"مواد تجيز معاقبة الأطباء بالحبس والغرامة نتيجة الأخطاء الطبية".. تلك الجملة التي تسببت في حالة من الرفض التام والاعتراض من الأطباء على مشروع قانون المسؤولية الطبية، ما أدى معه لردود أفعال ساخطة ورافضة، باعتبار أن مسودة القانون حتى بعد تعديلها تقدم تعريفات غير واضحة للفرق بين الخطأ الطبي والخطأ الطبي الجسيم، يلا يأمن الأطباء معها عواقب ما قد يحدثه ذلك من ضرر لهم، وهو ما نتج عنه تصاعد الجدل الدائر بين الأطباء في حول مشروع القانون.
التصريحات الرسمية حول مشروع قانون المسؤولية الطبية وعلى رأسها بيان مجلس الوزراء، تخرج من وقت لأخر للتأكيد على الحقوق الأساسية لمتلقي الخدمة الطبية أيًا كان نوعها، والارتقاء بتنظيم هذه الحقوق، مع توحيد الإطار الحاكم للمسؤولية المدنية والجنائية التي يخضع لها مزاولو المهن الطبية، بإعتبار أن القانون يتضمن إنشاء "لجنة عليا للمسؤولية الطبية وحماية المريض"، تكون تابعة لرئيس مجلس الوزراء من أجل إدارة المنظومة الصحية في الدولة من خلال آليات محددة قد يتم التوسع فيها مستقبلا بعد تقييم التجربة وقياس نتائجها.
كيف ومتى ولماذا بدأ الجدل؟
في التقرير التالى، يلقى "برلماني" الضوء على إشكاليات مشروع قانون المسؤولية الطبية، وذلك من خلال الإجابة على حزمة من الأسئلة أبرزها ماهو الفئات التى ينطبق عليها أحكام مشروع قانون المسئولية الطبية؟ والحالات التي تنتفى معها المسئولية الطبية؟ وهل يجوز الإعفاء أو التخفيف من المسئولية الطبية قبل وقوع الضرر؟ وما الأمور التى يحظر على مقدم الخدمة إتيانها؟ وماهى الحالات التى تستثنى من حظر إفشاء سر متلقى الخدمة؟ وما هي الإلتزامات التى تقع على عاتق مقدم الخدمة؟ والتعليق على استبدال عقوبة الحبس بالغرامة فى قانون المسئولية الطبية – بحسب الخبير القانوني والمحامية نعمه مصطفى.
في البداية – الخلاف بدأ فى 24 من ديسمبر من العام الماضي 2024 حيث وافق مجلس الشيوخ المصري بشكل نهائي على "قانون المسؤولية الطبية وحماية المريض"، وذلك تمهيدًا لإحالته إلى مجلس النواب "الغرفة الثانية للبرلمان" لمناقشته وإقراره، إلا أن نقابة الأطباء رفضت في بيان لها بشكل قاطع أمام مجلس الشيوخ أي مواد تقنن الحبس في القضايا المهنية أو الحبس الاحتياطي، وقالت إن لجنة الصحة بمجلس الشيوخ لم تستجب لأي من مطالب النقابة العادلة المطبقة في العالم كله، وكانت المواد 27 و28 محل الجدل الأكبر بعدما ساوت بالحبس والغرامة بين من يرتكب أخطاء طبية، ومن يرتكب أخطاء طبية جسيمة، كما اعترضت النقابة على المادة 29 التي أعطت جهات التحقيق الحق في حبس الطبيب احتياطيا ومده على ذمة التحقيق – وفقا لـ"مصطفى".
مواد مشروع قانون المسؤولية الطبية في "وش المدفع"
كما اعترضت النقابة على المادة رقم 18 بجواز استعانة جهات التحقيق بتقرير اللجنة الفنية التي تفصل في درجة الخطأ الطبي أو حدوثه من قبل الطبيب أو نتيجة مضاعفات، مطالبة بأن يكون تقرير اللجنة ملزما، ودعت إلى جمعية عمومية طارئة في الثالث من يناير لتأكيد رفضها مسودة القانون، وقبل أقل من يومين من انعقاد الجمعية العمومية لنقابة الأطباء التي كانت مقررة، وافقت لجنة الصحة في مجلس النواب المصري على تعديلات قالت إن نقيب الأطباء تقدم بها وضمتها إلى مشروع القانون النهائي – الكلام لـ"مصطفى".
وتضمنت أبرز هذه التعديلات حذف المواد التي تضمنت فرض عقوبات بالحبس والغرامة على من يرتكب خطأ طبيا غير جسيم، والاكتفاء بالغرامة، والإبقاء على عقوبة الحبس مدة لا تقل عن سنة ولا تزيد على 5 سنوات، وغرامة لا تقل عن 500 ألف جنيه ولا تجاوز مليوني جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين إذا وقعت الجريمة نتيجة خطأ طبي جسيم، كما منحت التعديلات اللجنة الفنية التي تفصل في تقريرها في درجة خطورة الخطأ الطبي المرتكب درجة الخبير الفني لجهات التحقيق بدلا من جواز الاستعانة بتقريرها فقط قبل تعديل المادة – هكذا تقول الخبير القانوني.
وتضيف: منذ حوالى عشرون عاما طالب الاطباء بسن قانون ينظم العلاقة بينهم وبين المرضى وبين المؤسسات الطبية، خاصة فى ظل تطبيق قانون العقوبات المصرى عليهم بشأن كافة حالات الخطأ الطبى دون التمييز بين مايعد خطأ طبى وبين ما يعد مضاعفات أحتمالية قد يتعرض لها المريض من عدمه، وبين مايعد خطأ مهنى جسيم يشكل جناية طبية.
ماهو الفئات التى ينطبق عليها أحكام مشروع قانون المسئولية الطبية ؟
المهن الطبية والمخاطبين بمشروع قانون المسئولية الطبية:-
المهن الطبية هي المهن التي يتم من خلالها تقديم خدمات الرعاية الطبية الوقائية أو التشخيصية أو العلاجية أو التأهيلية والتي يزاولها كل من الفئات الآتية:
-الاطباء وأطباء الأسنان والصيادلة .
-وممارسو وأخصائيو العلاج الطبيعي .
-والتمريض العالي وهيئات التمريض الفنية.
- والفنيون الصحيون والفنيون في فروع الأشعة والتحاليل والبصريات وتكنولوجيا العلوم الصحية التطبيقية وفنيو الإسعاف، المرخص لهم بمزاولة المهنة، وغيرها من المهن الطبية الأخرى التي يصدر تشريع يرخص بمزاولتها .
تنتفى المسئولية الطبية في أي من الحالات الآتية وفقا لمشروع القانون:
1- إذا كان الضرر الواقع على متلقى الخدمة هو أحد الآثار أو المضاعفات الطبية المعروفة في مجال الممارسة الطبية المتعارف عليها علميا .
2- إذا اتبع مقدم الخدمة أسلوبا معينا في الاجراء الطبي يتفق مع الأصول العلمية الثابتة وإن خالف في ذلك غيره في ذات التخصص .
3- إذا كان الضرر قد وقع بسبب فعل متلقى الخدمة أو رفضه للعلاج أو عدم اتباعه للتعليمات الطبية الصادرة إليه من مقدم الخدمة .
هل يجوز الإعفاء أو التخفيف من المسئولية الطبية قبل وقوع الضرر؟
لا يجوز الإعفاء أو التخفيف من المسئولية الطبية قبل وقوع الضرر، ويقع باطلا كل اتفاق على ذلك .
ما هى الأمور التى يحظر على مقدم الخدمة إتيانها؟
مع عدم الإخلال بالقواعد المنظمة لمزاولة المهن الطبية المختلفة وفي حدود القواعد المنظمة لكل تخصص، يحظر على مقدم الخدمة إتيان أي من الأفعال الآتية:
- تجاوز حدود الترخيص الممنوح له.
- معالجة متلقى الخدمة دون رضاه فيما عدا الحالات الطارئة أو التي تشكل خطرا على حياته التي يتعذر فيها الحصول على الموافقة لأي سبب من الأسباب، أو الحالات التي يكون فيها مرضه معديا ومهددا للصحة أو السلامة العامة.
- الامتناع عن علاج متلقى الخدمة في الحالات الطارئة أو التي تشكل خطرا على حياته حتى تستقر حالته الصحية، وفي حالة خروج الإجراء الطبي عن اختصاص مقدم الخدمة لأي سبب يتعين عليه إجراء الاسعافات الأولية الضرورية لمتلقي الخدمة، وتوجيهه إلى مقدم الخدمة المختص أو إلى أقرب منشأة إذا تطلب الأمر مع إعداد تقرير مختصر عن النتائج الأولية لفحصه الانقطاع عن علاج متلقى الخدمة دون التأكد من استقرار حالته الصحية، إلا إذا كان الانقطاع راجعا لأسباب لا دخل لإرادة مقدم الخدمة فيها.
- استعمال وسائل غير مرخص بها أو غير مشروعة في التعامل مع الحالة الصحية لمتلقي الخدمة .
- الكشف السريري على متلقى الخدمة من جنس آخر بدون موافقته أو حضور أحد أقاربه أو مرافق له أو أحد أعضاء الفريق الطبي، إلا في الحالات الطارئة أو التي تشكل خطرا على حياته.
- القيام بأي اجراء طبي بالمخالفة للتشريعات المعمول بها، أو الدلائل الإرشادية للتدخلات الطبية المعتمدة من المجلس الصحي المصري.
- إفشاء سر متلقى الخدمة الذي اطلع عليه أثناء مزاولة المهنة الطبية أو بسببها سواء كان متلقى الخدمة قد ائتمنه على هذا السر أو اطلع عليه بنفسه أثناء متابعته.
ماهى الحالات التى تستثنى من حظر إفشاء سر متلقى الخدمة ؟
ويستثنى من حظر إفشاء سر متلقى الخدمة الطبية الحالات الأتية :
- إذا كان ذلك بناء على طلب متلقى الخدمة أو موافقته.
- منع وقوع جريمة أو الإبلاغ عنها ويكون الإفشاء في هذه الحالة للجهة المختصة وحدها.
- إذا كان مقدم الخدمة مكلفاً بذلك من جهة التحقيق أو المحكمة المختصة باعتباره خبيراً أو شاهدا.
- إذا كان مقدم الخدمة مكلفاً بإجراء طبي من إحدى شركات التأمين أو من جهة العمل وبما لا يجاوز الغرض من التكليف.
- دفاع مقدم الخدمة عن نفسه في شكوى مقدمة ضده ، على أن يكون ذلك أمام الجهات المختصة، وفي حدود ما تقتضيه حاجة الدفاع .
- حماية الصحة العامة في حالة الأمراض المعدية ويكون الإفشاء للجهات المختصة وحدها، وفقا لأحكام قانون الاحتياطات الصحية للوقاية من الأمراض المعدية المشار إليه.
الالتزامات التى تقع على عاتق مقدم الخدمة ؟
- اتباع الأصول العلمية الثابتة وتطبيق القواعد المهنية لتخصصه أثناء تقديم الخدمة الطبية.
- تسجيل الحالة الطبية لمتلقي الخدمة والسيرة المرضية الشخصية والعائلية قبل الشروع في التشخيص والعلاج
- استخدام الأدوات والأجهزة الطبية الصالحة للاستعمال والمناسبة لحالة متلقى الخدمة.
- تبصير متلقي الخدمة بطبيعة مرضه ودرجة خطورته والمضاعفات تبصير متلقي الخدمة بطبيعة مرضه ودرجة خطورته والمضاعفات الطبية التي قد تنجم عن العلاج والحصول على الموافقة قبل البدء في تطبيقه، وإذا تعذر ذلك يكتفى بتقرير طبي من الطبيب المعالج ومن طبيب آخر في ذات التخصص ومدير المنشأة أو من ينوب عنه ، كما يتعين على الطبيب وصف العلاج وتحديد جرعته وطرق استخدامه كتابة وبوضوح مذيلاً بإسمه ثلاثيا وتوقيعه وتاريخ كتابة الوصفة الطبية .
- تدوين كل إجراء طبي أو تدخل جراحي يتم اتخاذه متضمنا نوعه وتاريخه بالتفصيل في الملف الطبي لمتلقي الخدمة .
- متابعة حالة متلقي الخدمة أثناء تواجده بالمنشأة.
- التعاون مع غيره من مقدمي الخدمة الذين لهم صلة بعلاج متلقى الخدمة ، وتقديم ما لديه من معلومات عن حالة متلقى الخدمة والطريقة التي اتبعها في علاجه حال طلب الاستشارة.
-إبلاغ الجهات المختصة عن الاشتباه في إصابة أي شخص بالأمراض المعدية والتي من شأنها الإضرار بالآخرين لمكافحة انتشار تلك الأمراض، وفقا لأحكام القانون رقم 137 لسنة 1958 في شأن الاحتياطات الصحية للوقاية من الأمراض المعدية.
تعليقاً على استبدال عقوبة الحبس بالغرامة فى قانون المسئولية الطبية
كما خرج علينا مشروع قانون المسئولية الطبية بإستبدال عقوبة الحبس فى الخطأ الطبى الوارد حدوثة بعقوبة الغرامة من مائة ألف جنيه وحتى مليون جنيه، والذى لا يعرفه البعض أن حكم الغرامة هو عقوبة جنائية واجبة النفاذ ولا يوقف تنفيذها استئناف الحكم، وذلك طبقاً لنص المادة 463 من قانون الإجراءات الجنائية الحالى، أى أن الطبيب فى حالة صدور حكم بالغرامة قدرها 500 ألف جنيه (على سبيل المثال) يصبح ملزماً بدفعها على الفور.
ويحق لإدارة تنفيذ الأحكام التوجه لمحل إقامة الطبيب أو محل عمله لمطالبته بسداد الغرامة وفى حالة امتناعه عن السداد يرفع الأمر للنيابة العامة والتى تصدر قرارها بضبط وإحضار الطبيب واصدار أمر بتنفيذ عقوبة الإكراه البدنى (الحبس) بواقع يوم عن كل خمسة جنيهات وبحد أقصى ثلاثة أشهر، علماً بأن تنفيذ عقوبة الإكراه البدنى (الحبس) لا تسقط سداد الغرامة، ويمكن استبدال عقوبة الحبس البسيط بالخدمة العامة لمدة تنفيذ العقوبة.
قانونيون: لا بديل عن إلغاء عقوبة الغرامة فى الخطأ الطبى الوارد حدوثه والاكتفاء بالتعويض للمريض
ولا يستلزم المشرع حضور الطبيب إلى المحكمة لحضور الجلسات بشخصه، ويحق له توكيل المحامى للحضور نيابة عنه أمام محكمة أول درجة وأمام الاستئناف، إلا أنه يحق للقاضى طلب حضور الطبيب بشخصه أمام المحكمة لسماع أقواله فى الواقعة ولا يحق للطبيب الامتناع عن الحضور، وفى حالة الحضور الشخصى وعدم قيام الطبيب بسداد الغرامة يحق للقاضى التحفظ على الطبيب وإلزامه بأن يسدد مبلغ الغرامة المحكوم عليه به وبهذا لن يستطع الطبيب الخروج من المحكمة إلا بعد سداد الغرامة المقضى بها أو يقدم طلب بتقسيط الغرامة او طلب استبدال العقوبة بالخدمة العامة.
كما أن امتناع الطبيب عن سداد مبلغ الغرامة المحكوم به يستحيل عليه تجديد رخصة القيادة أو رخصة تسيير المركبات أو استصدار بطاقة الرقم القومى أو السفر خارج البلاد إلا بعد سداد تلك الغرامة للدولة، ولذلك يرى الكثيرين من القانونيين بأنه لا بديل عن إلغاء عقوبة الغرامة فى الخطأ الطبى الوارد حدوثه والاكتفاء بالتعويض للمريض.