لم يكن اكتمال شكل الدولة المصرية بمؤسساتها حدثا صغيرا لأعداء الوطن، بل هناك من راهن كثيرا على عدم قدرة مصر ونظام 30 يونيو على استكمال مؤسساته، ووضع دستوره، وانتخابات الرئاسة والبرلمان، والتى كانت تمثل خارطة الطريق، فعمل كيرون فى الداخل والخارج على عرقلة هذه الخطوات، لإفشال حلم كيان الدولة مكتملة المؤسسات، وسعت منظمات وأجهزة دولية وإقليمية، وأنظمة حكم، وجماعات لعرقلة تلك الخطوات، وما أن كانت مصر تنتهى من استحقاق لخارطة الطريق، إلا وتشتد الحرب على الدولة، لتوقف مسيرة الاستحقاق التالى له، لا لشىء إلا لتصوير الدولة غير قادرة على القيام مرة أخرى.
البرلمان المصرى كان الأكثر تعرضا للتشويه والاستهداف، فمنذ اليوم الأول لعمل مجلس النواب وهو يواجه حملة ضارية، كانت تبدو عادية فى أول الأمر، غير أن الأمور تطورت مع بداية الاشتباكات التى دخل فيها البرلمان فيما يتعلق بالتشريعات وخطوات الإصلاح الاقتصادى، حتى بدأت الحرب تشتد عليه، وبدأت جماعة الإخوان تنفق الكثير للتشويش على عمله، بالتزامن مع الحرب الخارجية التى تقودها منظمات دولية، استهدفته كمجموعة من خلال الهجوم الجماعى عليه، وكأفراد من خلال العمل على دفع بعض من ينتمون إليه للشوشرة داخل المجلس، وعرقلة عمل المجموعة، حتى اضطر البرلمان فى الفترة الأخيرة لفلترة العناصر المشاغبة بداخله، والتصدى لمحاولات إسقاطه من الداخل، وضربه من الخلف ممن ينتمون إليه بالأساس.
فى كل ما سبق لا يمكن إنكار أن هناك أخطاء بالفعل تحدث وحدثت خلال الفترة التى عمل فيها البرلمان، كانت كلها متعلقة بالأمور الإجرائية والتنظيمية، وأخرى بشأن عدم القدرة على تسويق إنجازات المجلس للجمهور، وثالثة كان سببها الخلاف الداخلى بين النواب وبعضهم البعض، ومعارك النواب والإعلام.
لكن يقفز السؤال سريعا، هل هذه الأخطاء عصية على الحل؟، وهل الحملة التى يتعرض لها البرلمان بحجم الأخطاء الصغيرة التى وقع فيها؟، وهل مع الإقرار بوجود أخطاء يكون الحل فى هدم الكيان ذاته، أم العمل على الإصلاح، وترك التجربة تظهر جوانبها الإيجابية، خاصة أن كثيرا من نواب هذا المجلس من الشباب والعناصر التى تعمل بالحقل النيابى لأول مرة.
هذه الأسئلة، وما ذكرناه فى مقدمتنا، كان بمثابة أطر للحديث مع أساتذة علوم سياسية، وخبراء مراكز بحثية، حول البرلمان وما يتعرض له وما قدمه خلال الفترة الماضية.
مصطفى كامل السيد: نشاط البرلمان سبب الحملة عليه
فى البداية، قال مصطفى كامل السيد عضو هيئة التدريس بقسم العلوم السياسية بالجامعة الأمريكية بالقاهرة، إن الحملات التى تشن على البرلمان لا يجب أن تكون بالضرورة ممنهجة، حيث إن البرلمان عليه دور كبير فى هذه المرحلة التى تلت الربيع العربى وخصوصا عقب ثورة 25 يناير، لافتا إلى أنه يقوم بوضع الأطر التى تقوم عليها الحياة السياسية فى مصر أو العديد من الدول المختلفة.
وتابع أستاذ العلوم السياسية فى تصريحات لـ "برلمانى"، أن أداء النواب مهم للغاية، فعلى الرغم من وجود أخطاء بالبرلمان إلا أنه يمكن مناقشتها والرجوع إلى نخبة الخبراء البرلمانية التى يضمها البرلمان، مطالبا بضرورة تفعيل دور الأحزاب على أرض الواقع بالشارع المصرى، لافتا إلى أنه لا توجد سوى أحزاب معدودة يعرفها الجميع بنشاطها أما باقى الـ109 أحزاب فلا يعلم أى مواطن عنها شيئا.
وأضاف "كامل السيد"، أن البرلمان يضم خبراء برلمانيين بالمعنى الحقيقى للكلمة، ولا بد للنواب من اللجوء إليهم والاستفادة منهم، وخصوصا أن هناك قطاعا كبيرا منهم حديثى العهد بالبرلمان، لافتا إلى أن الدور الكبير الذى يلعبه البرلمان يعتبر سببا فى الحرب التى تشن عليه والدليل على ذلك، إعادة البرلمان لعدد من مشروعات القوانين إلى الحكومة ومجلس الدولة لإعادة النظر فيها.
واستطرد أستاذ العلوم السياسية إلى القوانين الشائكة التى ناقشها البرلمان، وقال إنه اشتبك بشكل كبير فى أمور تخص إجراءات الإصلاح الاقتصادى، لذا كان ذلك بمثابة "عش دبابير" دخله البرلمان.
طارق فهمى: المجلس يؤدى أداء جيدا ومع مرور الوقت سيكون أفضل
قال الدكتور طارق فهمى أستاذ العلوم السياسية، إنه من الواضح أن مجلس النواب منذ بداية تشكيله، وهو مستهدف داخليا من بعض الأقلام ووسائل الإعلام، حيث يرى البعض أن هناك حالة استعداء من اإلعلام وبدأت المواجهة من أن الإعلام يشعر أنه مستبعد من البعض بسبب منع إذاعة الجلسات على الهواء.
وأضاف فهمى فى تصريح لـ"برلمانى"، أن السؤال الذى يفرض نفسه هل هناك محاولات لإظهار مجلس كونه ضعيفا ولا يؤدى دوره ويدخل فى معارك وهمية؟ ولكنى أرى أن الأمر لا يحتاج إلى كل هذا، خاصة أن المجلس فى مراحلة الأولى ولم يؤدى سوى دورتين فقط، متابعا للأمانة مجلس النواب الحالى به عناصر وخبرات جيدة ويجب أن نميز بين استهداف رئيس البرلمان نفسه ومحاولات إظهاره بصورة غير صحيحة.
وتابع أستاذ العلوم السياسية، أن المجلس فى تقديرى يؤدى أداء جيدا، ويجب ترك فرصة له بعض الوقت ليعمل مع إمكانية إصدار توصيات ونصائح له تتمثل فى ضرورة إعداد جدول أعمال جيد، بالإضافة إلى أن رئيس البرلمان يحتاج لمتحدث رسمى باسمه، خاصة أن المجلس فى حاجة لإعادة تقديم نفسه مرة أخرى.
واستطرد فهمى، أن الدكتور على عبد العال رئيس البرلمان شخصية محترمة رغم استهدافه إعلاميا، ولا يجوز مقارنته بأى رئيس سابق للبرلمان، وفيما يخص استهداف البرلمان خارجيا، لا أعتقد أنه يتعرض لذلك إلا من خلال جماعة الإخوان التى تستهدفه من خلال القنوات التى تعمل بها، مشددًا على ضرورة إعطاء فرصة لمجلس النواب لأداء دوره.
يسرى العزباوى: الحملة الممنهجة سببها الإخوان
ومن جانبه قال الدكتور يسرى العزباوى الباحث بالنظم الانتخابية بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، أن هناك حملة ممنهجة من جماعة الإخوان من أجل إظهار أن مجلس النواب بأنه برلمان فاشل ومؤيد للسلطة وغير شرعى وأن أداءه لا يعبر عن الثورة المصرية، مؤكدا أن ما يتعرض له المجلس من حملات للتشويه نتيجة لارتفاع توقعات المحللين عند انعقاد البرلمان دون العلم بآليات التشريع التى لا يفضل فيها السرعة والعجلة، فضلا عن أن البرلمان ليس دوره الخناقات مع الحكومة على الطرق والكبارى ومشروعات الصرف، لأن جزءا من مهمته الرقابة والتشريع.
وأضاف العزباوى، أن من المؤكد إذا قلنا بوجود أخطاء داخل مجلس النواب فقد يكون ذلك نتيجة لكثرة عدد النواب الذى اكتشفنا أنه يمثل عبئا فأى خطأ قابل للمناقشة والبحث، خاصة أن الأغلبية من أعضاء البرلمان جدد، ولكن فى الحقيقة هناك محاولات ليكون البرلمان ناجحا.
واستطرد العزباوى، أن المعارض تحت القبة ليس لديه الخبرة الكافية وتعد معارضة صوتية لا تستطيع أن تقود البرلمان للجودة، موضحا أن المجلس مارس الوظيفة الأساسية له فى التشريع، من حيث إقرار مجموعة كبيرة من القوانين المهمة، متابعا: أعتبر أن البرلمان لديه ميزة فى أنه جاء فى وسط أزمات ومرحلة انتقالية حيث تحمل كثيرا ومع ذلك حافظ على الزعامة.
وتابع الخبير بمركز الأهرام السياسية والاستراتيجية، أن مجلس النواب تحمل ظلما كثيرا، ومع ذلك يواصل تحقيق أعماله، لأنه يبحث عن الإصلاح، ولا ينظر إلى شعبيته ويتخذ خطوات الهدف منها الإصلاح والمساعدة.
وأردف العزباوى أن البرلمان قادر على أن يواجه التحديات فى الداخل والخارج والبعض لديه أفكار بأن دور مجلس النواب أن يكون معارضا للسلطة، ولكن الدور الحقيقى له ليس المعارضة قدر أن يكون متوازنا، لأنه يلعب دورا مهما فى سبيل إصلاح الدولة.
ورفض "العزباوى" الهجوم المتكرر على مجلس النواب، وما يذكر فى سياق أن نوابه يعملون لصالح الحكومة، ولا يراقبونها، مؤكدا أن كل ذلك فى إطار الكلام المرسل، أما على أرض الواقع فإن البرلمان يشتبك مع الحكومة كثيرا، ويراجعها فى معظم القوانين التى أقرتها.
جهاد عودة: الإخوان يشوهون البرلمان لأنه جاء نتيجة صراع سياسى معهم
قال الدكتور جهاد عودة، أستاذ العلوم السياسية بجامعة حلوان، إن الإخوان يسعون إلى تشويه البرلمان، وذلك لأنه جاء نتيجة صراع سياسى معهم، وما يقومون به يندرج تحت بند الخصام السياسى وتشويه الصورة بشكل عام.
وأضاف عودة فى تصريح لـ"برلمانى"، أن الإخوان تشوه صورة البرلمان، وعلى النواب أن يعلموا ذلك جيدا ويكونوا على قدر من الحنكة السياسية ويفعلوا أدواتهم البرلمانية الممنوحة لهم، لكشف زيف الإخوان والوقوف بجانب الشعب المصرى وممارسة الدور المنوط بالمجلس المتمثل فى الرقابة والتشريع فى وقت واحد.
وناشد أستاذ العلوم السياسية، النواب بتخطى بعض الممارسات التى يستغلها الإخوان فى تشويه الصورة فى الداخل والخارج، مؤكدا أن عدم وجود بعض الممارسات المخالفة للدستور واللائحة الداخلية للمجلس ستكون أقوى رد من النواب على التشويه المستمر للبرلمان، وسلاحا قويا للدفاع عن وتوضيح صورته فى الداخل والخارج.
وأوضح عودة، أن هناك عددا من الممارسات الخاطئة ولكن يمكن تقويمها من خلال خضوعها للمناقشة، ومنها عدم التسرع فى مناقشة القوانين حتى لا يصدر المغرضون صورة للشارع بأن القوانين يتم سلقها فى 24 ساعة، مشيدا باستخدام البرلمان حقه فى التطهير من العناصر التى قامت بممارسات ضد مصلحة الدولة المصرية واستخدم الحق القانونى وتطبق اللائحة الداخلية عليهم، وفقا لما قاموا به من ممارسات وأفعال قد تنال من صورة الدولة المصرية فى الخارج أو تشوه صورتها فى الداخل.
محمد كمال: الحكم عليه مبكر ويتعرض لخطة ممنهجة منذ اليوم الأول
قال الدكتور محمد كمال، أستاذ العلوم السياسية، إنه بالتأكيد هناك حملة ممنهجة من الانتقادات الموجهة للبرلمان، بعضها فى الداخل والأكبر منها فى الخارج، حيث إن القوى التى ليس لها تمثيل بالبرلمان تنتقد وتسعى إلى تشويهه وعلى رأسها جماعة الإخوان الإرهابية، إضافة إلى أن أى قوى معارضة تريد أن توجه انتقادا للنظام السياسى ككل، فتأخذ البرلمان كمدخل لإجهاض النظام السياسى للدولة ككل.
وتابع "كمال" فى تصريحات لـ"برلمانى"، أن حملة الانتقادات موجودة منذ اليوم الأول لظهور البرلمان، حيث إنه له العديد من الجوانب الإيجابية والسلبية، فهو استطاع الموافقة على عدد كبير من المشروعات المهمة على رأسها التى أقرها الرئيس السيسى خلال فترة غياب البرلمان، لافتا إلى أن المواطنين يريدون أن يدعم البرلمان وينشط من دوره الرقابى على الحكومة فى الفترة المقبلة فى جوانب مختلفة، إلى جانب تنشيط دوره التشريعى.
وأضاف أستاذ العلوم السياسية، أنه على الرغم من هذه الانتقادات فإن عددا من القضايا يقع فيها اللوم على الحكومة أكثر منه على البرلمان أبرزها قانون الاستثمار، لافتا إلى أن أعضاء البرلمان فى دورته الحالية أفضل من الدورات السابقة حيث ضم عددا كبيرا من الشباب المؤهل للقيام بدوره السياسى، إضافة إلى كثرة مقاعد المرأة وبه العديد من النماذج الإيجابية، إلا أنه على الرغم من ذلك يفتقد عددا من عناصر الخبرة.
واستطرد "كمال"، أن هذا وقت مبكر للحكم على البرلمان ولا بد من إتاحة الفرصة الكاملة له لممارسة دوره الكامل فى الرقابة والتشريع.
وأشار أستاذ العلوم السياسية إلى أحد أهم أسباب استهداف مجلس النواب الحالى، معتبرا أن الخلاف الإخوانى الذى أطاح بمجلس الجماعة، أشعل غضبها، وجعلها تتعامل بعدائية مع كل ما يتعلق بخارطة الطريق، وبما أن مجلس النواب كان الاستحقاق الأخير والأهم فى خارطة الطريق، فإنه نال النصيب الأكبر من الاستهدافن ومحاولات الإسقاط.
أستاذ علوم سياسية: المجلس يؤدى دوره منذ عامين
قال الدكتور إكرام بدر الدين أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، إن مجلس النواب يؤدى دوره منذ عامين فقط وما مر على انعقاده أقل من نصف مدته وبالتالى من المبكر الحديث عن تقييم أدائه حيث إن التقييم الموضوعى يفترض أن يكون فى نهاية مدته لتقييم أدائه ونشاطه.
وأضاف بدر الدين، أن الوظيفة الأساسية لمجلس النواب هى الرقابة على الجهات التنفيذية والتشريع للقوانين وبالتالى فإنه يجب أن يعيد ترتيب أولوياته فيما يخص الأجندة التشريعية لوضع القوانين التى تخص المواطنين فى مقدمة المناقشة والدراسة تمهيدا لإقرارها.
وتابع أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، أن من غير المطلوب أيضا أن ينشغل المجلس فى صراعات مع سلطات الدولة المختلفة، لأن تلك المرحلة لا تحتمل أى صدامات بين السلطات وبعضها، مؤكدا أن هناك حملات تشويه صورة مجلس النواب والدولة ككل ويجب أن يكون الرد على تلك الحملات من خلال الدبلوماسية البرلمانية ولجان المجلس التى تختص بالشأن الخارجى والعربى والأفريقى بالإضافة إلى دور الدبلوماسية الشعبية ووسائل الإعلام للتصدى لمثل تلك الحملات.
خالد صلاح يكشف أسرار محاولات إسقاط البرلمان
"تكافل وكرامة" فى ميزان النواب