أثارت ملاحظات قسم التشريع بمجلس الدولة على مشروع قانون العمل الجديد بشأن النصوص المتعلقة بتنظيم الإضراب عن العمل، حالة من الجدل الشديد، ومناشدته للمشرع بضرورة تنظيم الحق فى الإضراب بالنسبة للموظفين العموميين، فى ظل خلو قانون الخدمة المدنية رقم 81 لسنة 2016 من أى أحكام تتعلق بتنظيمه، وعدم خضوع الموظفين لأحكام هذا القانون، حتى لا تكون الدولة أمام حالة فراغ تشريعى.
وفى ظل تأكيد الدستور فى المادة 15 منه على أن :"الإضراب السلمى حق ينظمه القانون"، فإن الدستور ترك تنظيم الإضراب للقانون، دون تحديد مسمى لهذا القانون، لتؤكد اللجنة التشريعية ولجنة القوى العاملة بمجلس النواب، أن قانون العمل الحالى رقم 12 لسنة 2003 تضمن بابا كاملا ينظم الإضراب، وهو ما يتضمنه مشروع قانون العمل الجديد المعروض على اللجنة، وبالتالى تسرى هذه النصوص على كل العاملين والموظفين بالجهاز الإدارى للدولة حتى لو كانوا غير خاضعين لقانون العمل، وبالتالى لا يوجد أى فراغ تشريعى ـ بحسبهم.
.
وكان قسم التشريع بمجلس الدولة، لاحظ أن تعريف الإضراب فى مشروع القانون، جعل الإضراب السلمى يتم داخل "مقر العمل" دون بيان ضابط ذلك، خاصة أنه قد يتداخل مع أحد أشكال الإضرابات والتى تعرف ب"الإضراب مع احتلال الأماكن" أو "الاعتصام داخل مقر العمل"، وهو ما انقسم حوله الفقه القضائى حول مدى مشروعيته بين مؤيد ومعارض، حيث يرى المؤيد أن ذلك شكل من أشكال ممارسة الإضراب، أما الاتجاه المعارض فيرى أن ذلك يمس بحق الملكية لصاحب العمل، ويحول دون انتفاعه به على الوجه الأمثل، كما يمس بحق العمال الآخرين غير المضربين والراغبين فى أداء أعمالهم، ويتعارض أيضًا مع حق الدولة فى الضرائب على الإنتاج والتى يعطل الإضراب فى مقر العمل دفعها.
وبشأن الإضراب أيضًا، لاحظ القسم أن المادة 203 من مشروع القانون نصت على أن يحظر الإضراب أو الدعوة إليه أو إعلانه بالمنشآت الاستراتيجية أو الحيوية، التى يصدر بتحديدها قرار من رئيس مجلس الوزراء، ويرى القسم أنه يتعين تحديد مفهوم تلك المنشآت أو بيان معايير تحديدها بموجب القانون دون الاكتفاء بمجرد تحديدها بقرار يصدر من رئيس مجلس الوزراء، نظرًا لمساس هذا الحكم بأصل الحق.
عضو باللجنة التشريعية: حظر الإضراب فى المنشآت الحيوية والاستراتجية
وقال النائب إيهاب الطماوى، عضو لجنة الشئون الدستورية والتشريعية بالبرلمان، فى تصريح لـ"برلمانى"، إنه لا أحد ينكر دور قسم التشريع بمجلس الدولة فى التعاون مع مجلس النوب، والذى فى معظم الأحيان تكون ملاحظاته مفيدة للمشرع ويؤخذ بمعظمها تحقيقا لمصلحة المصريين، فالتشريع يصدر دائما وفقا للبيئة التى يصدر بها وكل نص وضعى من صنع البشر يقبل المراجعة والتعديل فى أى وقت لمعالجة التطورات التى تحدث فى البيئة المحيطة.
وأشار "الطماوى"، إلى أن أى حق من الحقوق العامة التى وردت فى الدستور يجب تنظيمه بتشريع، وهناك فارق بين تعطيل المرافق العامة والاستراتجية وبين ممارسة حق الإضراب المنصوص عليه فى الدستور، ومع ذلك فإن وضع ما ينظم حق الإضراب المنصوص عليه فى المادة 15 من الدستور بقانون العمل ينصرف إلى المنشآت الخاصة، وعند الحاجة فإنه يصلح كقاعدة منظمة لما يرد به نص خاص.
.
وتابع الطماوى: "ومن وجهة نظرى فإن قانون الخدمة المدنية وقانون العاملين بالدولة وباقى القوانين المنظمة للعمل داخل المنشآت الحيوية والاستراتجيبة وذات الأهمية الخاصة وحماية للأمن القومى المصرى، كان من الضرورى عدم وجود نص خاص بحق الإضراب فيها، نفاذا لقاعدة انتظام وسير العمل بالمرافق العامة والحيوية والاستراتجية وذات الأهمية الخاصة".
وتابع عضو اللجنة التشريعية: "وعند عرض أى إشكالية تتعرض لممارسة أو تنظيم حق الإضراب، للمحكمة ولقاضى الموضوع أن يستعين بالنصوص المكملة أينما وردت بأى تشريع آخر، وبالتالى من وجهة نظرى لا يوجد فر اغ تشريعى أو تناقض بين ممارسة الحق المنصوص عليه فى المادة 15 من الدستور، وبين نصوص القوانين والتشريعات المنظمة لعلاقات العمل مع المنشآت العامة والحيوية والاستراتجية.
وأوضح أن المادة 203 من مشروع قانون العمل، نصت على أن يحظر الإضراب أو الدعوة إليه أو إعلانه بالمنشآت الاستراتيجية أو الحيوية، بما يؤكد أن فلسفة المشرع واحدة لم تتغير، وتنظم ممارسة الحق دون يصل إلى مستوى تعطيل المنشآت الحيوية، وهذا النص لا يتعارض مع النص الدستورى".
واستطرد: "يوجد على رأس السلطة التشريعية أحد أهم فقهاء القانون الدستورى وأحد اعضاء لجنة العشرة التى وضعت دستور 2014، الدكتور على عبد العال، وهو من أحرص الناس على الالتزام بأحكام الدستور ووجود فلسفة واضحة للمشرع المصرى".
"قوى عاملة البرلمان": قانون العمل الجديد ينظم مواد الإضراب لجميع الموظفين
وفى هذا الصدد، قال النائب محمد وهب الله، وكيل لجنة القوى العاملة بمجلس النواب، إن البرلمان لم يكن ملزمًا بالنص على تنظيم مواد الإضراب بقانون الخدمة المدنية، وذلك لأن المواد المنظمة له مدرجة بقانون العمل لعام 2003 كما أنه سيدرج بالقانون الجديد.
وأضاف وكيل لجنة القوى العاملة، أن قانون العمل هو أبو القوانين المنظمة للقواعد المتعلقة بالعاملين، لافتًا إلى أنه يحتوى على باب خاص يتعلق بالإضراب وتنظيمه لجميع الموظفين ما لم يرد أى نص آخر معارضا ويطبق على جميع الهيئات الموجودة بالدولة.
وأشار وهب الله، إلى أن اللجنة ستدرج كلمة "يطبق نصوص الإضراب الخاصة على جميع العاملين بالدولة" خلال مناقشة القانون الجديد والذى يبدأ مناقشته الإثنين المقبل، قائلا: "هناك 5 قوانين عمالية فى مصر، وهى قانون 203 لسنة 1991 والخاص بالعاملين فى قطاع الأعمال العام 48 لسنة 1978 للعاملين بالقطاع العام وقانون 159 للشركات المساهمة، وقانون 81 للعاملين المدنيين بالدولة وقانون 12 لسنة 2003 ولا يوجد أى استراتيجية منظمة للإضراب سوى بقانون العمل ".
جمال عقبى يقترح النص على الإضراب لمدة لا تزيد عن ساعتين
وأكد النائب جمال العقبى، وكيل لجنة القوى العاملة بمجلس النواب، أن اللجنة ستسعى لتنظيم مواد الإضراب بشكل أكثر دقة بقانون العمل الجديد، قائلا: "اللى بيحصل فى مصر دلوقتى مش إضراب.. ده قلة أدب و دمار و تعطيل للمصالح العامة".
وأضاف وكيل لجنة القوى العاملة، أنه سيسعى للنص فى مشروع قانون العمل الجديد على تنظيم الإضراب، والنص على أن يكون هناك إخطار بتنظيمه لمدة ساعة أو ساعتين على الأكثر و بمكان معين لا يعطل المرور، ودون ذلك غير مسموح به، على حد قوله.
و شدد "عقبى"، على أن الإضراب هو حق مشروع لكن يجب تقنينه، مؤكدا أن ذلك سيشمل أيضا الأطباء و الصيادلة، حتى لا يكون هناك تهديد على صحة المصريين، فلا يوجد مجال للقبول بتنظيم إضراب لأيام أو جزئى كما يقال عنه، فلابد ألا تزيد مدته عن ساعتين على الأكثر.
عبد الرازق الزنط يطالب بحظر الإضراب فى كل مؤسسات الدولة
بدوره، طالب النائب عبد الرازق زنط، أمين سر لجنة القوى العاملة، بالنص على حظر الإضراب فى أى مؤسسة أو منشأة تقدم خدمات للمواطنين، حتى لا يتم تعطيل العمل والإنتاج، مؤكدا أن الإضرابات تهدد السلم والأمن القومى.
وقال "الزنط": "كل ما يتعلق بالعمل مثل الإضراب والتظاهر والنقل والانتداب والترقية، سيتم تنظيمه فى مشروع قانون العمل"، متابعا: "كلمة إضراب بالنسبة لى مفزعة، وقانون التظاهر نص على حق التظاهر السلمى للتعبير عن الرأى والمطالب، دون أن يترتب على التظاهر تخريب ولا تدمير ولا تعطيل للعمل، وبالتالى من يريد أن يعبر عن رأيه ومطالبه فليلجأ للقنوات الشرعية، وأنا ضد الإضراب عن العمل عموما، لأنه يعطل العمل والإنتاج، وسأطالب بحظره فى القانون الجديد".
وتابع "الزنط": "حاليا أى تجمع ممكن يستغله البعض للتصعيد والتخريب، وتندس فيه مجموعات مغرضة لتحقيق أغراض أخرى غير غرض المجموعة الداعية للإضراب"، مشيرا إلى أن نصوص الإضراب فى قانون العمل ستطبق على جميع الموظفين والعاملين فى الجهاز الإدارى للدولة.