تقدمت الدكتورة مها عبد الناصر، عضو مجلس النواب ونائب رئيس الحزب المصرى الديمقراطى الاجتماعى، بطلب إحاطة موجه إلى رئيس مجلس الوزراء ووزير السياحة والآثار ووزيرة التنمية المحلية، بشأن الوقائع المؤسفة التى حدثت فى أثناء افتتاح مشروع تطوير منطقة هضبة الأهرامات.
وقالت عبد الناصر فى طلب الإحاطة: "تابعنا جميعا بكل أسف ما شهدته منطقة أهرامات الجيزة من أحداث مؤسفة ومخزية خلال اليوم الأول من التشغيل التجريبى لمشروع تطوير منطقة هضبة الأهرامات الذى أصبح حديث العالم وانتشر كالنار فى الهشيم بمختلف منصات التواصل الاجتماعى حول العالم، وهو المشهد الذى أوضح بشكل كبير ضعف الإدارة، وكشف غياب التنسيق، وأسقط ورقة التوت عن أداء الحكومة فى حدث كانت تعقد عليه آمال الدولة المصرية لتعزيز مكانتها السياحية أمام العالم مرة أخرى".
وأضافت: "انتظرنا جميعاً بفارغ الصبر افتتاح مشروع تطوير هضبة الأهرامات بوصفه نقلة نوعية لتحديث إدارة المواقع الأثرية فى مصر، وتحقيق تجربة سياحية متطورة وآمنة ومنظمة تليق بمقام أعظم أثر عرفته البشرية، ولكننا فوجئنا بمشهد عبثى لا يمت بأى صلة إلى مفاهيم التطوير الحديثة، ولا إلى معايير إدارة المواقع الأثرية المحترفة التى تتعلمها اليوم أجيال جديدة فى الجامعات المصرية والعالمية".
وتابعت: "شهد الجميع داخل مصر وخارجها قيام عدد كبير من الخيالة والهجانة بالتجمهر أمام المدخل الجديد للمنطقة على طريق الفيوم، وقطع الطريق أمام الزائرين والحافلات السياحية الكهربائية، مما أدى إلى شلل تام فى حركة الدخول والتنقل داخل المنطقة، وسط هتافات احتجاجية عشوائية، وتعطيل متعمد لرحلات السياح الأجانب والمصريين، الذين جاءوا ليشهدوا تجربة جديدة فوجدوا أنفسهم وسط اضطرابات مهينة، دون تدخل عاجل من الجهات المسؤولة أو خطة طوارئ تليق بحجم الحدث".
وأردفت عضو البرلمان المصرى أن ما يزيد الأمر خطورة أن هذه الأزمة كشفت عن خلل عميق فى طريقة إدارة الملف السياحى والأثرى فى مصر، حيث اتضح أن الحكومة لم تقم بأبسط خطوات إدارة المواقع الأثرية الحديثة وهى استطلاع رأى أصحاب المصلحة الحقيقيين والمتعاملين التقليديين مع الموقع، فلم يتم الاستماع إلى الخيالة والهجانة قبل وضع الخطة، ولم يتم التشاور مع المرشدين السياحيين، ولا مع الأثريين، ولا حتى مع الزائرين المحليين والأجانب، وهى أول قاعدة تُدرّس اليوم لطلاب مادة إدارة المواقع الأثرية، وهو أن أى تطوير يجب أن يسبقه مسح ميدانى دقيق يشمل كل أصحاب العلاقة بالموقع، لأن تجاهلهم يعنى فشل أى خطة مهما بلغت روعتها النظرية.
وأشارت إلى أن ما حدث أمس لا يعد فقط سوء تقدير من المسؤولين بل هو انعكاس لفشل ذريع فى التخطيط واحترام ثقافة العاملين بالموقع، فالتطوير الحقيقى لأى موقع أثرى لا يمكن أن يكون بإقصاء من اعتادوا العمل فيه، بل بإدماجهم ضمن إطار منظم يحترم حقوقهم ويوجههم لخدمة الخطة الشاملة، وهو ما لم يحدث فى حالة ذلك المشرع.
كما أكدت عبد الناصر أن ما حدث فرض مقارنة بينه وبين ما حدث منذ خمسة عشر عامًا فى منطقة وادى الملوك بالأقصر، حيث عمل فريق الإدارة هناك لسنوات طويلة على إجراء دراسات ميدانية واستبيانات شاملة لكل الأطراف المرتبطة بالمنطقة، من مرشدين وأثريين وزائرين وسكان محليين، واستمعوا إلى مخاوفهم ومقترحاتهم، وصمموا خطة تطوير تراعى ثقافة المجتمع المحلى واحتياجات الزوار معًا
كما أكدت مها عبد الناصر أن ما زاد المشهد مأساوية أن شركة أوراسكوم، المسؤولة عن تنفيذ المنظومة الجديدة بالتعاون مع الحكومة، أصدرت بيانًا واضحًا ومفصلاً أكدت فيه أن السبب الرئيسى لما وقع من فوضى واضطرابات يرجع إلى عدم التزام الجهات المعنية وبالتحديد محافظة الجيزة بالخطة الموضوعة سلفًا، وأن هذه الجهات قامت بتغيير الخطة بشكل مفاجئ ودون تنسيق مع الشركة المنفذة، الأمر الذى أربك العمل وفتح الباب للفوضى، وهو ما يشكل إدانة صريحة للأداء الحكومى، ويؤكد أن المشكلة لا تكمن فى الخطة ذاتها بل فى سوء التنفيذ وانعدام التنسيق بين الجهات المعنية.
كما أشارت أيضًا إلى أن غياب خطة لإدارة المخاطر فى منطقة أثرية بحجم أهرامات الجيزة، وعدم وجود سيناريوهات بديلة لمواجهة الأزمات، يكشف عن غياب كامل لمفهوم التخطيط الاستراتيجى الحديث، فمن غير المقبول أن يتم افتتاح مشروع بهذه الأهمية دون وضع خطة استباقية للتعامل مع الاعتراضات أو الأحداث الطارئة، ودون تدريب العاملين والمسؤولين على إدارة مثل هذه الحالات .
واستكملت النائبة مؤكدة أن هذه الواقعة تضر ضررًا بالغًا بصورة مصر السياحية عالميًا، خاصة فى ظل السباق الدولى المحموم على جذب السياح، حيث أصبحت الصورة الذهنية للدولة جزءًا لا يتجزأ من تنافسيتها السياحية، ومن المؤسف أن ينقل الإعلام العالمى ومواقع التواصل الاجتماعى مشاهد الفوضى بدلاً من مشاهد التنظيم والانبهار التى كان من المفترض أن تخرج للعالم كله.
كما أكدت أيضًا أن الواجب الوطنى يحتم عدم الصمت أمام هذا الفشل الإدارى الصارخ والمطالبة بمحاسبة المسؤولين عن هذه المهزلة، وبفتح تحقيق عاجل وشفاف لمراجعة أسباب ما حدث، وتقييم مدى كفاءة الخطة التى تم وضعها، ومدى التزام جميع الأطراف بها، ومحاسبة الجهات المتسببة فى تلك الأزمة وتحميلها المسؤولية كاملة عن تشويه صورة مصر أمام العالم، لافتة إلى أن تطوير منطقة الأهرامات هو حلم مصرى وعالمى، ولا يجوز أن يتحول إلى كابوس بفعل الإهمال وسوء الإدارة، مشددة على ضرورة استعادة ثقة العالم فى قدرة مصر على إدارة تراثها الحضارى.
واختتمت عبد الناصر طلب الإحاطة مطالبة الحكومة بإعادة النظر فى إدارة مشروع تطوير منطقة هضبة الأهرامات بالكامل، واعتماد خطة شاملة جديدة تقوم على احترام حقوق جميع المتعاملين مع الموقع واستطلاع آرائهم ومخاوفهم ومقترحاتهم، ووضع إستراتيجيات شاملة تضمن وتحرص على ظهور وتصدير مشهد حضارى إيجابى عن أهم وأعظم وأعرق موقع أثرى فى تاريخ البشرية.