كتب حازم حسين
فى مسلسل أوراق الود سنة 1979، غنت الفنانة وردة واحدة من أجمل أغنيات الأطفال وأمتعها، "أنا عندى بغبغان"، والتى تقول كلماتها: "أنا عندى بغبغان/ غلباوى بنص لسان/ بيحفظ اللى أقوله ويذاكره الليل بطوله/ والصبح ألقاه بيقوله ويعيده لوحده كمان/ زى التلميذ الشاطر ما يذاكر الامتحان"، وبعيدًا عن المعنى المباشر للجملة، فقد حملت الأغنية معانى وإشارات على الاجتهاد والمثابرة والتركيز والرغبة فى التقدم، فى إطار لحن بسيط وجميل يتدفق بعذوبة وسهولة، ويستفيد من قوة ونعومة حنجرة "وردة" فى توصيل رسالته، لتخرج الأغنية فى شكلها الأخير، جميلة وناعمة ومحفزة وناقدة أيضًا، ربما ناقدة للأطفال الذين كانوا يسمعون الأغنية وربما لم يحسنوا ما أحسنه الببغاء من المذاكرة والحفظ والتركيز والغناء وإعادة النغمات.
إذا حاولنا استعارة لحن ونغمات أغنية وردة، لنصنع أغنية جميلة وتحفيزية وداعمة وناقدة لمجلس النواب، فيمكننا بتغيير بسيط أن نصنع هذه الأغنية التى تختصر حالة المجلس بالفعل "أنا عندى برلمان..." إلى آخر الأغنية، مع الاحتفاظ لمجلس النواب وأعضائه بالتقدير، ومع التأكيد على استعارة النغمة واللحن فقط، لا على التشبيه بالبغبغان.
مجلس النواب بين الحفظ والتكرار.. زى التلميذ الشاطر ما يذاكر الامتحان
من السمات الظاهرة فى جلسات مجلس النواب وأروقته وداخل لجانه، أن هناك ثمة معلومات وتوجهات مسبقة، وأن الأمر يخضع للحفظ والمراجعة والاستظهار لهذه المعلومات، هكذا دخل ائتلاف دعم مصر إلى الجلسة العامة للتصويت على قانون الخدمة المدنية معلنًا موافقته عليه، بينما خرجت النتيجة عكس توجه الأغلبية، وهى مفارقة مثيرة للدهشة، وهكذا أيضًا تجتمع اللجان النوعية لتناقش مشروعات القوانين، أو أبواب الموازنة، أو بيان الحكومة، وتخرج بنتائج مسبقة وشبه معلنة منذ البداية، فمع بدء مناقشة المجلس للقرارات بقوانين الصادرة فى غيبة المجلس وفى عهدى الرئيسين: السابق عدلى منصور والحالى عبد الفتاح السيسى، قال عدد من الأعضاء البارزين وكوادر المجلس ورؤساء اللجان النوعية المؤقتة، التى تم تشكيلها خصّيصًا لمناقشة القوانين، إن الاتجاه العام يذهب بهم إلى إقرار القوانين دون إدخال أيّة تعديلات عليها، ثم لكل نائب أن يقترح ما شاء فيما بعد، وهو ما يسير وفق منطق الحفظ لما يقوله المسؤولون التنفيذيون، أو يقوله وجهاء البرلمان وكوادره، أو هيئة مكتبه ورؤساء لجانه وهيئاته البرلمانية، ويحفظه النواب ويرددونه ويذاكرونه إلى أن يستيقظوا فى الصباح ويقولونه "وحدهم"، زى التلميذ الشاطر ما يذاكر الامتحان.
النواب بين الرقابة والتشريع.. ويفرح أما أصالحه بالسكر النبات
الكوبليه الثانى فى أغنية وردة الجميلة، كوبليه جميل ومبهج، تقول فيه: "بيزعل لما أقول له كلمة تغيظه بالذات/ ويفرح لما أصالحه بالسكر النبات/ ويغنى غنايا كله ويقلّد النغمات/ إكمنه ودانه حلوة وبيحفظ أى غنوة/ ولا عمره مرة نشّز ولا لخبط فى النغمات/ زى التلميذ الشاطر بيذاكر الامتحان"، معبرة عن بساطة المواقف لدى هذا التلميذ الشاطر، بساطة الزعل وبساطة المصالحة، وهى الصورة التى تشهدها أروقة مجلس النواب ولجانه واجتماعاته بالفعل.
الدور البرلمانى الذى يلعبه مجلس النواب الحالى، ويُفترض أن يلعبه أى مجلس نواب آخر، ينقسم إلى جانحين: التشريع والرقابة، وفيما يخص التشريع لم ينجز المجلس الحالى أى مشروع قانون جديد إلا لائحته الداخلية الجديدة، بينما كل القوانين التى أقرها، وعددها 342 قرارا بقانون صادرة فى غيبته، كانت كلها نافذة من قبل، وهنا لا يتبقى لنا إلا الجناح الرقابى على السلطة التنفيذية، وبالنظر فيه سنجد أن المجلس ربما لم ينجز فيه شيئًا أيضًا، فقد قبل بيان الحكومة كما هو، قبل مشروع الموازنة العامة للعام المالى 2016/ 2016 كما هو، حتى الأزمات التى اشتبك فيها مع الوزراء، ومنهم عمرو الجارحى وزير المالية، وأحمد زكى بدر وزير التنمية المحلية، وأشرف العربى وزير التخطيط والمتابعة، لم يخرج منها المجلس بموقف واضح، وظلت الصورة المسيطرة على علاقات النواب بالوزراء هى الصورة التى تعبر عنها الجملة الغنائية" "بيزعل لما أقوله كلمة تغيظه بالذات/ ويفرح لما أصالحه بالسكر النبات"، حتى عندما ثارت أزمات مهمة ومؤثرة، مثل تسريب الامتحانات، أو الفساد فى شون القمح، وانعقاد لجنة التعليم بحضور الوزير الهلالى الشربينى، أو عقد اجتماعات مع وزيرى التموين والزراعة، ظل الأمر فى إطار الجدل الودى والشد والجذب البسيط، المتراوح بين الزعل والمصالحة، دون موقف جاد أو حقيقى.
المتخصصون تحت القبة.. وصبح شاطر حقيقى فى الجبر وفى الحساب
فى الكوبليه الثالث والأخير من الأغنية، تقول وردة: "حفظته أبجد هوز منقولة من الكتاب/ وصبح شاطر حقيقى فى الجبر والحساب/ وأسأله بالانجليزى يسبقنى بالجواب/ على شان كده باحبه وأقعد بالساعة جنبه/
وأديله بإيديا الموز والبرتقان/ زى التلميذ الشاطر ما يذاكر الامتحان"، وإذا اندمجنا فى غناء هذا المقطع لا شك ستلمع فى أذهاننا وأمام أعيننا صور المتخصصين والفنيين الجالسين تحت قبة البرلمان، فمن بين 595 نائبًا منتخبًا ومعيّنًا، يذخر مجلس النواب بعدد من الكفاءات والخبرات الكبيرة فى تخصصات علمية وعملية متنوعة، ويبدو هذا واضحًا فى حواراتهم واللقاءات التى يعقدونها أو المنتديات التى يحاضرون فيها، بينما على صعيد العمل البرلمانى لا تظهر هذه الخبرة، أو ربما تظهر على استحياء بما لا يترك أثرًا ظاهرًا وفاعلاً، فتسير الأمور كما هى على حالها، وكما لو كان الهواة يديرون الأمر، فتفاجأ مثلا باختلافات حادة حول تفسيرات مواد دستورية أو لائحية أو نصوص قوانين، وخلافات حادة حول مصطلحى الناتج القومى والناتج الإجمالى، أو أن يختلف المجلس مع الحكومة ويصمم على رفع نسبة العلاوة الدورية فى قانون الخدمة المدنية الجديد من 5 إلى 7%، بينما يقر الموازنة العامة الجديدة والتى لا تحمل ضمن باب الأجور إلا زيادة 10 مليارات جنيه، من 218 فى العام السابق إلى 228 مليارًا فى العام الجديد، بنسبة 4.5% فقط.