نشرت الصفحة الرسمية لوزارة الخارجية المصرية، بموقع التواصل الاجتماعى "فيس بوك"، صباح اليوم الإثنين، رسالة من سامح شكرى، وزير الخارجية، بمناسبة عيد تحرير سيناء، استعرض فيها أهم تحديات الخارجية المصرية وأهدافها فى المستقبل.
وجاء نصر الرسالة كالأتى "رسالة من السيد سامح شكرى وزير الخارجية بمناسبة عيد تحرير سيناء إنه لمن دواعى سرورى أن أشارك اليوم قواتنا المسلحة احتفالاتها بتحرير أرض سيناء المباركة، هذه الذكرى الخالدة التى ستبقى أبد الدهر مضيئة فى سماء الذاكرة الوطنية.. ففى مثل هذا الشهر منذ أربعة وثلاثين عاماً.. عانق المصريون أرض الفيروز - سيناء الحبيبة - بعد غياب.. وتزين كل ركن فيها بأعلام مصر.. إيذاناً بالتحرير وزوال الاحتلال.. ووفاء بوعد رجال القوات المسلحة بأن يحافظوا على تراب مصر الغالى وأن يردوا عنه أى اعتداء.. وأن يظلوا أبد الدهر حراساً مؤتمنين على أمن مصر.
لقد كانت حرب السادس من أكتوبر عام 1973، وبحق، ملحمة متكاملة العناصر والأبعاد جسدت قصة كفاح شعـب مصـر العظيـم الذى أبى إلا أن يسترد أرضه ويعبر من مرارة الهزيمة وآلام الانكسار إلى فرحة النصر وآمال الانتصار.
وحرى بنا أن ننتهز هذه المناسبة لكى نتمعن وندقق ونستخلص عبر ودروس هذه الملحمة لنتسلح بها فى مواجهة التحديات الجسام التى يواجهها شعب مصر.
إن أبناءنا وبناتنا جيلا بعد جيل، مطالبون باستيعاب المعانى العميقة للتضحيات التى قدمها جيش مصر حتى تحقق النصر، ففى لحظة المحنة، تقدم الشعب فحمل الأمانة، وارتفعت نخبة من خيرة أبنائه لمستوى المسئولية التاريخية لقيادة نضاله المسلح... فتفانى كلٌ منهم فى موقعه واضعاً مصلحة مصر نصب عينيه... فمنهم من قضى نحبه شهيداً، ومنهم من استغنى عن قوت يومه ... ومنهم من قدم كده وجهده لكى تكتمل العُدة والعتاد لحرب الكرامة... حتى استطاع المصريون أن يحققوا النصر المبين.
إن شعب مصر شعب عريق وعظيم .... ما كان ليخوض حرباً إلا دفاعاً عن أرضه وشرفه وكرامته.
وبعد نصر أكتوبر المجيد كان القرار المصـرى باختيار مسار السلام من موقع القوة والانتصار، لاسترجاع حقوقنا.. سلام قائم على العدل واستعادة الحقوق المسلوبة، وكما حبا الله مصر بجنود أخلصوا لها فى ساحات القتال، فلقد سخر لها من أبنائها أيضاً من واصل الدفاع عن حقوقها.. وبثقة مطلقة فى قوة المنطق وسلامة الحجة.. فى مواجهة من غرهم منطق القوة والاستعلاء الكاذب وافتقاد الحجة.. لقد سجل التاريخ وبكل حسم، استعادة مصر كامل سيادتها على أرضها من خلال دبلوماسية نشطة نجحت فى توظيف كل إمكاناتها وقدراتها بحكمة ومهارة.. أظهر فيها المفاوض المصرى مهنية وحرفية رفيعة لم تنس يوماً تضحيات أبناء مصر المخلصين فى ساحات القتال.
لقد أثبت الإنسان المصرى للعالم عبر الزمان أن إرادته أقوى من المحن.. وأن عزمه على تجاوز الصعاب هو جسره إلى الأمل.. وأن ثقته فى الخالق هى مبعث ثقته فى نفسه.. وإذ نسترجع اليوم ذكرى تحرير الأرض.. فإننا نستلهم روح العزيمة والإصرار التى قادتنا إلى تحقيق النصر فى الحرب والسلام.. كى تنير طريقنا وتهدى الأجيال القادمة نحو مزيد من التقدم والانتصارات.. لقد كان العالم من حولنا يرنو إلى مصر وهى تؤسس الحضارة وترسى قواعد المجد.. وعلينا اليوم أن نصل الماضى بالواقع.. وأن نبنى على تلك القواعد.. الحاضر الذى تستحقه مصر والمستقبل الذى تحلم به.. إن ما جسدته معركة استعادة أرض مصر من قيمة ومعان نبيلة إنما يمثل رسالة يتوارثها جيل بعد جيل، وعندما انتفضت قوى الشعب طلبا للحرية والعدالة ولمستقبل مشرق فى ثورة 25 يناير 2011 ورفضاً لقوى التطرف باسم الدين فى ثورة 30 يونيو المجيدة، كانت القوات المسلحة، وكعهدها على الـدوام، إلى جانب الشعب، تتفهم مطالبه وتنحـاز إليهـا دون تـردد، أن إرادة الأمة هى التى تحدد اتجاه مستقبل الوطن ومساره، والقوات المسلحة كفيلة بحماية هذه الإرادة ودعمها ونحن نثق جميعاً أنها لن تتوانى عن صون مقدرات الوطن وأمنه القومي، مهما كان التحدى.
ليس خافياً أن الأمن القومى المصرى، يواجه اليوم تحديات غير مسبوقة، تفرضها مجموعة من التحولات التى تمثل تهديدات مباشرة وآنية لمصالح مصر، تأتى على رأسها ظاهرة الإرهاب، وتفتت جوار مصر المباشر، وتزايد التدخلات الخارجية.
وعلى الرغم مما تمثله مجمل هذه المخاطر من تحديات فى ظل بيئة أمنية يغلب عليها حالة من الفوضى وعدم الاستقرار، إلا أنه لا يمكن تجاهل حقيقة أن هذه البيئة تمنح مصر ساحة للحركة تجعلها قادرة على تقديم نفسها كنموذج سياسى يرتكز على مقومات الدولة المدنية الديمقراطية الحديثة، ويتجاوز الانقسامات الدينية والمذهبية والعرقية التى تتسم بها الصراعات فى الشرق الأوسط. كما تطرح الساحة الأفريقية فرصاً ضخمة يمكن اغتنامها من خلال سياسة خارجية نشطة وفعالة لا تكتفى بالارتكان إلى دور مصر التاريخى فى دعم حركات التحرر الأفريقية وإنما تنطلق من ذلك للتحرك وفقاً لمنظور جديد قائم على إسهام مصر المباشر فى تنمية القارة السوداء والحفاظ على أمنها واستقرارها.
من هذا المنطلق، تتبنى الدولة سياسة خارجية نشطة ومتوازنة ويحكمها عدد من المحددات تمثل فى مجملها عقيدة السياسة الخارجية المصرية وعلى رأسها التأكيد على الترابط الوثيق بين السياسة الخارجية والمشروع الوطنى للتحديث والتطوير وإعادة البناء لتحقيق التنمية الشاملة، وهو ما يتكامل مع الترابط بين السياسة الخارجية وهوية الدولة والمجتمع التى ترتكز على مبادئ الدولة المدنية والمواطنة وقيم التعددية السياسية والدولة القومية، وإعلاء قيمة المصالح الوطنية فى رسم وتنفيذ السياسة الخارجية.
وانطلاقاً من موقع مصر الجغرافى المتميز، وارتباط أمنها القومى بالعديد من الدوائر الخارجية، تظل الدائرة العربية أساس تفاعلاتنا الخارجية بحكم القرب الجغرافى واعتبـارات الأمـن القومي، والهوية والمصير المشترك.
كما أن الدائرة الإفريقية لا تقل أهمية عن الدائرة العربية بحكم الانتمـاء الجغرافـى ومياه النيل، وأيضاً بحكم التحديات المشتركة والاعتبارات الاقتصادية وهو ما تضطلع به مصر من خلال تبنى دبلوماسية التنمية استناداً لمبدأ تحقيق المكاسب للجميع دون الإضرار بمصالح أى من الأطراف.
إن شغل مصر لعضوية مجلس الأمن عن الفترة 2016-2017 يضيف بعداً جديداً لسياسة مصر الخارجية ويمنحها هامشاً واسعاً من الحركة للانخراط فى صياغة الأجندة العالمية، والمشاركة الحقيقية فى معالجة الأزمات الدولية، والدفاع عن مصالحها الاستراتيجية، وإحداث التوازن والتنوع الضروريين فى علاقات مصر الخارجية.
ولقد جاءت جولات السيد رئيس الجمهورية على مدار ما يقرب من عامين فى الدول العربية والأفريقية والأوروبية والآسيوية معبرة وبوضوح عن رؤية مصرية خالصة وتؤكد على تبنى مصر لسياسة نشطة تستند إلى اعتماد مفهوم الشراكات الاستراتيجية – إقليمياً ودولياً- كمحاور ارتكاز لتحقيق مصالح مصر، والتأكيد على مكانتها الإقليمية فى التفاعلات الاستراتيجية الجارية فى ساحات الجوار الاستراتيجـى غيـر المباشـر فى حوض النيل، والقرن الأفريقى والساحل والصحراء، والمشرق والخليج العربي، فضلاً عن إعادة التوازن للعلاقات المصرية مع القوى الكبرى والصاعدة بما يسمح بإقامة علاقات مستقرة معها.
ولا يسعنى فى ختام حديثى إليكم اليوم إلا أن أؤكد على أن عزيمة وإصرار أبناء قواتنا المسلحة الباسلة، ووضوح أهداف ورؤى السياسة الخارجية يمثلان معا صمام أمان يستطيع شعب مصر أن يركن إليه.
إن مصر تسير بخطى واثقة نحو المزيد من الاستقرار والأمن والأمان لاستشراف مستقبل مشرق وغد أفضل للأجيال القادمة، مستقبل تسود فيه قيم العدالة الاجتماعية والكرامة والحرية، مستقبل يضع مصر فى مصاف الدول المدنية الحديثة التى تعلى من قيمة المواطن.. المواطن المصرى الأصيل الغيور على بلده والذى يثق فى قيادته السياسية، وجيشه الباسل الوفى الذى يمثل رمزاً للوطنية المصرية على مدار العصور".