الأربعاء، 05 فبراير 2025 07:56 م

مصر والصومال علاقات ضاربة في جذور التاريخ.. الروابط تعود لعصر المصريين القدماء.. الزعيم جمال عبد الناصر ساند مقديشيو ضد الاستعمار واعترف باستقلالها.. دور محوري للقاهرة في الحرب الأهلية.. وحرص على سلامة أراضيها

مصر والصومال علاقات ضاربة في جذور التاريخ.. الروابط تعود لعصر المصريين القدماء.. الزعيم جمال عبد الناصر ساند مقديشيو ضد الاستعمار واعترف باستقلالها.. دور محوري للقاهرة في الحرب الأهلية.. وحرص على سلامة أراضيها الرئيس عبد الفتاح السيسي ونظيره الصومالي
الخميس، 23 يناير 2025 06:00 م
علاقات تاريخية، وروابط أخوية، ومصالح مشتركة وعلاقات ضاربة في جذور التاريخ، هذه الكلمات تمثل العلاقات بين مصر والدولة الشقيقة الصومال، إذ تمتد العلاقات بين البلدين، إلى عصر المصريين القدماء الذين كانوا يتبادلون السلع مع "بلاد بونت" الصومال حاليا، ولعل أبرز أمثلتها عندما قامت الملكة حتشبسوت، خامسة حكام الأسرة الفرعونية الثامنة عشرة، بإرسال بعثة تجارية على متن سفن كبيرة تقوم بالملاحة في البحر الأحمر محملة بالهدايا والبضائع المصرية مثل البردى والكتان إلى بلاد بونت، فاستقبل ملك بونت البعثة استقبالاً جيداً، ثم عادت محملة بكميات كبيرة من الحيوانات النادرة، الأخشاب، البخور، الأبنوس، العاج، الجلود والأحجار الكريمة.
 
وفى العصور الحديثة، ازدادت العلاقة الثنائية الأخوية بين مصر والصومال رسوخاً وتوطدت أكثر حين وقف المصريون بقيادة الزعيم الراحل جمال عبدالناصر إلى جانب الصوماليين في حربهم ضد الاستعمار، إذ أعلن وقتها مساندته للقوى الوطنية في الصومال من أجل الاحتفاظ بمقومات الشخصية الصومالية بجذورها العربية الإسلامية ووحدة أراضيها، وفقا للهيئة العامة للاستعلامات.
 
وكانت مصر شريكاً مؤثراً في كل مراحل معركة استقلال الصومال وبناء دولته الحديثة حيث امتزجت دماء مصرية بدماء الصوماليين عندما امتدت يد الغدر للاستعمار في 1957 لتغتال الدبلوماسي المصري المرموق محمد كمال الدين صلاح مندوب مصر في المجلس الاستشاري الصومالي الذي كان مكلفاً بتدعيم أركان الدولة الوليدة في الصومال وإقامة مؤسسات سياسية وحكومية، وهي حادثة أثرت، وأكدت المصير المشترك في مواجهة قوى الاستعمار والهيمنة آنذاك.
 
وكانت مصر في مقدمة الدول التي اعترفت باستقلال الصومال عام 1960، وقدمت كل الدعم والعون للشعب الصومالي الشقيق عقب الاستقلال .
 
وفي أكتوبر 1961، قام الرئيس الصومالي آدم عبد الله عثمان بزيارة لمصر واستقبله الرئيس عبد الناصر بحفاوة تاريخية وتمت استضافته في قصررئاسي، وبحث الرئيسان أوضاع الصومال وقضايا أفريقية عديدة، وكان لهذه الزيارة نتائج كبيرة في مسيرة العلاقات المصرية الصومالية.
 
وعندما قامت ثورة الصومال بقيادة الرئيس سياد بري، أعلن قائدها: " أن ثورة الصومال هي ابنة شرعية ووفية لثورة 23 يوليو ولفكر الزعيم جمال عبد الناصر الثوري"، الأمر الذي يعكس مدى تأثير الدور المصري في الفكر الصومالى.
 
كما وقف المصريون إلى جانب الصومال في نضاله ضد الاستعمار البريطاني والإيطالي، كانوا أيضاً سباقين في دعمه خلال الفترة التي أعقبت الاستقلال في مختلف المجالات لا سيما في مجال التعليم، حيث تواجدت المدارس المصرية والأساتذة المصريون في العاصمة الصومالية مقديشيو، ولعبت البعثات الأزهرية والمعلمون التابعون  للأزهر الشريف دوراً كبيراً في نشر العلم وتعاليم الإسلام في ربوع الصومال، كما لعبت البعثات المصرية دوراً رائداً في بناء الكوادر التعليمية وتعريب التعليم في الصومال .
 
وتأكيداً للعلاقة الأخوية بين البلدين، قام الرئيس الصومالي الأسبق محمد سياد بري عام 1971 بزيارة تاريخية إلى مصر، استقبله الرئيس الراحل أنور السادات، فتحت آفاقا واسعة للتعاون التجاري والاقتصادي بين البلدين، حيث جرى في السنوات التالية توقيع اتفاقيات مهمة شملت جميع المجالات ولاسيما مجالي الاقتصاد والتعليم. ومن أهم هذه الإتفاقيات، اتفاق نقل جوي عام 1974 واتفاق تجاري عام 1978 واتفاق التعاون بين المعهد الدبلوماسي المصري ومعهد الدبلوماسية في الصومال عام 1989، وكذلك نتيجة الجهد الذي بذلته مصر، تم قبول الصومال عضواً في جامعة الدول العربية عام 1974.
 
وقبيل الحرب الأهلية في الصومال بذلت مصر جهداً كبيراً لمنع وقوع الحرب الأهلية، وشهدت القاهرة والسفارة المصرية في مقديشو، لقاءات واجتماعات بين المسؤولين في نظام "محمد سياد بري" والجبهات المعارضة، للحيلولة دون نشوب صراع مسلح، وانهاء الصراع السياسي بين الحكومة والمعارضة بالطرق السلمية، وقد تمثل ذلك في المبادرة المصرية الإيطالية عام 1989، لكن نتيجة لتدخلات قوية من قبل بعض دول الجوار، لم تكلل تلك الجهود بالنجاح ودخل الصومال في أتون حرب أهلية راح ضحيتها الآف المواطنين الأبرياء.
 
بعد اندلاع الحرب في الصومال 1991، لم تتوقف جهود مصر لوقف نزيف الدم وحماية وحدة التراب الصومالي، بل كانت حاضرة بقوة في جميع الجهود الدولية للمّ شمل الصوماليين، ورفضت تقسيم الصومال أو الاعتراف بانفصال اقليم الشمال "صومالاند"، كما نظمت مصر عدداً من مؤتمرات المصالحة لإنهاء الاقتتال الداخلي في مقديشو وإحلال السلام في ربوع الصومال شارك فيها معظم الفصائل المتناحرة.
 
وساهمت مصر بدور فعال في عملية "إعادة الأمل" عام 1992 لدعم الصومال، وقررت إرسال أكثر من 700 جندي إلى مقديشو ضمن القوات الدولية لإنقاذ المنكوبين جراء المجاعة عام 1992، وبحكم علاقات مصر القديمة مع الصومال ومكانتها لدى الصوماليين تمركزت هذه القوات في المواقع الحساسة بالعاصمة مقديشو واسندت إليها مهمة تأمين وحماية المطار والميناء وبعض أهم التقاطعات في المدينة، كما قامت هذه القوات بدور محوري في عمليات الإغاثة وتوزيع المعونات على القرى والتجمعات القريبة من مناطق تمركزها وإقامة مستشفيات ميدانية لعلاج المرضى الذين بلغ عددهم آنذاك ما بين 300- 400 حالة يومياً.
 
لم تقتصر الجهود المصرية التي كانت ضمن القوات الدولية " يونيصوم" على مجال الإغاثة وانما شاركت أيضاً في إعادة بناء القوات الصومالية، حيث دربت القوة المصرية حوالي 20٪ من قوات الشرطة الصومالية التي كان يجري إعدادها آنذاك وزودتها بما كانت تحتاجه من أسلحة وعتاد وأجهزة اتصالات قبل ان تنسحب القوة المصرية مع باقي القوات الدولية من الصومال عام 1995.
 
وفى الأول من يناير 2024، تم توقيع اتفاق مفاجئ مع زعيم أرض الصومال موسى بيهى عبدى يمنح إثيوبيا، الدولة الحبيسة، لمدة 50 عاما منفذا على البحر الأحمر بطول 20 كيلومترا يضم خصوصا ميناء بربرة وقاعدة عسكرية، وذلك مقابل أن تعترف أديس أبابا رسميا بأرض الصومال - المنشقة عن الصومال- كجمهورية مستقلة، وهو ما سبب توترا في العلاقات ما بين مقديشيو وأديس أبابا خلال الفترة الماضية.
 
ودعمت مصر موقف الحكومة الفيدرالية في الصومال، ورفضت أي محاولات لتقسيم الصومال، إذ شجبت مصر بشدة أية إجراءات أحادية يتخذها أي طرف إقليمى لتهديد وحدة وسلامة الصومال، كما أكدت معارضتها الحاسمة لأية إجراءات من شأنها التعدى على سيادة وحق الصومال - دون غيره - فى الانتفاع بموارده، محذرة من التحركات التى تقوض الاستقرار فى منطقة القرن الأفريقي، وتزيد من حدة التوتر بين دوله، ودعت لتكاتف الجهود لاحتواء أزمات المنطقة، بدلاً من الاستمرار فى سياسة تأجيج النزاعات على نحو غير مسئول، وفقا لتصريحات وزير الخارجية وقتها.
 
ورفضت الخارجية المصرية الاتفاق كما نددت بالتدخل في شئون الصومال أو المساس بوحدة أراضيها، وأكدت أيضا ضرورة الاحترام الكامل لوحدة وسيادة جمهورية الصومال الفيدرالية على كامل اراضيها، ومعارضتها لأية إجراءات من شأنها تتعدى على السيادة الصومالية، مشددةً على حق الصومال وشعبه دون غيره في الانتفاع بموارده.
 
 
 

الأكثر قراءة



print