ناقش المؤتمر السنوى للمجلس المصرى للشؤون الخارجية "السياسة الخارجية المصرية والتحولات الإقليمية فى الشرق الأوسط"، والمنعقد خلال الفترة 21-22 ديسمبر 2016، التحديات التى تواجهها السياسة الخارجية المصرية.
وقد تحدثت الدكتورة إيمان رجب الخبير فى الأمن الإقليمى بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، فى ورقتها التى حملت عنوان "الاستمرار والتغير فى السياسة الخارجية المصرية بعد ثورتى 2011 و 2013 " عن ست سمات تميز السياسة الخارجية المصرية فى عهد الرئيس السيسى وأسمتها بـ"عقيدة السيسى فى السياسة الخارجية".
تمثلت السمة الأولى فى "نموذج السيسي"، فى أن السياسة الخارجية المصرية أصبحت أداة رئيسية لتعزيز شرعية النظام، والثانية أن السياسة الخارجية تعد متغير مهم لتحديد نمط علاقة مصر مع القوى المؤثرة فى الإقليم،أما السمة الثالثة فهى اتجاه النظام للانتشار الأفقى فى العلاقات الخارجية فى إطار تنويع العلاقات الخارجية للدولة، والسمة الرابعة هى الطابع البراجماتى الذى تتسم به السياسة الخارجية والتى تسعى لتحقيق هدفين الأول هو تحقيق التنمية الاقتصادية والثانى يتعلق بالبعد الأمنى ومكافحة التطرف والإرهاب.
وتتعلق السمة الخامسة باهتمام النظام بإضفاء الطابع المؤسسى على العلاقات مع دول الخليج فى الفترة التالية على ثورة 2013، من خلال المجالس الاستشارية التى تم إنشائها مع السعودية.
والسمة السادسة هى تحول الأداة العسكرية إلى أداة لتنفيذ السياسة الخارجية وهو ما انعكس فى العمليات العسكرية فى ليبيا فى فبراير 2015، وفيما طرح من أفكار لتشكيل القوة العربية المشتركة لمكافحة الإرهاب ومن توسع مصر فى عقد المناورات والتدريبات العسكرية مع العديد من الدول الأوروبية والعربية.
وذكرت الدكتورة إيمان، أن هذه السمات مختلفة عما ميز السياسة الخارجية فى فترة حكم المجلس العسكرى وفترة حكم الإخوان، وفترة حكم الرئيس عدلى منصور، كما أنها تختلف عن السياسات التى اتبعت فى فترة حكم الرئيس الأسبق مبارك.
وذكرت الدكتورة رجب كذلك أنه عادة بعد الثورات لا تتبنى الدول سياسة خارجية نشطة، حيث تنشغل ببناء الداخل، إلا أن الحالة المصرية تعد حالة استثنائية لعدة اعتبارات مهمة أهمها الدور التاريخى لمصر فى الإقليم والمكانة الجغرافية المميزة والفريدة لمصر فى الإقليم.
وحدد الدكتور على الدين هلال، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، ثلاثة تحديات رئيسية تواجهها السياسة المصرية، الأول خاص بكيفية إدارة العلاقة بين الوضع الداخلى والتحرك الخارجي، خاصة فى ظل تزايد الضغوط التى يمارسها الرأى العام على صنع قرار السياسة الخارجية، والتحدى الثانى هو القدرة على مراجعة السياسة الخارجية للدولة والتجديد فيها، وهو ما يتطلب تكاتف جهود المراكز البحثية المصرية لتطوير وثيقة رؤية للسياسة الخارجية المصرية. وتمثل التحدى الثالث فى قدرة الدولة على تبنى سياسة خارجية تعيد ثقة المجتمع الدولى فيها.
واقترح دكتور على الدين هلال أن تعطى مصر الأولوية لبناء الداخلى لمدة تتراوح بين 5-7 سنوات ما فعلت الصين خلال فترة "ثورة التحديثات الأربع".
وتحدث السفير محمد حجازى فى عرضه لتعامل السياسة الخارجية المصرية مع الصراعات فى المنطقة، عن أهمية سعى مصر للحفاظ على كيان الدولة الوطنية فى الدول التى تشهد صراعات مثل اليمن والعراق وسوريا وليبيا.
ورأى السفير حجازى أنه من المهم أن تقف مصر فى مواجهة مساعى الميليشيات المسلحة فى هذه الصراعات للتمركز الجغرافى على أجزاء من اراضى هذه الدول، لأن ذلك سيؤدى الى تفكك الدولة المركزية.
وقد أوصت الدكتورة إيمان رجب بأنه على مصر خلال المرحلة المقبلة أن تتبع استراتيجية الانخراط النشط مع قضايا المنطقة، وهى استراتيجية تتطلب من ناحية تغيير نمط التفكير فى قرارات السياسة الخارجية، بحيث يتم التعامل مع القضايا الحرجة فى المنطقة بمنطق التجزئة، وأن يتم العمل على تشكيل تحالفات مرنة تضم الدول التى تتشارك مع مصر فى تصوراتها والتى يمكن التنسيق معها وفق منطق الشراكة، مع تغير الدول المشاركة فى هذه التحالفات بتغير القضية التى يتم التعامل معها. كما تتطلب من ناحية ثانية تغيير طريقة صنع السياسات الخارجية للدولة، على نحو يسمح بعودة نشاط السياسة الخارجية المصرية بصورة مؤثرة فى المنطقة وبما يخدم المصالح القومية للدولة.
واقترحت الدكتورة إيمان رجب عدد من التوصيات منها:
1-استحداث لجنة لإدارة الأزمات الخارجية تضم مجموعة متغيرة من فرق العمل، وتشكل هذه اللجنة بصورة مشتركة بين مؤسسة الرئاسة ووزارة الخارجية والخبراء المتخصصين، ويمكن أن تتبع هذه اللجنة مجلس الأمن القومي.
2-الاعتماد على دبلوماسية المسار الثانى لتعزيز الحضور فى المناقشات الدولية والإقليمية التى تجرى حول قضايا المنطقة والتى لا يتم دعوة أو مشاركة الخارجية المصرية فيها. فبالإضافة للقنوات الرسمية من المهم أن تقوم المراكز البحثية الوطنية بالمشاركة فى هذه المناقشات وفتح حوارات مع مؤسسات فكرية وبحثية بل وشخصيات رسمية فى الغرب والشرق والمنطقة بهدف استكشاف المواقف وتحديد مساحات الاتفاق والخلاف وبلورة مقترحات للتعامل مع قضايا المنطقة على نحو يعكس حضور مصرى مؤثر.
3- أن تعمل مصر على تشكيل مجموعات عمل مصغرة فى مجالات متعددة حتى يتم تطوير رؤية مفصلة حول الوضع فى سوريا "ما بعد الأسد"، وما بعد الصراع فى ليبيا، ويمكن أيضا ما بعد الصراع فى اليمن. ويتم تشكيل هذه المجموعات وفق منطق التحالفات المرنة وفى الأطر الدولية المتعددة الخاصة بهذه الصراعات والتى تعد مصر عضو فيها خاصة فى حالتى سوريا وليبيا.
وهدف مجموعات العمل هذه، وضع تصورات مفصلة خاصة بنصيب جماعات المعارضة المختلفة من السلطة، ودور مؤسسات الدولة وتحديدا الجيش فى المرحلة الانتقالية، وشكل الدولة من حيث كونها فيدرالية أو كونفيدرالية، وجهود عملية إعادة الأعمار فى سوريا وليبيا واليمن، وما يمكن أن تقدمه مصر فى هذا السياق.