كان وداعه مختلفا ورسالته التي تركها تؤكد ذلك، فلقد أمهلت الظروف البابا فرنسيس بابا الفاتيكان الراحل أن يعلن للعالم في آخر لحظات حياته انحيازه للسلام والمحبة، وآخر دعواه أن يعم السلام وتتوقف الحرب الإسرائيلية على غزة، ويمد العالم يده للجوعى في القطاع المنكوب الذى يعاني أهوال الحرب والمجاعة.
واعتاد البابا فرنسيس منذ اندلاع حرب الإبادة الإسرائيلية على قطاع غزة توجيه انتقادات لاذعه لتل أبيب، ولم يتوقف على الرغم من تصريحات المسئولين الإسرائيليين ضده، بل صعد من هجماته ولم يترك فرصه سانحه للحديث عن الأبرياء إلا واستغلها.
وكان آخر ظهور للبابا فرنسيس من شرفة "كاتدرائية القديس بطرس"، في عيد الفصح، وسط احتشاد آلاف الكاثوليك في الساحة، ورغم صحّته الهشّة، ندد البابا فرنسيس، في كلمته بالوضع الإنساني "المأساوي" في قطاع غزة، ودعا إلى وقف إطلاق النار، وقال البابا في رسالته، التي قرأها أحد معاونيه من شرفة الكاتدرائية :"أدعو الأطراف المتحاربة إلى أن يوقفوا إطلاق النار ويطلقوا سراح الرهائن، ويقدّموا المساعدات للشعب الجائع الذي يتطلّع إلى مستقبل سلام".
وأعرب البابا عن تضامنه مع الشعبين الفلسطيني والإسرائيلي، مؤكدًا قربه من آلام المسيحيين في فلسطين وإسرائيل، وداعيًا إلى إنهاء العنف وتقديم المساعدات الإنسانية العاجلة، كما أشار إلى أن الحرب الإسرائيلية على غزة "تولّد الموت والدمار" وتُسبب وضعًا إنسانيًا "مروّعًا ومشينًا".
ولم تكن هذه هي المرة الوحيده التي يساند فيها فلسطين، بل إنه انتقد إسرائيل علنا في العديد من المناسبات ولم يأبه لتهديدات تل أبيب له وانتقاد مسئوليها للفاتيكان، حيث خص الحرب على غزة بجزء من مذكراته التي نشرها العام الماضى، واقترح البابا الراحل أن يدرس المجتمع الدولي ما إذا كانت العمليات العسكرية الإسرائيلية في قطاع غزة تشكل إبادة جماعية للشعب الفلسطيني، وذلك في واحد من أكثر انتقاداته صراحة لسلوك إسرائيل في حربها المستمرة منذ أكثر من عام.
وقال البابا في كتاب مذكراته إن بعض الخبراء الدوليين يقولون "إن ما يحدث في غزة فيه خصائص الإبادة الجماعية"، مضيفا "يجب أن نحقق بعناية لتقييم ما إذا كان هذا يتناسب مع التعريف الفني (للإبادة الجماعية) الذي صاغه خبراء القانون والمنظمات الدولية".
وأضاف:"الحرب حماقة! لا يوجد شىء اسمه إله الحرب: كل من يخوض الحرب هو شرير. الله هو السلام، وفى مواجهة هذه اللاعقلانية الواضحة، يبدو أن كلمة السلام أصبحت أكثر إزعاجًا فى هذه الأوقات، وأحيانًا محظورة. حتى أن صنّاع السلام والعدالة يُنظر إليهم بريبة، ويُهاجمون باعتبارهم إنهم من أنصار (العدو)، ويبدو أحيانًا أنه لا يوجد شىء يسبب فضيحة أكثر من السلام. لكن يجب علينا ألا نستسلم، ويجب ألا نتعب من زرع بذور المصالحة".
وأضاف أن هناك وحشية هائلة من خلال الغارات الإسرائيلية، وعشرات الآلاف من القتلى الأبرياء، معظمهم من النساء والأطفال، ومئات الآلاف الذين تم إجلاؤهم، وتدمير المنازل، والناس على شفا المجاعة، وأكد أنه كان يتواصل بانتظام مع كنيسة العائلة المقدسة فى غزة، حيث أصبح مجمعها "مسرحًا للموت".
فى الوقت نفسه، شدد البابا على أن «المسار الوحيد الممكن للشرق الأوسط هو حل الدولتين المنصوص عليه فى اتفاقيات أوسلو»، مضيفًا: «إنه الحل الحكيم المتمثل فى وجود حدود واضحة المعالم، مع وضع خاص للقدس، وإلا فإن أى حل مبنى على الانتقام والعنف، أينما كان، لن يجلب السلام أبدًا، ولن يؤدى إلا إلى نشر بذور جديدة من الكراهية والاستياء، جيلًا بعد جيل، فى سلسلة لا نهاية لها من الاستعباد».
وفي حديثه عن اللاجئين، قال البابا: "أفكر قبل كل شيء في أولئك الذين يغادرون غزة في خضم المجاعة التي ضربت إخوانهم وأخواتهم الفلسطينيين نظرًا لصعوبة الحصول على الغذاء والمساعدات إلى أراضيهم"، وفقًا لوكالة أنباء الفاتيكان.
ولم يقف الحد عند مذكراته بل استغل كل مناسبه ليعلن تعاطفه مع الأبرياء في غزة، وفي خطابه السنوي أمام الدبلوماسيين المعتمدين لدى الكرسي الرسولي من حوالي 184 دولة صعّد البابا فرانسيس من انتقاداته للحملة العسكرية الإسرائيلية في غزة، واصفاً الوضع الإنساني في القطاع الفلسطيني بأنه "خطير ومخز للغاية".
وجاء في الكلمة "لا يمكننا قبول تجمد الأطفال حتى الموت بسبب تدمير المستشفيات أو قصف شبكة الطاقة"، كما ورد في الكلمة "لا يمكننا بأي حال من الأحوال قبول قصف المدنيين".
وفي ديسمبر، كشف البابا فرانسيس عن "مزود الميلاد" في قاعة بولس السادس داخل حرم الفاتيكان، أنجزه فنانون فلسطينيون من جامعة "دار الكلمة" في بيت لحم، وهو عبارة عن مهد الطفل يسوع، مغطى بالكوفية الفلسطينية التقليدية، مع عناصر أخرى أنتجها حرفيون محليون وفقاً للتقاليد القديمة.
وقال البابا في خطابه في 7 ديسمبر: "كفى حروباً، كفى عنفاً"، وأضاف "أشعر بالحزن لاستئناف القصف الإسرائيلي العنيف على قطاع غزة، والذي تسبب في سقوط عدد كبير من القتلى والجرحى".
وطالب البابا بـ "وقف فوري للسلاح، والتحلي بالشجاعة لاستئناف الحوار، حتى يتسنى إطلاق سراح جميع الرهائن والتوصل إلى وقف نهائي لإطلاق النار".
وأضاف أن "الأوضاع الإنسانية في قطاع غزة هي مجددا خطيرة جدا"، مشيرا إلى أن "هذا يتطلب التزاما عاجلا من قبل الأطراف المتحاربة والجماعة الدولية".