الثلاثاء، 26 نوفمبر 2024 10:04 ص

المنع والعقوبة لا تفيد مع جرائم الفكر.. تقييد الفتوى ضد تجديد الخطاب الدينى ومبدأ الاجتهاد.. مجلس النواب والمسئولين لم يناقشوا القانون مع رافضيه.. قنوات المخالفين ومواقعهم لم ولن تختفى

قانون تنظيم الفتوى "لن ينظم الفتوى"

قانون تنظيم الفتوى "لن ينظم الفتوى" قانون تنظيم الفتوى "لن ينظم الفتوى"
السبت، 06 مايو 2017 10:00 ص
تحليل يكتبه تامر إسماعيل

كم من قانون صدر، ولم يُطبق، وكم من تطبيق تم بالقوة ولم يغير واقعا، وكم فكرة نمت رغم رفضها، هذا لأن جرائم الفكر وسقطاته لا يمنعها قانون ولايحدها عقوبة، وليس أكثر تأكيدا على ذلك من أن ما نعيشه من فوضى ومتاجرة بالفتاوى الدينية حدث ونما فى ظل وجود قانون بالفعل ينظم نفس الشأن، وتعديله أو تغليظه لن يأتى بنتائج جديدة.

 

القانون الجديد أقر عقوبة الحبس 6 أشهر والغرامة 5 ألاف جنيه لمن يصدر فتوى دون تصريح، وقصر الفتوى على 4 جهات دينية رسمية دون غيرها، وتشير الموافقة السريعة والاحتفالية للجنة الشئون الدينية بمجلس النوب فى حضور مفتيى الديار المصرية الحالى والسابق، إلى أن هناك عدم إدراك -أو مصارحة- فى فهم طبيعة أزمة الفتوى فى مصر، وما يستقر داخلى أنهم جميعا وهم يناقشون ويوافقون على هذا القانون يعلمون فى ضمائرهم أنه لن يكون منه نفعا ولا جدوى، لأسباب كثيرة نرصد بعضها.

 

النص النهائى لمشروع قانون تنظيم الفتوى العامة بعد موافقة اللجنة الدينية بالبرلمان

 

 المادة الأولى:

 

"يحظر بأية صورة التصدى للفتوى العامة إلا إذا كانت صادرة من هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف أو دار الإفتاء المصرية أو مجمع البحوث الإسلامية أو الإدارة العامة للفتوى بوزارة الأوقاف ، ومن هو مرخص له بذلك من الجهات المذكورة، ووفقا للإجراءات التى تحددها اللائحة التنفيذية لهذا القانون".

 

 المادة الثانية:

 "للأئمة والوعاظ ومدرسى الأزهر الشريف وأعضاء هيئة التدريس بجامعة الأزهر أداء مهام الوعظ والإرشاد الدينى العام بما يبين للمصلين وعامة المسلمين أمور دينهم ولا يعد ذلك من باب التعرض للفتوى العامة".

 

 المادة الثالثة:

"تقتصر ممارسة الفتوى العامة عبر وسائل الإعلام على المصرح لهم من الجهات المذكورة فى المادة الأولى.

 

ويعاقب على مخالفة أحكام هذا القانون بالحبس مدة لا تزيد عن ستة أشهر وغرامة لا تزيد عن خمسة آلاف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين، وفى حالة العود تكون العقوبة هى الحبس وغرامة لا تقل عن عشرة ألاف جنيه".

الفتوى منتج فكرى لايعالج أخطائه القانون

الفتوى والدعوة إلى الله أعمال فكرية ومنتجاتها تخضع لتقييم ومراجعة فكر أخر، ومخالفتها لصحيح العلم أو خروجها عن المألوف لاينظمه القانون أو يمنعه عقوبة أو تصريح مسبق، وإلا لكان المجتمع نجح فى منع انتشار فكر الإخوان، وهى جماعة محظورة قانونا منذ نشأتها تقريبا، أو كنا نجحنا فى مواجهة أفكار دخيلة على المجتمع المصرى، أو نجح صناع السينما فى منع أفلام المقاولات، كل هذه منتجات فكرية لن يتسطيع قانون أو تصريح مسبق أن يحدها او يمنع انتشارها، لأن مواجهتها ومواجهة انتشار لاتتم إلا بفكرة أخرى، فلن يمنع الفتاوى الشاذة والمتطرفة سوى انتشار ودعم الفتاوى الوسطية التى تمثل جمال الدين ورقيه.

كيف يجتمع تقييد الفتوى وتجديد الخطاب الدينى

رغم ان القانون استخدم مصطلح "تنظيم الفتوى" إلا أن فى مضمونه يحمل تقييدا للفتوى وحظرها على جهات محددة، ومع التأكيد على أن تلك الجهات الأربع التى حددها القانون هى الأصلح للمهمة، إلا أن ذلك يمثل وجهة نظر، وقد لايمثل وجهة نظر أخرى، فدار الإفتاء وهيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف ومجمع البحوث الإسلامية والإدارة العامة للفتوى بوزارة الأوقاف، وهى الجهات التى خصها القانون بالفتوى قد تحمل وجهة نظر يراها عالما أخر ليس منتمى لها خاطئة، فمن وقتها يستطيع أو يملك ان يفصح عن ذلك ويعلن فتواه للناس، من يتسطيع أن يمنعه فضلا عن من يملك أن يعاقبه، ومن أين يأتى تجديد الخطاب الدينى إذا كان رأس الخطاب وهى الفتوى تصدر عن جهات هى فى أصلها جهة واحدة، ومن يحرم عالما أو فقيها لا ينتمى لتلك الجهات أن يجتهد فى قضية ويختلف فيها مع الأزهر، من يستطيع وقد اختلف رئيس الجمهورية نفسه ومن خلفه كثيرون فى قضية الطلاق الشفهى مع تلك المؤسسات.

لماذا لم يستدعى البرلمان من يعلم أنهم مصدر الفتاوى الجدلية؟

عقد مجلس النواب جلسات واجتماعات متعددة أثناء مناقشة القانون، الذى يستقر فى أذهان الجميع المقصودون من ورائه، ورغم ذلك لم يتم دعوتهم لحضور تلك الجلسات والتفاهم معهم حول مضمون القانون وهدفه وفلسفته، لأن فى النهاية هم من سيخالفوه، وهم بالتحديد الدعاة السلفيين المعروفين بالأسم فى الإعلام وفى المؤسسات الدينية فى مصر، فكان من الأولى أن يتم دعوتهم بدلا من وضعهم فى خانة المتهم قبل حتى بدء تطبيق القانون، خاصة أن قنواتهم الفضائية وبرامجهم ومواقعهم على الانترنت مستمرة وستظل مستمرة، وستظل تصدر فتاويها، لأن مريديهم سيظلوا يسألونهم فى الفتوى، ولن يستطع القانون غلق تلك القنوان ولن يستطع غلق المواقع التى يملك أصحابها مئات الحيل للإفتاء فى أى قضية دون أن يطلهم القانون وعقوباته، لأن الفتوى منتج فكرى، والمنتج الفكرى لايواجه إلا بمزيد من الوعى والثقافة وبذل الجهد لنشر الوسطية، أما انحرافات الفكر فلن يمنعها قانون، وإن حبست صاحبها.

 

 

 


print