زيارة بيت العندليب، بعد توقف سنوات قليلة بسبب جائحة كورونا وأسباب أخرى، تعكس مدى الحرص الذى تبديه عائلته فى ذلك اليوم لاستقبال جميع محبيه لإحياء ذكرى وفاته، إنه شعور لا يوصف حين ترى كل ركن كان يجلس فيه «أعز الناس» عبدالحليم حافظ، فتدرك أن ذكراه لا تزال حاضرة فى القلوب، مشهد لا يتغير؛ حيث تكتظ سلالم العمارة بجمهور من مختلف الأعمار، يقفون على بابه مرددين أغنياته، وكأن العندليب يسمعهم ويردد معهم: «بحلم بيك يا حبيبى أنا، يا اللى مليت أيامى هنا».
بيت العندليب
غادر عبدالحليم هذه العمارة وانتقل للسكن فى «زهراء الجزيرة» بالزمالك، بسبب خلاف حول إزالة مسجد يقع بين برجى العمارة، حسبما تردد، إذ كان أحد الملاك يرغب فى هدمه لبناء شقق سكنية، وهو ما أغضب عبد الحليم وبعض السكان، فقرر مغادرتها، ومع ذلك، بقى المسجد كما هو حتى اليوم.
بعد وفاة الرئيس جمال عبدالناصر وتولى الرئيس أنور السادات الحكم، تحدث عبد الحليم حافظ مع وزير الداخلية حينها، ممدوح سالم، بشأن استئجار طابق فى عمارة «زهراء الجزيرة» بشارع قراقوش بالزمالك، والتى كانت مملوكة لصندوق خدمات الشرطة. وبدافع الحب لعبدالحليم، استأجر صديقه الأمير طلال بن عبدالعزيز الطابق الذى يعلوه، حيث كانت تجمعهما صداقة قوية.
غضب واعتزال شقيقه الغناء
إلا أن وفاة عبدالحليم، بحسب الكاتب، فسحت المجال أمام إسماعيل ليعود للغناء بعد «سنوات من الحرمان الإجبارى».. لكن عندما قرأ إسماعيل المقال، غضب بشدة، ومزق الصحيفة، وأقسم ألا يغنى مجددًا، معلنًا اعتزاله النهائى، ورفض جميع المحاولات لإثنائه عن قراره، ليظل بعيدًا عن الساحة الفنية حتى وفاته عام 1986، بعد عبدالحليم بتسع سنوات.
حليم وسعاد حسنى
فى عام 2002، كشفت الحاجة علية، شقيقة العندليب، لأول مرة أن الحب الحقيقى فى حياة عبدالحليم كان لفتاة جامعية جميلة من عائلة كبيرة بمحافظة الشرقية، وقد أحبها حبًا جنونيًا، لكنها توفيت بمرض مفاجئ، ما جعله يدخل فى حالة حزن شديد، ولم يحب بعدها، وكان ذلك أحد الأسباب التى دفعته لعدم الزواج.
أما بخصوص ما تردد عن زواج عبدالحليم حافظ وسعاد حسنى، فقد نفت الحاجة علية هذا الأمر تمامًا، مؤكدةً أنه لم يحدث أبدًا، وأوضحت أن العلاقة بينهما لم تتجاوز حدود الصداقة، وأن بداية ارتباطهما كانت بدافع الشفقة، حيث واجهت سعاد حسنى صعوبات بعد فيلم «حسن ونعيمة»، إذ ظلت أربع سنوات بلا عمل، ولم يطلبها أى منتج أو مخرج، فالتقت بعبد الحليم واشتكت له من حالها، فاختارها لتمثل معه وتؤدى دور حبيبته فى فيلم «البنات والصيف». ورغم اقتناعه بموهبتها، إلا أنها ارتبكت أثناء التصوير، ما اضطرهم إلى إسناد دورها للممثلة زيزى البدراوي، بينما أعطوها دور شقيقته بعد تعديل السيناريو. ومن هنا بدأت الصداقة بينهما، لكنها لم تصل إلى الزواج.
فى تعليقها على مزاعم الزواج، قالت الحاجة علية: «لماذا أعلنت سعاد حسنى عن زواجها من كل الأزواج مثل على بدرخان وماهر عواد وغيرهما، ولم تعلن عن زواجها من عبد الحليم؟ هل الزواج عار؟ لماذا لم تخجل من إعلان زواجها من الآخرين، بينما لم تذكره إلا بعد وفاته؟».
وأضافت كنت أقرب إنسانة إلى عبدالحليم وأعرف أدق أسراره ولم يقل لى يوما أنه تزوج سعاد حسنى، بالعكس ياريته كان اتجوز سعاد حسنى..لأننى أحبها جدا جدا وهى إنسانة طيبة جدا وفنانة كبيرة، كنت أتمنى أن يتزوج عبد الحليم قبل أن يموت، إنما كل شىء قسمة ونصيب.
جولدا مائير أصدرت قرارا بإباحة دم عبد الحليم
عندما سُئلت الحاجة علية شبانة عن أسوأ أغنية فى مشوار عبدالحليم، قالت: «لم يكن لديه أغنية سيئة.. كل أغانيه جميلة، سواء الوطنية أو العاطفية أو الدينية»، وأضافت أن إسرائيل كانت تعتبر أغانيه خطرًا على أمنها القومى، حيث أثرت فى وجدان المواطن العربى من المحيط إلى الخليج، وأشعلت مشاعر الوطنية وجسدت كراهية العرب لإسرائيل.
وأكدت أن جولدا مائير، رئيسة وزراء إسرائيل آنذاك، أصدرت تعليمات صريحة بإباحة دم عبدالحليم حافظ، ووضعته على قائمة المستهدفين، بل رصدت مكافأة لمن يغتاله.
أمنية الحج التى لم تتحقق
قبل عام من وفاته، أدى عبدالحليم حافظ العمرة، وأمر الأمير فواز آنذاك بفتح باب الكعبة له، فدخلها وصلى ركعتين شكر بداخلها، ووعد أن يعود فى العام التالى لأداء فريضة الحج، لكن القدر لم يمهله، إذ اشتد عليه المرض، ورحل فى لندن قبل تحقيق أمنيته.
اليوم الأخير فى حياة العندليب
يروى محمد شبانة، ابن شقيق العندليب، تفاصيل اليوم الأخير فى حياة عبد الحليم قائلاً: كان الأطباء قد نصحوه بزراعة الكبد، لكنه رفض خوفًا من أن يؤثر ذلك على أدائه على المسرح، وعندما نُقل إلى مستشفى «كينجز كوليدج» فى لندن، خضع لحقن الدوالى، وكان من عادته أن يضع المصحف تحت رأسه، لكنه هذه المرة سقط منه، فأخذه الطبيب ويليام روجرز ووضعه فى جيبه، بعد العملية، دخل الجميع غرفته ليجدوه غارقًا فى بركة من الدماء. قبل وفاته بيومين، تحدث معى عبر الهاتف وقال لى: «إزّيك يا حمادة؟.. ادعى لى يا حبيبى»، ثم طلب التحدث إلى والدتى، وقال لها: «روحى سيدنا الحسين وادعى لى، أنا تعبان جدًا وعايز الراحة» وبعدها بيومين، دخل العمليات، وحدث ما حدث.
وهكذا، أسدل الستار على حياة العندليب الأسمر، لكنه بقى خالدًا فى قلوب محبيه، بصوته وأغانيه التى لا تزال تملأ الدنيا طربًا وشجنًا.