الإثنين، 28 أبريل 2025 02:15 ص

"من المصنع إلى البرلمان" رحلة العامل المصرى فى مائة عام من التشريعات.. قصة شعب كامل يبذل الجهد ليصنع المجد.. تحولات تاريخية وشهادات حية على طريق الإصلاح من قانون الباشوات إلى قانون 2025

"من المصنع إلى البرلمان" رحلة العامل المصرى فى مائة عام من التشريعات.. قصة شعب كامل يبذل الجهد ليصنع المجد.. تحولات تاريخية وشهادات حية على طريق الإصلاح من قانون الباشوات إلى قانون 2025 العمال - صورة أرشيفية
الأحد، 27 أبريل 2025 03:00 م
كتبت آية دعبس
فى عيد العمال 2025، لا نحتفل فقط بمن يصنعون يومنا بجهدهم، بل نحكي حكايتهم مع نصوص القانون، ومع البنود التي كتبت فوق أكتافهم، بين نضال طويل وسنوات من الكفاح، من أول عقد عمل كُتب بالحبر سنة 1936، إلى مشروع قانون العمل الجديد الذى أقره مجلس النواب مؤخرا، تغيرت القوانين، وتبدلت السياسات، لكن العامل ظل هناك دائما، في أول الصف، ينتظر قانونا ينصفه، أو بندا ينهى فصله التعسفي، أو مادة تمنحه الأمان.
 
هذا الملف ليس فقط عن تاريخ قوانين العمل، بل عن عرق العمال فى ورش النجارة، وصوت المكنة فى المصانع، وعن حنجرة تهتف داخل نقابة، وعن حلم بسيط بعد دوام طويل: لقمة نظيفة وقانون عادل، فى هذا الملف الخاص، نُجرى جولة بين مائة عام من التشريعات، نرويها بصوت العامل، وعيون النقابي، وسطور القانون، من عبد الناصر إلى 2025، فهذه ليست قوانين فقط، إنها قصة شعب كامل يعمل.
 
• "من قانون الباشوات إلى قانون 2025.. كيف تطورت الحقوق العمالية في النصوص؟"
على مدار ما يقرب من مئة عام، شهدت قوانين العمل في مصر تطورات متعددة، تراوحت بين الحماية والتوازن، وبين مشكلات التطبيق والتأخير في مواكبة المتغيرات، وفي حوار خاص لـ«اليوم السابع»، يشرح الدكتور نيازى مصطفى خبير التشريعات، عضو لجنة إعداد مشروع قانون العمل الجديد، ملامح هذا التطور، ويحلل كيف تأرجحت كفة الانحياز بين العامل وصاحب العمل عبر العقود.
 
يرى الدكتور نيازي أن فلسفة قوانين العمل في مصر كانت – ولا تزال – تميل لصالح الطرف الأضعف في علاقة العمل، وهو العامل، ويوضح: "قانون العمل يقيد الطرفين بنصوصه، ويعلو على مبدأ العقد شريعة المتعاقدين، بحيث لا يمكن التنازل عن الحقوق التي قررها القانون، كما أن تفسير المواد القانونية يتم غالبًا لصالح العامل، مؤكدا أن قوانين العمل كلها المصرية منذ بدايتها من نحو 100 عام، وإلى الآن قوانين متوازنة إلى حد كبير يعني، علاقة العمل فيها منظمة بشكل سلس وواضح، بها حقوق والتزامات متبادلة ما بين الطرفين.
 
بحسب الخبير القانوني، فإن مصر قبل ثورة يوليو 1952 كانت تتبنى نظامًا اقتصاديا رأسماليا، وهو ما انعكس على القوانين حينها، قبل أن تتجه الدولة بعد الثورة نحو تعزيز الحماية الاجتماعية في قوانينها، ويشير إلى أن توازن علاقة العمل كان واضحا فى تلك الفترات، خصوصا حين كان للطرف العمالى تمثيل سياسي قوي كما فى عهد حكومات حزب الوفد.
 
وبالانتقال إلى القانون الجديد الذي أقره البرلمان في 2025، وصفه الدكتور نيازي بأنه يمثل "نقلة كبيرة"، خاصة فيما يتعلق بفض المنازعات العمالية، حيث تم استحداث محاكم عمالية متخصصة ومركز للوساطة والتحكيم سيسهم في تسريع الفصل في النزاعات، ويوفر عدالة ناجزة لكلا الطرفين."
 
ومن أبرز ما تناوله القانون الجديد، وفقًا للدكتور نيازي، هو معالجة ثغرة "استمارة 6" التي كانت تتيح لصاحب العمل فصل العامل بسهولة، قائلا: "إن القانون الجديد يشترط اعتماد الاستقالة من مكتب العمل لضمان صحتها، ويمنح العامل حق العدول عنها خلال 7 أيام، كما عالج القانون ملف العقود المؤقتة، حيث وضع حدا لاستمرار العامل لفترات طويلة بعقود مؤقتة دون تثبيت، مشيرًا إلى أنه "إذا استمرت علاقة العمل لأكثر من عدد محدد من السنوات (مثلا 4 أو 5 سنوات)، يتحول العقد تلقائيًا إلى غير محدد المدة، لافتا إلى أن القانون الجديد أولى اهتماما حقيقيا للعمالة غير المنتظمة، من خلال تكليف وزارة العمل بوضع السياسات المناسبة لكل فئة، فضلا عن استحداث صندوق لدعم هذه العمالة، وهو ما اعتبره "تطورا لم تشهده القوانين السابقة."
 
وأشار إلى أن العمالة المنزلية لا تزال خارج مظلة الحماية القانونية، موضحا:" أن مشكلة التفتيش داخل المنازل حالت دون إدراجهم ضمن قانون العمل العام، رغم أن العمالة الأجنبية المنزلية تخضع للقانون.. وأتمنى أن يُصدر قانون مستقل ينظم أوضاعهم."
 
واختتم الدكتور نيازي مصطفى حديثه بالإشارة إلى أن المشكلة الأهم ليست في النصوص، بل في آليات التطبيق، قائلاً: "الاختلاف في تفسير القانون من منطقة لأخرى يخلق ارتباكا، لذا نحن بحاجة إلى تعليمات تنفيذية موحدة وواضحة على مستوى الجمهورية."
 
• "القانون في مواجهة الواقع.. قراءة نقابية في مئة عام من التشريع العمالي"
 
ويفتح نقيب العاملين بالقطاع الخاص شعبان خليفة خزائن الذاكرة النقابية، متتبعا ملامح تطور التشريعات العمالية من بداياتها الأولى وحتى مشروع قانون العمل الجديد لعام 2025، وفي هذا الحوار، يقدم خليفة قراءة شاملة لمسار هذه القوانين، وتقييما صريحا لما تحقق وما لم يتحقق بعد، مؤكدا أن قانون العمل ليس مجرد نص تشريعي بل هو ركيزة للاستقرار الاجتماعي والاقتصادي.
 
يرى خليفة أن قوانين العمل شهدت تطورًا كبيرًا خلال المئة عام الأخيرة، بما يعكس المتغيرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي مرت بها البلاد. ويشير إلى أن مشروع قانون العمل الجديد جاء استجابة لتحولات سوق العمل، لاسيما بعد جائحة كورونا وظهور أنماط تشغيل جديدة مثل العمل عن بُعد والتوظيف عبر المنصات الإلكترونية.
 
ويضيف: "أهمية قانون العمل تكمن في كونه يمس حياة قرابة 26 مليون عامل بالقطاع الخاص، وينعكس على أوضاع أكثر من 4 ملايين منشأة في مصر، ولذلك فهو ليس قانونًا لفئة، بل دعامة للسلم الاجتماعي"، وعن أكثر القوانين إنصافًا للعمال، يوضح خليفة أن لكل قانون خصوصيته المستمدة من سياقه الزمني، وانعكاسًا لواقع سياسي واجتماعي محدد، ففي عهد الملكية، كان الاستعمار البريطاني يفرض واقعا قاسيا على العمال، وكانت تتسم تلك الفترة بضعف حماية حقوق العمال بينما شهدت فترة ما بعد ثورة يوليو 1952 ذروة ازدهار الحركة العمالية، حيث جاءت الثورة لتمنحهم مساحة أوسع من التنظيم والمشاركة، في وقت كانت فيه الدولة تتبنى سياسات صناعية كبرى، حيث ارتبطت العدالة الاجتماعية بالنهوض بالصناعة الوطنية، وشهدت صدور قوانين تحمل نزعة إنصاف قوية، تجسدت في توسع المكتسبات العمالية.
 
أما فترات ما بعد الانفتاح الاقتصادي وحرب أكتوبر، فقد مالت السياسات حينها إلى تشجيع الاستثمار، وهو ما انعكس على صياغة القوانين، فصار التوازن مطلوبا بين حماية حقوق العامل وتهيئة بيئة العمل حيث كان هناك انحياز متزايد لأصحاب الأعمال، ثم فترة الثمانينات وظهرت تكتلات اقتصادية والشركات المتعددة الجنسيات، ثم جاء قانون 12 لسنة 2003 بمزيج من الإيجابيات والسلبيات، حتى وصلنا إلى مشروع قانون 2025.
 
وينصف خليفة قانون التنظيمات النقابية رقم 213 لسنة 2017، واصفًا إياه بـ"الجيد جدًا من حيث المبدأ"، لما كفله من حرية التنظيم والاستقلال، لكنه ينتقد بشدة ما وصفه بـ"سوء التطبيق من بعض الجهات الإدارية"، مبديا أسفه لانخفاض وعي العمال بحقوقهم، ويرى أن ذلك مسؤولية مشتركة بين العامل والتنظيم النقابي. ويضيف: "المؤسسة الثقافية العمالية لا تقوم بالدور المنوط بها في رفع الوعي القانوني والتفاوضي، رغم أنها أنشئت لهذا الغرض".
 
ورغم ما تحمله التشريعات من نوايا لحماية الحقوق، يرى خليفة أن التوازن الحقيقي بين أطراف العملية الإنتاجية لا يتحقق فقط من خلال نص القانون، بل من خلال آلية التنفيذ والتطبيق الفعلي على الأرض، ويضيف أن الدور الأكبر في هذا التوازن يقع على عاتق وزارة العمل، التي ينبغي أن تضمن تطبيقا عادلا ومحايدا للقانون، دون انحياز لأى طرف.
 
أما عن الصياغات الحالية في مشروع القانون الجديد، فيشير خليفة إلى أن هناك بعض المواد التي أثارت الجدل داخل الأوساط العمالية، مثل ما يتعلق بفصل العامل والعقود المؤقتة، معتبرًا أن هذه الصياغات تحتاج إلى مراجعة تضمن الاستقرار الوظيفي، خاصة في ظل توسع بعض المنشآت في استخدام العقود المؤقتة بشكل لا يتناسب مع طبيعة العمل الدائم، هذا بخلاف وجود تخوف من تطبيق القانون على أرض الواقع فيما يثار حول إلغاء استمارة 6، لافتا إلى أن أبرز التعديلات التي كان يتمنى أن يتضمنها مشروع القانون الجديد بشكل أكثر وضوحا،: إدماج العمالة المنزلية ضمن الحماية القانونية، ووضع حد أدنى للأجور يرتبط بمعدلات التضخم، وتقنين العقود المؤقتة، وتبسيط إجراءات التمثيل النقابي، وتحسين أوضاع العمالة غير المنتظمة، التى لا تزال بحاجة إلى آليات فعالة لضمان دمجها في مظلة الحماية الاجتماعية.
 
 
• المرأة في قوانين العمل.. من الحماية إلى التمكين
 
- ومطالب بتشريعات لحماية العاملات المنزليات..
لم تكن رحلة المرأة في سوق العمل سهلة، لكنها بالتأكيد لم تكن بلا سند، فبين طيات قوانين العمل المتعاقبة، ظهرت ملامح لحماية خاصة للمرأة العاملة، تعكس تطور نظرة الدولة إلى دورها كشريك في الإنتاج لا يقل أهمية عن الرجل، بدءا من النصوص التى راعت خصوصية المرأة كأم وعاملة، وحتى ما تضمنه مشروع قانون العمل الجديد من مواد أكثر تقدما، يظل ملف حقوق المرأة في قوانين العمل مرآة حقيقية لتحولات المجتمع المصري وتقدّمه.
 
تقول عايدة محي، رئيس سكرتارية المرأة والطفل باتحاد العمال، أمين عام النقابة العامة للبترول: أن التطورات التشريعية الأخيرة عكست دعم الدولة المتنامي لدور المرأة فى سوق العمل، لكنها شددت على أن الثقافة المجتمعية لا تزال تشكل عائقا فى بعض الأحيان أمام المرأة، مضيفه: "شهدنا في السنوات الأخيرة صدور عدد من القوانين التي تعزز المساواة بين الجنسين، وتدعم حماية المرأة من التمييز والتحرش، وتراعي خصوصية دورها كأم وعاملة، لكن مع ذلك، هناك تحديات اقتصادية واجتماعية لا يمكن إغفالها".
 
أوضحت عايدة، فى حوار خاص، أن النساء ما زلن يعانين من فجوة الأجور مقارنة بالرجال، خاصة في القطاع الخاص، فضلا عن ضعف تمثيلهن في المناصب القيادية داخل المؤسسات،  وتضيف: "هناك أيضا تحديات تتعلق بالتوازن بين العمل والأسرة، خاصة بالنسبة للأمهات، بالإضافة إلى استمرار بعض الأعراف التي تقيد مشاركة النساء في بعض المناطق".
 
وأكدت رئيس سكرتارية المرأة، أن قوانين العمل تطورت بشكل ملحوظ، ومن أبرز مكتسبات المرأة العاملة: حظر التمييز على أساس الجنس، حماية المرأة من الفصل أثناء الحمل، وتوفير إجازات الأمومة والرضاعة، فضلًا عن نصوص قانونية تنص على بيئة عمل آمنة وخالية من التحرش، لافته إلى أهمية ما ورد في مشروع قانون العمل الجديد من مواد أكثر تقدما لحماية المرأة، خاصة في ما يتعلق بالإجازات ورعاية الطفل، ودعم العاملات في القطاع غير الرسمي.
 
أما عن رؤية سكرتارية المرأة في اتحاد العمال، فقالت: إنها تسير بالتوازي مع رؤية الدولة 2030، وتسعى إلى تمكين المرأة في القطاعات غير التقليدية كالطاقة والتكنولوجيا، وتوفير برامج تدريب وتأهيل مهني، إلى جانب دعم النساء فى الترشح للمناصب القيادية داخل النقابات، وتضيف: "نولي أهمية كبيرة لدعم المرأة نفسيا وقانونيا إذا تعرضت لأي استغلال أو تحرش، ونعمل على تنظيم ورش عمل ودورات توعوية حول الحقوق والآليات القانونية المتاحة، لافته إلى وجود ضعف نسبي في تمثيل النساء في المناصب القيادية داخل النقابات العمالية، لكنها أكدت أن هناك جهودا لتغيير هذا الواقع من خلال تشجيع النساء على الترشح وتقديم برامج تدريبية تؤهلهن لتولي هذه المواقع.
 
واختتمت حديثها بالإشارة إلى غياب التنظيم القانوني الكافي لفئة العاملات المنزليات، داعية إلى الإسراع في مناقشة تشريعات تُنظم هذا النوع من العمل وتحمي العاملات من أي استغلال، وتوفر لهن مظلة تأمينية واجتماعية.

 


print