بيشوى رمزى
أهمية كبيرة تحظى بها قمة منظمة الدول الثماني للتعاون الاقتصادي، التي تستضيفها مصر، غدا الخميس، في ظل توقيت الانعقاد المتزامن، مع أوضاع دولية وإقليمية متشابكة، تركت تداعيات عميقة على الاقتصاد العالمي، وهو ما يضفي المزيد من الزخم للحدث، خاصة مع الحاجة الملحة، لتحقيق أكبر قدر من التكامل، ليس فقط فيما يتعلق بالاقتصاد، وإنما أيضا في المواقف التي تتبناها الدول الأعضاء، تجاه العديد من القضايا المثارة على الساحة العالمية، وفي القلب منها في منطقة الشرق الأوسط، مع تسارع المستجدات وتواتر التطورات، فيما يتعلق بالأوضاع في غزة، وما طرأ مؤخرا على الساحة السورية، ناهيك عن الأوضاع في لبنان واليمن، وما يحمله ذلك من تداعيات كبيرة لا تقتصر على النطاق الإقليمي الضيق، وإنما يمتد في واقع الأمر على العالم بأسره.
توقيت القمة، ومكان انعقادها على أرض الكنانة، يمثل في جوهره بعدا مهما، في ضوء العديد من المعطيات، ربما أبرزها رعاية الدولة المصرية للقضية الفلسطينية، والتي تجلت بوضوح، منذ اللحظة الأولى للعدوان على قطاع غزة، وهو ما بدا في مواقفها الصريحة فيما يتعلق بمخططات التهجير وفصل القطاع عن الضفة، في إطار المحاولات التي يتبناها الاحتلال لتصفية القضية الفلسطينية، أو على الجانب الإنساني عبر الحشد الدولي للضغط على السلطات الإسرائيلية للسماح بدخول المساعدات الإنسانية، مرورا بالتوافقات التي حققتها مع العديد من القوى الدولية، حول ثوابت القضية الفلسطينية، وعلى رأسها حل الدولتين منذ قمة "القاهرة للسلام" وما تلا ذلك من فعاليات، وكذلك الدعوة إلى تفعيل مبدأ المحاسبة الدولية تجاه الاحتلال ومسؤوليه، ناهيك عن جهودها الفعالة والمستميتة للوصول إلى وقف فوري لإطلاق النار في غزة، بالشراكة مع دولة قطر.
ولعل الدعوة التي وجهها الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى نظيره الفلسطيني محمود عباس، بعدا آخر، للمشاركة في أعمال القمة يضفي المزيد من الزخم للقضية، خلال فعالياتها، في إطار مواصلة الجهود المصرية نحو توسيع الدائرة الجغرافية الداعمة للحق الفلسطيني، مع التوافق على الآليات والأدوات المشتركة التي يمكن من خلالها الانتصار لثوابت القضية، خاصة مع التغييرات الكبيرة في المشهد الإقليمي، بعدما نالت الاعتداءات الإسرائيلية المتواترة من الكثير من إمكانات الأطراف الفاعلة فيما يسمى بـ"محور الممانعة"، سواء فيما يتعلق بالفصائل في غزة أو حزب الله في لبنان، وحتى سقوط النظام في سوريا، وهو ما يتطلب انتهاج سياسات توافقية جديدة على المستوى الإقليمي، من شأنها تعزيز الشرعية الدولية.
وبالنظر إلى الحضور في القمة، نجد أن ثمة تمثيل كبير لقوى إقليمية بارزة، على غرار الرئيس الإيراني مسعود بزيشكيان، والذي تعد زيارته هي الأولى لرئيس إيراني إلى القاهرة منذ أكثر من عقدين، بالإضافة إلى حضور الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، مما يعكس أحد أهم ثمرات الدبلوماسية المصرية خلال سنوات ما بعد "الربيع العربي"، والتي قامت في الأساس على تدشين الشراكات التي ساهمت في تحويل الصراعات الإقليمية إلى حزمة من المصالحات، من شأنها خدمة القضايا المشتركة، بالإضافة إلى توافق الأطراف الفاعلة في المنطقة على الكيفية التي تدار بها المرحلة المقبلة، ناهيك عن وجود العديد من القوى الإسلامية المؤثرة، سواء إندونيسيا أو باكستان أو بنجلاديش أو ماليزيا، وهي قوى مؤثرة في آسيا، بينما تحضر نيجيريا كممثل للعمق الإفريقي.
على صعيد الأوضاع الاقتصادية، يحمل انعقاد القمة في القاهرة مدلولات مهمة، في إطار مساع مصرية حثيثة على تحقيق أكبر قدر من التكامل الاقتصادي، ليس فقط في إطار محيطها الجغرافي، وإنما عبر شراكات تتجاوز الجغرافيا التقليدية، وهو ما يبدو في العديد من الخطوات التي اتخذتها في هذا الإطار، منها الشراكة الثلاثية مع اليونان وقبرص، والتي اتسعت لتصبح منتدى غاز شرق المتوسط، والذي يضم العديد من الدول التي تنتمي مناطق متعددة، وكذلك الشراكات التي عقدتها مع جوارها الإقليمي، على غرار ثلاثيتها مع العراق والأردن، مرورا بالانضمام إلى مجموعة "بريكس"، والتي تهدف في الأساس إلى تعزيز التعاون، وحتى الجولة الأوروبية الأخيرة التي أجراها الرئيس السيسي والتي ضمت عدة دول بالقارة العجوز بهدف تعزيز التعاون في العديد من المجالات الاقتصادية.
استضافة مصر للقمة يمثل امتدادا للجهود الكبيرة التي تبذلها، من أجل الانتصار إلى قضايا الإقليم، وفي القلب منها القضية الفلسطينية، بالإضافة إلى العمل على تحقيق مصالح دول الجنوب، والتي عانت كثيرا جراء سياسات التهميش والاستنزاف التي مارستها القوى الدولية الكبرى، عبر انتهاج سياسات تكاملية، من شأنها تحقيق التنمية المستدامة، في ضوء إدراك مصري خالص لحقيقة مفادها أن الحالة التنموية لا يمكن أن تتحقق في إطار فردي، مما يفرض ضرورة العمل الجماعي، لتحقيق المصالح المشتركة في هذا الإطار.