كتب حازم حسين
فى علم الاقتصاد لا يمكن تقييم موقف أو إجراء إلا وفق حسابات تكلفته ومردوده، لذا فإن دراسة الجدوى هى البطل فى تقييم كل الإجراءات والتصرفات ذات الطبيعة التنفيذية، وإذا أجرينا المبدأ نفسه على الأعمال السياسية وأنشطة السلطة وهياكلها، يصبح تقييم جدوى الحكومة أو الجهاز التنفيذى، أو حتى مجلس النواب، مرتبطًا بحدود الجدوى والمردود اللذين يوفرهما خلال عمله، وفيما يخص مجلس النواب فإنه يضطلع بعمل رقابى وتشريعى، وهنا يصبح تقييم حجم ما ينجزه المجلس من أعمال مرتبطًا بأجندته الرقابية والتشريعية المنجازة، قياسًا على تكلفته المالية والزمنية واللوجستية، أى ما يستهلكه من وقت ودعم من الحكومة والجهاز التنفيذى ومصروفات ونفقات مخصصة لموازنة المجلس، وبينما يشتعل الخلاف بين قطاعات واسعة من السياسيين والمراقبين حول حجم عمل المجلس طوال الشهور السبعة الماضية، منذ انعقاده فى العاشر من يناير الماضى، وحتى عودته للانعقاد عقب انتهاء إجازة العيد فى السابع عشر من يوليو الجارى، لا يبقى لنا بالفعل لتقييم أداء المجلس وجدواه إلا المنطق الاقتصادى فى دراسات الجدوى.
7 شهور من العمل.. ومردود تشريعى ورقابى ضعيف
يرى قطاع واسع من المواطنين والمهتمين والمراقبين المختصين بالشأن السياسى والبرلمانى، أن المجلس أنفق الشهور السبعة الماضية من عمره فى أعمال روتينية وهيكلية لا يلمسها المواطن بشكل مباشر، أولها إعداد لائحة داخلية جديدة للمجلس، ثم تشكيل اللجان النوعية، ثم مناقشة وإقرار القرارات بقوانين الصادرة فى غيبة المجلس، وفى عهد الرئيسين السابق عدلى منصور والحالى عبد الفتاح السيسى، وعددها يفوق 300 قرار بقانون كانت كلها نافذة بشكل فعلى، وبينما لم يُدخل المجلس أيّة تعديلات عليها ولم يرفض منها إلا قانون "الخدمة المدنية" رقم 18 لسنة 2015، فإن هذه الخطوة التى استهلكت جانبًا كبيرًا من الوقت، لم تثمرًا أثرًا عمليًّا يشعر به المواطن بدرجة إيجابية كبيرة، لنصل إلى محطة الشهر السابع من عمر المجلس ولم يضف النواب إلى هذا الرصيد إلا اعتماد برنامج الحكومة والموازنة العامة للدولة للعام المالى 2016/ 2017، ودون تعديل أيضًا على محتوى أى منهما، لتكون المحصلة العامة لكل هذه المدة، كثيرًا من الاجتماعات، كثيرًا من التكلفة، وقليلاً من الأثر والمردود الظاهر للمواطن.
بين شهور العمل ومليارات التكلفة.. الفاتورة الكاملة لمجلس النواب
أمام هذه الصورة التى تسيطر على المشهد السياسى العام فيما يخص مجلس النواب وميكانيزم عمله طوال الشهور الماضية، وانعكاس هذا العمل فى عيون المواطنين والمراقبين، تأتى أهمية قياس هذا الأثر على حجم التكلفة، على ضوء منطق الجدوى الاقتصادية وحسابات التكلفة والعوائد، وفى هذا الإطار تتسع التفاصيل وتكشف عن مفارقات ضخمة ومدهشة.
الخطوة الأولى على طريق حسابنا لتكلفة مجلس النواب، تبدأ من مرحلة الترشح والدعاية للانتخابات التى جرت على مرحلتين فى 27 محافظة، وقد شهدت هذه الانتخابات ترشح أكثر من 5441 مواطنًا للمنافسة على المقاعد الفردية البالغ عددها 448 مقعدًا، إضافة إلى 12 قائمة تنافست على 120 مقعدًا للقوائم فى أربعة قطاعات على امتداد الجمهورية، وبينما حدد القانون 500 ألف جنيه سقفًا للدعاية الانتخابية للفردى، و2.5 مليون جنيه للقوائم المكونة من 15 مرشّحًا، و7.5 مليون جنيه للقوائم المكونة من 45 مرشّحًا، مع مبالغ أقل نسبيًّا فى مرحلة الإعادة، نكتشف بحسبة بسيطة أن الرقم الرسمى للدعاية الانتخابية يتخطى 3 مليارات جنيه، ولكن كثيرين من المراقبين والمراكز البحثية المتخصصة قفزت بالرقم فوق هذا الحد كثيرًا، ووصل بعضها - ومنها مركز المصريين للدراسات السياسية والقانونية والاقتصادية – بتقديرات تكلفة الدعاية الانتخابية لـ35 مليون جنيه، وتحدث البعض عن إنفاق الأحزاب لـ4 مليارات جنيه على الانتخابات، ويدعم فكرة تضخم مصروفات الدعاية حجم ما تم تقديمه من شكاوى وبلاغات من المرشحين المتنافسين بتهمون منافسيهم بتجاوز سقف الإنفاق، وفى محاولة للخروج من غابة الأرقام يمكننا الاستضاءة بالتقديرات المتوسطة والمتفق عليها بين القطاع الأوسع من المختصين، والتى وسلت بالمبلغ إلى 8 مليارات جنيه، وهو ما يمثل ضعف التكلفة المسموح بها قانونيًّا.
الضلع الثانى فى مربع تكلفة مجلس النواب يتعلق بما تحملته الدولة من تكلفة للانتخابات، والتى اقتربت من مليارى جنيه خلال مرحلتى الانتخابات بجولاتها الأربع، يضاف إليها الضلع الثالث والمتمثل فى تكلفة الإجراء الذى اتخذته الحكومة بمنح إجازة نصف يوم للعاملين بالقطاع الحكومى بدءًا من جولة الإعادة بالمرحلة الأولى، وهى الإجازة التى تتجاوز تكلفتها 650 مليون جنيه للمرة الواحدة، ما يجع مجموعها فى إعادة المرحلة الأولى وجولتى المرحلة الثانية مليارى جنيه تقريبًا، ويقفز بإجمالى الضلعين لـ4 مليارات جنيه.
رابع أضلاع تكلفة مجلس النواب 2015 تتمثل فى موازنة المجلس نفسه ومصروفاته وتكلفة إدارة دولاب العمل داخله ومكافآت وبدلات النواب، والتى تقترب من مليار جنيه فى السنة، وتحديدًا كانت 979 مليون جنيه فى موازنة العام 2015/ 2016، ثم ارتفعت ضمن الموازنة الجديدة 2016/ 2017 إلى 997 مليون جنيه، وبمدّ الخط على استقامته بنسبة الزيادة نفسها سنويًّا خلال الفترة الباقية من عمر المجلس، سنجد أن موازنة المجلس فى الفصل التشريعى الحالى بسنواته الخمسة، ستتجاوز 5 مليارات جنيه.
بين الانتخابات وموازنة المجلس.. 28 مليون جنيه تكلفة النائب البرلمانى
بالنظر فى كل الأرقام السابقة، بدءًا من تكلفة الدعاية الانتخابية، ثم إجراء الانتخابات نفسها، ثم موازنة المجلس ومكافآت وبدلات النواب، نجد أن الفاتورة تصل إلى 17 مليار جنيه أو يزيد قليلًا، وقياسًا على عدد أعضاء المجلس، 568 نائبًا منتخبًا عن الفردى والقوائم، و28 نائبًا معيّنًا، أصبحوا 27 عقب استقالة المستشار سرى صيام خلال فبراير الماضى، نجد أن متوسط تكلفة النائب تتخطى 28 مليون جنيه.
وسط هذه الغابة من الأرقام والتقديرات القريبة من الدقة بدرجة كبيرة، وعلى امتداد 27 محافظة تضم عشرات الدوائر الانتخابية للفردى، و4 قطاعات للقائمة، لا يمكننا أن نحسب جدوى مجلس النواب – حتى الآن ودون مصادرة على الفترة الطويلة الباقية من عمر فصله التشريعى – بعيدًا عن معاناة قطاعات واسعة من المواطنين فى محافظات الجمهورية ومدنها وقراها، وعن وجهة نظرهم فى أداء المجلس، وحجم إحساسهم بما أنتجه البرلمان وتركه من آثار على حياتهم ومستويات معيشتهم، فى ضوء هذه التكلفة الضخمة التى يتكلفها البرلمان، 17 مليار جنيه، ونصيب كل نائب من هذه التكلفة، 28 مليون جنيه، وما يعود على المواطنين أمام كل هذه الأرقام، فهل ترى – عزيزى المواطن – أنك حصلت من المجلس حتى الآن على فائدة توازى حقيقة أن نائب دائرتك يكلفك 28 مليون جنيه فى 5 سنوات.