء.
12- ويلتزم الحارس حينئذ أن يبادر الى رد الشيء المعهود اليه حراسته الى من يختاره ذوى الشأن او من يعينه القاضي.