بعد خمسة عشر شهرا من الإبادة والتهجير القسرى والتشرد في خيام لا تقى حر الصيف ولا برد الشتاء، بعد مشاعر الفقد والحزب التي عمت، حان الوقت ليٌلملم الغزاوية جراحهم بعد فتح الطرق لعودة المهجرين من الجنوب للشمال، في أكبر مسيرة بشرية في التاريخ سيرا على الأقدام حاملين معهم ما تبقى لهم بعد حرب الابادرة.
ويأتي هذا الإنجاز بعد اصطدام اتفاق وقف إطلاق النار بتعنت اسرائيلى وتبادل اتهامات بين تل أبيب وحماس، حيث بات الفلسطينيون ليلة حزينة بعد أن اعترضت إسرائيل على عودة مئات آلاف الفلسطينيين إلى شمال القطاع المدمر، بسبب خلاف يتعلق بالإفراج عن الرهينة المدنية الإسرائيلية أربيل يهود.
وعقب التوصل إلى تفاهمات عبر الوسطاء اعلن الجيش الإسرائيلي بدء انسحابه من محور نتساريم، واحتشد الغزيون في وقت مبكر من اليوم الاثنين عند شارع الرشيد، وبدأوا العودة إلى الشمال، وذلك للمرة الأولى منذ أكثر من 15 شهرا، وعبر شارع الرشيد، غربي قطاع غزة، تدفق أكثر من 200 ألف فلسطيني نازح إلى شمال غزة خلال ساعتين.
وأوضح بيان لوزارة الداخلية في غزة أن شارع الرشيد أصبح متاحا لعبور المشاة فقط بالاتجاهين، وبدا تدفق الفلسطينيين إلى شمال قطاع غزة عبر شارع الرشيد الساحلي أشبه بالسيل البشري، وعلى محور نتساريم، ومن خلال شارع صلاح الدين، بدأ دخول المركبات لعودة النازحين إلى شمالي قطاع غزة.
ويواجه العائدون إلى محافظتي الشمال أوضاعا صعبة حيث بلغت نسبة الدمار في المحافظتين أكثر من 90% من المباني والبنية التحتية وفقا للسلطات التابعة لحركة حماس في القطاع.
وقالت السلطات في قطاع غزة إن الفلسطينيين في محافظتي غزة والشمال بحاجة إلى 135 ألف خيمة وكرفان بشكل فوري وعاجل، وطالبت حماس المجتمع الدولي والمنظمات الدولية والدول العربية بفتح المعابر وإدخال المستلزمات الأساسية لإيواء الشعب الفلسطيني.
ورغم ذلك، قالت حركة حماس إن عودة النازحين إلى شمال قطاع غزة، تشكّل انتصارا للشعب الفلسطيني وإعلان فشل وهزيمة لإسرائيل.
وقالت الحركة في بيان، ، إن عودة عشرات آلاف النازحين شكل "انتصارا لشعبنا، وإعلان فشل وهزيمة الاحتلال ومخططات التهجير" فيما اعتبرت حركة الجهاد الإسلامي أن عودة النازحين هي "رد على كل الحالمين بتهجير شعبنا".
وقال القيادي بحماس عزت الرشق إنّ مشهدَ عودة النازحين إلى شمال غزة، تتحطمُ أمامه أحلام وأوهام إسرائيل في تهجير الشعب الفلسطيني.
وفى المقابل ظهر بشكل واضح الغضب على الجانب الاسرائيلى من الفرحة التي تعم غزة، معتبرين أن هذا بمثابة هزيمة لهم، وقال وزير الأمن القومي الإسرائيلي المستقيل إيتمار بن غفير، إن "عودة النازحين الفلسطينيين إلى شمال غزة هي جزء مهين آخر من الصفقة المتهورة لوقف إطلاق النار".
وقال بن غفير في تغريدة على منصة "إكس": "إن افتتاح طريق نتساريم هذا الصباح ودخول عشرات الآلاف من سكان غزة إلى شمال قطاع غزة هي صور من انتصار حماس وجزء مهين آخر من الصفقة المتهورة. هذا ليس ما يبدو عليه النصر الكامل، هذا ما يبدو عليه الاستسلام الكامل".
وأضاف :"لم يقاتل جنود جيش الدفاع الإسرائيلي الأبطال ولم يضحوا بأرواحهم في قطاع غزة لجعل هذه الصور ممكنة"، وطالب وزير الأمن القومي السابق بالعودة إلى الحرب في قطاع غزة، وقال "يجب علينا العودة إلى الحرب والتدمير!"
وفي وقت سابق، أعلن حزب القومية اليهودية "عوتسماه يهوديت"، الذي يترأسه بن غفير، استقالة زعيمه ووزيرين آخرين من أعضاء الحزب من حكومة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بسبب اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة.
واشترطت إسرائيل أن يُفرج عن يهود أولاً قبل فتح محور نتساريم الذي يفصل بين جنوب غزة وشمالها، وزعمت عدم التزام حماس بشرط غير معلن في الاتفاق يقضي بالإفراج عن الرهائن المدنيين أولاً، وعقب جهود الوساطة أعلن مساء أمس المتحدث باسم وزارة الخارجية القطرية، ماجد الأنصاري، أنه تم التوصل إلى تفاهم مع إسرائيل يقضي بعودة النازحين في قطاع غزة إلى شمال القطاع ابتداءً من صباح يوم الاثنين.
وأضاف أن حركة حماس ستقوم بتسليم ثلاثة رهائن إسرائيليين إضافيين يوم السبت، وذلك وفقاً للاتفاق الموقّع، كما أعلن أن حماس ستسلم مجموعة من الرهائن الإسرائيليين، من بينهم أربيل يهود وآخرين، قبل يوم الجمعة، في خطوة من شأنها أن تسهم في تعزيز عملية التهدئة.
وأعلنت كل من ألوية الناصر صلاح الدين وسرايا القدس بأن الرهينة الاسرائيلية أربيل يهود هي في قبضتهما وأنه جرى احتجازها من قبل مجموعة مشتركة من التنظيمين الفلسطينيين بتاريخ السابع من أكتوبر 2023.