تحليل يكتبه - أحمد يعقوب
يعد أحد أهم مفردات وآليات السوق الحر، حرية تحديد السلعة أو العملة المحلية عن طريق تفاعل قوى العرض والطلب، وبعد تحرير سعر الجنيه المصرى، شهد سعر العملة المحلية أمام الدولار تذبذب حاد، بعد أن لامس السعر 20 جنيهًا للدولار، بعد شهر ونصف من التعويم الذى تم فى 3 نوفمبر الماضى، إلى أن تراجع بشكل حاد خلال الأسبوعين الماضيين، إلى متوسط 15.7 جنيه للدولار حاليًا، ليبرز التساؤل حول مستقبل سعر الجنيه خلال السنوات القليلة القادمة.
من المتوقع أن يشهد شهرى مارس وأبريل زيادة الطلب على الدولار لاستيراد سلع ومنتجات شهر رمضان الموسمية، وفى ظل التوقعات التى تشير إلى قفزة متوقعة لسعر الدولار أمام الجنيه من المتوسط الحالى البالغ 15.7 جنيه للدولار، وهو ما يمثل ضغطًا على موارد البنوك العاملة فى السوق المحلية من العملات الأجنبية فى ظل التراجع الملحوظ خاصة وأن الـ12 مليار دولار، التى تمثل الحصيلة بعد التعويم تم ضخها بالكامل فى تلبية فتح الاعتمادات المستندية اللازمة لاستيراد السلع والخدمات من الخارج.
ويمثل سداد أقساط الديون الخارجية لمصر على مدار السنوات القادمة بنحو 15 مليار دولار، من أبرز الضغوط التى تواجهها الحكومة، ولكن الأساس هو الالتزام التاريخى لمصر بسداد تلك الأقسام فى مواعيدها حيث إن تلك الأقساط لها جداول سداد محددة زمنيًا يستعد البنك المركزى المصرى قبلها بوقت كافى، بما يؤكد القدرة على السداد حتى مع تحديات تقلب سعر الصرف.
وتعد تدفقات الاستثمارات فى أذون الخزانة المصرية ووصول الشريحة الثانية من قرض صندوق النقد الدولى لمصر بقيمة 1.2 مليار دولار، إلى جانب تدفق الشرائح الأخرى لقروض مصر من المؤسسات الدولية من البنك الدولى وبنك التنمية الأفريقى، تدفقات هامة تعزز قدرة البنك المركزى المصرى على المناورة فى سوق الصرف بتعزيز أرصدة الاحتياطى من النقد الأجنبى.
ولأن الانخفاض الأخير فى سعر العملة الأمريكية، أثبت أن سياسة اكتناز العملة من قبل المواطنين، كانت مستمرة حتى بعد تعويم الجنيه، وتلاشى الفارق بين السعرين فى السوق الرسمية بالبنوك، والسوق السوداء، وتؤكد على أن سياسة البنك المركزى المصرى بمباغتة السوق بإجراءات مفاجئة وزيادة تدفقات الدولار فى الجهاز المصرفى، وإجراءات الحكومة فى ترشيد الاستيراد من الخارج، أتت بالعديد من المنافع على الاقتصاد المصرى وأدت إلى تراجع سعر العملة، ليستقر خلال الفترة القادمة بين 13 و15 جنيهًا للدولار، وهو السعر العادل والمعبر عن حقيقة الاقتصاد المصرى.
وسوف يسهم الحصول على صرف الشرائح القادمة من قروض صندوق النقد الدولى والبنك الدولى والبنك الأفريقى للتنمية، فى تعزيز أرصدة الاحتياطى الأجنبى ليصل إلى أكثر من 35 مليار دولار، خلال سنوات قليلة، فى ظل تراجع الدعم الخليجى لمصر نظرًا لانخفاض أسعار البترول عالميًا وأثره على منطقة الخليج، إلى جانب منح مصر شهادة ثقة فى الإجراءات الإصلاحية التى تتخذها وتعكف عليها، وجذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة فى القطاعات الواعدة فى الاقتصاد المصر خاصة الطاقة والغاز، والذى سوف يدعم قطاع الصادرات المصرية، ومشروعات محور قناة السويس.
وتكمن العلاجات قصيرة الأجل فى ملف تقوية العملة المحلية، وسد الفجوة التمويلية – تعنى الفجوة بين المصروفات والإيرادات بالعملة الصعبة – والتى تقدر وفقًا لوثائق صندوق النقد الدولى بنحو 35 مليار دولار على مدار 3 سنوات، ببرنامج الطروحات الحكومية بالبورصة المصرية، الذى بدأ ببنك القاهرة، وتحسن التدفقات السياحية برفع حظر السفر إلى مصر تدريجيًا من قبل دول مختلفة حول العالم، وجذب تدفقات رؤوس الأموال الأجنبية ورفع وتيرة تنفيذ مشروعات محور قناة السويس، لأنه المشروع الحقيقى القادر على نقل مصر إلى مصاف الدول مرتفعة النمو فى الناتج المحلى الإجمالى بنحو 5 و7% خلال سنوات قليلة قادمة.
وتتمثل مصادر العملة الصعبة ذات الأهمية للبلاد، فى الاستثمارات الأجنبية المباشرة، وإيرادات قطاع السياحة ورسوم عبور قناة السويس، وتحويلات العاملين المصريين بالخارج، وإيرادات الصادرات، إلى جانب المساعدات والمنح والودائع من دول الخليج وتركيا التى دعمت أرصدة الاحتياطى الأجنبى خلال الفترة الماضية، وبعض تلك القطاعات تأثرت بالفعل على مدار السنوات الـ6 الماضية نتيجة الاضطرابات، خاصة قطاعى الاستثمارات والسياحة.
تبقى هنا الإشارة إلى أن الأساس لكل تقدم اقتصادى للدول على اختارت برنامجًا اقتصاديًا لإصلاح مشكلات خلل الاقتصاد الكلى من عجز الموازنة العامة للدولة، وخفض الدين العام المحلى والخارجى، ورفع معدلات النمو، يكمن الحل فى العلاج الجذرى لمعدلات الفساد المرتفعة والتى أنجزت فيه هيئة الرقابة الإدارية خطوات هامة خلال الأيام الماضية بكشف العديد من القضايا فى جهات حكومية ومحلية عدة، بما يؤكد رؤية الرئيس عبد الفتاح السيسى، بمكافحة الفساد وخفض معدلاته، حتى لا تلتهم ثمار الإصلاح الاقتصادى الذى بدأته مصر بقرارات اقتصادية جريئة.