المشهد يبدو للوهلة الأولى طبيعى وبسيط، نائب يقف على باب القاعة، يطلب من الزملاء التوقيع على مذكرة فى قضية ما، طالبا تضامنهم معه فيها،يسير الموقف ببساطة فى أوله، غير أن النهايات ليست كذلك، إذ يفاجأ النائب أن ما قدم له موضوع مثير للجدل، أو جاذب للمشكلات، أو يناقض قناعاته، وما حدث أنه وقع على المذكرة إرضاء لزميله دون أن يقرأ محتواها، الذى يكتشف بعد ذلك أنه باب للخلافات والأزمات.
وقائع متعددة بدأت بهذه السهولة على باب القاعة أو أثناء الجلسة، وانتهت بنفى قاطع وتكذيب متبادل، وتراشق بالألفاظ، كلها تندرج تحت بند "التوقيع العميانى" فى بعض الحالات، وفى أخرى يقرأ النائب نص مذكرته على زميله تليفونيا، ثم يطلب منه الأخير التوقيع باسمه ورقم عضويته.
لا أتصور كيف تسير أمور هامة، ومشروعات قوانين، واقتراحات تشريعية على درجة عالية من الأهمية، بكل هذه البساطة والاستسهال، وهل لا يوجد طريقة أخرى بدلا من أزمات النقى المتكررة، وهل يقرأ النواب ما يوقعون عليه، أم يتخيلون أن التوقيع إرضاء للزميل ولن يترتب عليه شئ، فى الوقت الذى يحدث مزيدا من اللغط، بإعلان كل صاحب فكرة عدد الموقعين تضامنا معه!
الواقعة الأخيرة التى فتحت هذه المشكلة كانت واقعة محمد أبو حامد، بشأن قانون شيخ الأزهر، حيث أعلن النائب عن قدرته على جمع توقيعات النواب لتمير قانونه، غير أن الأمور لم تسير بهذه البساطة، وأعلن معظم من ذكرهم أبو حامد فى مذكرته عدم علمهم بما نشر، حتى أن بعضهم خرج وكذّب النائب، وأكدوا انهم لم يوقعوا على أى شئ بخصوص شيخ الأزهر.
لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل جمع نواب توقيعات لرفض القانون، فيما بدأ التراشق بين "أبو حامد" والبعض، بعدما اتهمهم بالتوقيع ثم المزايدة عليه، واتهموه بتزوير توقيعاتهم إلى آخر ذلك من مواقف ما كان يجب أن تحدث .
سبق أزمة توقيعات أبو حامد وقائع أخرى مشابهة، كان أبطالها مرتضى منصور وأسامة شرشر وسهير الحادى، وإيناس عبد الحليم، فيما كانت الواقعة الأشهر هى توقيعات "السادت" قبل أن يطرد من البرلمان، كل هذه الأزمات تحتم ضرورة إيجاد طرق أكثر قانونية فيما يتعلق بالتوقيعات، أو يقرأ النائب ما يعرض عليه من زميله جيدا، ولا يكون التوقيع لمجرد الإرضاء، إن كنا نريد إنهاء أزمات مولد التوقيعات العميانى، الذى يبدأ بـ"عنيا" وينتهى " محصلش وموقعتش".