انتشر مصطلح "العدالة الاجتماعية" فى الشارع المصرى بكثرة خلال الفترة الماضية، خاصةً بعد ثورة 25 يناير 2011، التى كانت العدالة أحد شعاراتها بعد "العيش" و"الحرية"، وأصبحت مطلبًا عامًا ينادى به أغلب الساسة والشخصيات العامة، نظرًا لأن مفهومها يشمل العديد من الخصائص والصفات التى وإن تحققت؛ فقد نجحت الثورة فى تفعيل مطالبها على أرض الواقع، بعد قطع شوط طويل من المناوشات السياسية والاجتماعية.
التعريف الشامل لمفهوم العدالة الانتقالية
الفيلسوف الأمريكى جون رولز (1921– 2002) يشير فى تعريفه لمفهوم العدالة إلى أن حياة الإنسان تبقى فى حاجة ماسة لعدالة قائمة على أساس المساواة والإنصاف لضمان استمراره وتحقيق أمنه، فـ"رولز" صاغ نظرية "العدالة التوزيعية" من فلسفة "أرسطو"، إذ يجب أن تكفل العدالة فى النهاية الحق الإنسانى ضمن المنظومة القانونية التى يجب أن تكون متوازنة، ولا يشوبها أى نقص أو خلل يُنْقِصُ من مصادقيتها، فالعدالة الاجتماعية مفهوم واسع تندرج تحته العديد من الحقوق والواجبات اللازم تفعيلها جميعًا للوفاء باستحقاقات هذا المبدأ الأساسى من مبادئ التعايش السلمى لخَلْق نظام "اقتصادى– اجتماعى" ذات أساسات صلبة، وتحقيق الإنصاف فى مناحى الحياة كافة.
وتحدث الفيلسوف اليونانى أفلاطون عن "العدالة" وقال إنها تتحقق بدءًا من المستوى الفردى حين تنسجم قوى النفس الشهوانية والغضبية والعاقلة، كما تتحدد على صعيد المجتمع حين يؤدى كل فرد وظيفته بإخلاص دون كلل أو تَدَخُّل فى عمل الآخرين.
العدالة الاجتماعية فى الدستور المصرى
الدستور المصرى تحدث عن "العدالة الاجتماعية" فى مادته الثامنة، إذ تنص على: "يقوم المجتمع على التضامن الاجتماعى، وتلتزم الدولة بتحقيق العدالة الاجتماعية، وتوفير سُبُل التكافل الاجتماعى، بما يضمن الحياة الكريمة لجميع المواطنين، على النحو الذى ينظمه القانون"، فيما أشارت المادة التاسعة عن تكافؤ الفُرَض، فتنص على: "تلتزم الدولة بتحقيق تكافؤ الفرص بين جميع المواطنين، دون تمييز"، وتطرقت المادة 11 إلى المساواة بين الجنسين، والتى تُعَد إحدى المقومات الأساسية للعدالة الاجتماعية، فنصت على: "تكفل الدولة تحقيق المساواة بين المرأة والرجل فى جميع الحقوق المدنية، والسياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، وفقًا لأحكام الدستور، وتعمل الدولة على اتخاذ التدابير الكفيلة بضمان تمثيل المرأة تمثيلًا مناسبًا فى المجالس النيابية، على النحو الذى يحدده القانون، كما تكفل للمرأة حقها فى تولى الوظائف العامة ووظائف الإدارة العليا فى الدولة والتعيين فى الجهات والهيئات القضائية، دون تمييز ضدها، وتلتزم الدولة بحماية المرأة ضد كل أشكال العنف، وتكفل تمكين المرأة من التوفيق بين واجبات الأسرة ومتطلبات العمل، كما تلتزم بتوفير الرعاية والحماية للأمومة والطفولة والمرأة المعلية والمسنة والنساء الأشد احتياجًا".
ما هى عناصر العدالة الاجتماعية؟.. وما الأهداف المرجوة منها؟
ووفقًا للمجلس القومى للمرأة، فإن عناصر العدالة الاجتماعية تشمل: التوزيع العادل لناتج النمو العام، والقضاء على سياسات التهميش والإقصاء والتهميش الاجتماعى، والمساواة بين الجنسين، وتعزيز حقوق المهاجرين والأقليات، وتكافؤ الفُرَص.
ووضع المجلس عدة أهداف تنتج عن التحقيق الفعلى للعدالة الاجتماعية، منها: إزالة الفوارق الاجتماعية والاقتصادية بين طبقات المجتمع، وتفعيل "الإنصاف" والتوزيع العادل للثروة القومية، وتحقيق الأمان والسِلْم الاجتماعى، ومواجهة الفقر والحِرْمان وتحقيق التقدم والرُقى عن طريق تهيئة الظروف الاجتماعية والنفسية للإنسان.
وتمر العدالة الاجتماعية عَبْر ثلاثة مستويات رئيسية: المؤسسى، والتشريعى، والتنفيذى، إذ يجب وضع التشريعات والقوانين الخاصة بالعدالة الاجتماعية لضمان تحقيقها، ومن ثَم تعاون جميع الأطراف المعنية؛ لتنفيذ عدة خطوات ضرورية لتفعيل العدالة، لعل أبرزها تعاون شركاء التنمية من مؤسسات الدولة، والمجتمع المدنى غير الهادف للربح، والقطاع الخاص، بالإضافة إلى استهداف المناطق الفقيرة والعشوائية، ووضع خطة عمل زمنية متعددة المراحل تتضمن برامج تنموية اجتماعية اقتصادية، ومحاربة جميع أشكال الإقصاء الاجتماعى.
ويدخل الحدان الأدنى والأقصى للأجور ضمن ماكينة الإجراءات الرئيسية لتفعيل العدالة الاجتماعية، إذ تستهدف هذه الخطوة تحقيق العدالة فى توزيع الثروة، وإذابة الفوارق بين الطبقات بشكلٍ تدريجى وسد الفجوات الموجودة بين فئات المجتمع المختلفة، فضلاً عن ضبط الأسواق، وتفعيل دور منظمات المجتمع المدنى ومساعدتها فى مساندة خطط تنمية المجتمع، وإقرار مبدأ تكافؤ الفُرَص فى مجال الخدمات الأساسية من تعليم، ورعاية صحية، وإسكان، وتأمينات اجتماعية.
أين الحكومة المصرية من العدالة الاجتماعية؟
وشَكَّلَ مجلس الوزراء المصرى برئاسة المهندس إبراهيم محلب، رئيس الحكومة الأسبق، لجنة "العدالة الاجتماعية"، لتأكيد الاهتمام بمحدودى الدخل ووضع خطة متكاملة للنهوض بالمناطق الأكثر فقرًا واحتياجًا ووصول الدعم لهم، ليوجّه المهندس شريف إسماعيل رئيس الوزراء الحالى لتفعيل عَمَل اللجنة.
ونص قرار تشكيل اللجنة على أن تختص باعتماد سياسات العدالة الاجتماعية، وإدماج الفقراء اجتماعيًا وسياسيًا، ووضع برنامج لتحديد المناطق الأكثر فقرًا تحديدًا جغرافيًا، سواء كانت قرى، أو مناطق عشوائية بالمدن، بالإضافة إلى وضع خطة متكاملة لرفع مستوى المناطق الفقيرة اجتماعيًا واقتصاديًا وبيئيًا، وتحسين أحوال السكان المقيمين بها، ومساعدتهم على تنفيذ وتشغيل مشروعات صغيرة أو متناهية الصغر، تحولهم إلى حالة الاكتفاء والاعتماد على النفس.
وتختص اللجنة وفقًا لبيانٍ سابق أصدره مجلس الوزراء، بتحديد المشروعات المطلوب تنفيذها لتحقيق هدف النهوض بهذه المناطق فى جميع المجالات (مياه شرب– صرف صحى– مدارس– وحدات صحية– طرق– إنارة– ساحات– مناطق وحضانات للمشروعات)، فضلاً عن مراجعة برامج الدعم المختلفة، وتحديد التمويل اللازم لتنفيذ هذه المشروعات.
وتضع اللجنة خطة زمنية لتنفيذ هذه المشروعات حسب أولوياتها، وفى ضوء التمويل المتاح، على أن تُضَم لبرامج ومشروعات الخطة الخماسية السادسة للتنمية الاجتماعية والاقتصادية، والتنسيق بين الوزارات والجهات القطاعية المختصة بإقامة البنية الأساسية، أو بتوفير الخدمات الاجتماعية المختلفة.
وتختص اللجنة بتشجيع منظمات الأعمال والجمعيات الأهلية ومؤسسات المجتمع المدنى على المشاركة فى تنفيذ الخطة الزمنية سواء بشكل مباشر (تبنى أحد المشروعات بالكامل) أو بشكل غير مباشر.
أبو حامد: المعيار الأساسى للفروق بين الأفراد فى العدالة الاجتماعية هو "الجدارة"
النائب محمد أبو حامد، عضو ائتلاف "دعم مصر"، قال إن مفهوم "العدالة الاجتماعية" واسع، ولديه العديد من التعريفات، ولكن من وجهة نظره فإن أدق تعريفاته هو أنه "حالة عند تحقيقها فى المجتمع فإن الفُرَص المتكافئة تتوفر بين المواطنين، ليتمكن أى فرد بمقتضى هذه الفُرَص من الارتقاء لمرتبة اقتصادية أو اجتماعية أعلى، بناءً على معيار واحد فقط وهو "الجدارة".
وأضاف أبو حامد، المتخصص فى علم الاجتماع السياسى، فى تصريحاتٍ لـ"برلمانى" أنه وفقًا لهذا التعريف، فإن "التمييز" يتلاشى تمامًا من المجتمع، ويكون المعيار الأساسى للفروق بين الأفراد هو "الجدارة"، فالتعريف يتحدث عن فرص الارتقاء المجتمعى على أساس الجدارة، وأن أية معوقات تكون فى طريق تكافؤ الفرص يجب التصدى لها بإجراء إصلاحات تشريعية من الدولة ومؤسساتها.
العدالة الاجتماعية تشمل جميع جوانب المجتمع وليس الشق الاقتصادى فقط
وأشار أبو حامد إلى أن المبدأ الذى كان متصدرًا طوال الوقت فى أعقاب ثورة 25 يناير، هو أن العدالة الاجتماعية معناها تطبيق الحدين الأقصى والأدنى للأجور، والضرائب التصاعدية، مؤكّدًا أنهما جزءًا من العدالة الاجتماعية ويندرجان تحت العدالة فى توزيع الثروة بين المواطنين، ولكن العدالة الاجتماعية تشمل جميع جوانب المجتمع، إذ أن الارتقاء علميًا ومعارفيًا بالمواطنين يندرج تحتها، بالإضافة إلى تكافؤ الفرص فى الوظائف، وتمثيل سياسى وقانونى للمواطنين، بمعنى أن تكون هناك فرص للمشاركة فى الوظائف المختلفة والانتخابات والترشح، فضلاً عن أهمية معرفة كل مواطن لحقوقه القانونية التى تُمكّنه من اتبّاع الإجراءات الشرعية والقانونية إذا وقع عليه أى ظلم، فالعدالة الاجتماعية لا تشمل الشق الاقتصادى فقط.