لم يكن نجاح الرئيس التركى فى الاستفتاء الشعبى على التعديلات الدستورية بنسبة 51.2% من الأصوات، إلا هزيمة جديدة لرجب طيب أردوغان ونبذه من الأتراك الذين صوت نصفهم بـ"لا"، كما لجوء حزبى المعارضة الرئيسين للطعن فى نتيجة الاستفتاء.
خبراء بالشأن التركى والشئون الدولية، حددوا مستقبل أردوغان السياسى فى الداخل مع رفض العاصمة التركية أنقرة واسنطبول لتلك التعديلات، وكذلك قراءة تلك النتيجة وتأثيرها فى مستقبل علاقات تركيا الخارجية مع أوروبا والعرب وأمريكا.
وقال محمد عبد القادر الخبير فى الشئون التركية، إن الموافقة فى الاستفتاء الشعبى على التعديلات الدستورية بتركيا، سيتحول نظام الحكم من نظام ديمقراطى إلى نظام سلطوى ليس به رئيس وزراء يمنح الثقة من البرلمان.
وأضاف أن بالتعديلات الدستورية ستصبح تركيا نظاما مركزيا يسيطر عليه شخص واحد فقط، ويتراجع دور البرلمان فى منح الثقة من الحكومة، موضحا أن من الناحية الشكلية سيصبح نظام الحكم أبدى وممد الولاية مفتوحة.
وأوضح أن تركيا ستتحول إلى نظام مشوه يسيطر عليه شخص واحد يستطيع أن يفعل ما يشاء، ويدخلها للمجهول، مضيفا أن تركيا بها 40 % من الأقليات سيجدون صعوبة فى ظل هذه التعديلات الدستورية.
وأشار إلى أن تركيا ستواجه مشكلة بابتعادها عن القيم الأوروبية، حيث كان أردوغان يتهم الدول الأوربية بالفاشية والنازية، متوقعا أن تعلق مفوضات عضوية تركيا بالاتحاد الأوروبى وتجميد العمل باتفاق للاجئين وتأزم فى العلاقات مع الدول الأوروبية، وعلى المستوى العربى لفت إلى أن أردوغان سيشعر بالقوة ويمكن أن يغامر بضربات عسكرية فى سوريا.
من جانبه، قال الدكتور بشير عبد الفتاح الباحث فى مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، إن نتيجة الموافقة فى الاستفتاء الشعبى على التعديلات الدستورية بتركيا بنسبة 51.2% كانت متوقعة، موضحا أن نحو 45% من الأصوات من حزب العدالة والتنمية، بالإضافة إلى أن أردوغان حصل على حوالى 6% من الأصوات التى ليس لها توجه سياسى وغير منتمين لأحزاب وتمثل 15 % .
وأضاف عبد الفتاح، أن هذه النتيجة ليس مرضية بنسبة 100% من الناحية السياسية لتمرير دستور جديد، لافتا إلى الدستور التركى يتكون 180 مادة وبعد الاستفتاء سيعدل 130 مادة، أما باقى المواد هى ثوابت لا تتغير فى الدستور.
وأوضح المحلل السياسى، أنه كان مطلوب على الأقل تأيد 70% من الأصوات لتعديل الدستور ليعبر عن توافق شعبى، مشيرا إلى أن نص الشعب التركى يرفض تلك التعديلات هو نجاح مثير للقلقل، ويثير حالة من الانقسام فى المجتمع.
وشدد عبد الفتاح، على أن هذه النتيجة لن تغير كثيرا من الأمور لأن أردوغان كان يمارس صلاحيات الرئيس المطلقة، ولكن لجأ للاستفتاء يلقى عليها طابع دستورى وشرعى فقط، لافتا إلى أنه بالنسبة للسياسة الخارجية سيصبح أردوغان أكثر قوة ويتحرك من منطلق دستورى.
ونوه الباحث، إلى أنه لو سار أردوغان فى طريق التصعيد مع أوروبا سيكون خاسرا بشكل كبير، مضيفا: أردوغان يحتاج إلى أن يراجع نفسه خاصة أن نجاحه "على الحركرك" وغير مرض ولا يصلح مع الدساتير، وأن نص الشعب ليس معه فعليه أن يراجع حساباته فى سياسته الداخلية والخارجية.
وأشار إلى أن الرئيس التركى يحتاج إلى إصلاح العلاقات مع العالم العربى كلما يبعد عن أوروبا وأمريكا وإسرائيل، كما يحتاج إلى النفط والغاز، لكن بالنسبة لمصر سيعطل التقارب معها؛ لأن القرار فى يد أردوغان وستمضى العلاقات الاقتصادية مع القاهرة مع جفاء سياسى.
وقال كرم سعيد باحث فى الشئون التركية، إن نتائج الاستفتاء على التعديلات الدستورية فى تركيا تكرس للاستقطاب السياسى ويؤدى إلى انقسام اجتماعى وسياسى فى المجتمع التركى، ويوضح ذلك من الاحتجاجات التى شهدها الاستفتاء واتهام المعارضة فى تركيا بتزوير الاستفتاء.
فى السياق ذاته، قال محمد محمود الباحث فى الشئون الدولية، إن تجربة أردوغان السياسة وشعبيته فى الخفوض، وأن مصيره غير مضمون العواقب، موضحا أن هذا لا يحمل معنى انقلاب مرة أخرى، لكن سحب بريق تجربة العدالة والتنمية لما كان لها من آثار اقتصادية كبيرة.
وأضاف "محمود"، أن الانتخابات البرلمانية السابقة التى فشل فيها حزب العدالة والتنمية فى الحصول الأغلبية، كانت مؤشرا لنتيجة الاستفتاء الشعبى، مضيفا أن ثقافة الديمقراطية ارتقت عند الشعب التركى، فى ظل قمع أردوغان للإعلام وللحريات.
وأوضح الباحث فى الشئون الدولية، أن أردوغان يهدد تجربته من خلال الانفراد بالحكم وتوسيع فى نفوذ الرئيس التركى وتوطيد لحكمه. كما أشار إلى أن الاستفتاء لن يمثل نقطة ارتكاز أساسية مع العلاقات الأمريكية، خاصة مع تغاضى الرئيس ترامب عن حقوق الإنسان والحريات.
وحول علاقات تركيا بالعرب، أوضح الباحث فى الشئون الدولية، أن الاستفتاء لن يكون مؤثرا فى صلب العلاقات العربية التركية، وأن سوريا هى الحاكم الرئيسى فى العلاقات.