من بين ملاحظات كثيرة دونتها خلال مرافقتى للوفد البرلمانى المصرى مع مسئولين بالبيت الأبيض ونواب بالكونجرس الأمريكى بواشنطن، سؤالاً تجدد كل لقاء وجدت فيه الجانب الأمريكى يطرح مغالطات واضحة حول الوضع الأمنى فى القاهرة وأوضاع حقوق الإنسان وقانون الجمعيات الأهلية، وهو من أين تصل تلك المعلومات إلى الإدارة الأمريكية؟
لك أن تتصور أن عدداً من نواب الكونجرس سألوا عن مستجدات الصراعات المسلحة فى القاهرة، وآخرين هددوا بوقف عدة مساعدات للقاهرة فى ضوء تقارير مزيفة وصلتهم حول قانون الجمعيات الأهلية، تشير إلى أن مصر تفرض ضرائب على تلك المساعدات بموجب هذا القانون، ومغالطات أخرى يُراد بها تزييف وعى متخذى القرار فى واشنطن.
من هنا بدأت رحلة البحث حول الإجابة عن هذا السؤال، من يقدم تلك المعلومات للإدارة الأمريكية؟، وكانت الإجابة من عدد من الدبلوماسيين المصريين فى واشنطن، بأن المراكز البحثية "think tank "، مصدر أساسى للمعلومات هنا فى واشنطن، بل وأنها تشارك فى اتخاذ القرار، من خلال تقارير تُقدمها بشكل متواصل حول القضايا المختلفة، إضافة إلى مشاركاتها المستمرة بجلسات استماع فى الكونجرس.
وفى عشاء عمل، سألت عضو الكونجرس الأمريكى رون ديسانتيس عن ولاية فلوريدا، عن التحديات التى تواجهه أمام تمرير القانون الذى شارك فى تقديمه لتصنيف جماعة الإخوان كتنظيم إرهابى، أكد لى أن هناك دوائر تأثير مضادة فى الجانب الآخر، وأن قطر تمول عدد كبير جداً من المراكز البحثية بواشنطن، كونها مؤيدة للإخوان ولممارساتهم.
ومن هنا أمسكت بأول خيوط اللعبة، قطر التى لا تترك حيزاً صغيراً إلا ودأبت أن تشوه مصر من خلاله عن طريق تقديم تقارير تتضمن معلومات مغلوطة تماماً عن الأوضاع فى المنطقة وتصير وكأنها حقائق مجردة، تساهم فى صنع مواقف سلبيه تجاه مصر، وهو ما لاحظته فى نبرة الهجوم لدى مؤسسى عدد من المراكز البحثية التى التقاها الوفد.
قطر ليست اللاعب الوحيد فى تشوية سمعة وصورة مصر فى الخارج، لكنها شبكة تضم لاعبين آخرين لاسيما الإعلام الأمريكي، فما لفت انتباهى أيضاً خلال لقاء مغلق بأحد المراكز البحثية، سؤال مؤسس المعهد للوفد المصرى عن النائب المُسقط عضويته محمد أنور السادات، وقال نصاً: " إننى أحبه، هو صديقاً عظيماً، وكان يتواصل معنا باستمرار".
ثم بعدها طرح ذلك الرجل مغالطات كثيرة عن أوضاع حقوق الإنسان فى مصر، لأتأكد هنا أن البرلمان المصرى كان مُحقاً حينما أكد أن للسادات دور فى تشويه صورة مصر ومؤسساتها فى الخارج من خلال التواصل مع جهات خارجية وتقديم معلومات تضر بمصر، لينضم "السادات" ومن على شاكلته فى القاهرة ممن يقدمون معلومات مغلوطة لتلك المراكز، إلى شبكة الإضرار بصورة مصر فى الخارج.
لم أتوقف عن البحث عن لاعبين جدد فى عملية التشويه، حتى فاجئنى شاب مصرى يعمل باحثاً فى أحد تلك المراكز، وهو يهاجم الأوضاع فى مصر بضراوة شديدة، ينتقد دور الأزهر ويهاجم توجه الرئيس السيسى نحو تجديد الخطاب الدينى، استناداً على معلومات مغلوطة، وهو ما يؤكد أنه يقدم تلك المعلومات أيضاً لحاملى الجنسية الأمريكية من العاملين فى المركز.
سألته بعد انتهاء الجلسة: "هل من الواجب أن تترك مصر وتأتى إلى واشنطن لتشوه صورة مصر بتلك الطريقة وفقاً لمعلومات مغلوطة؟"، فأكد لى أنه هارب من حكم قضائى بحبسه لمدة عامين فى قضية تمويل أجنبى، ليُضاف هو ومن تضمهم تلك المراكز من الهاربين من الأحكام القضائية فى مصر، إلى شبكة تشويه وإضرار صورة مصر فى الخارج.
وهنا دعونا ندون باختصار من خلال المشاهدات، أن قطر تمول المراكز البحثية لتقديم تقارير مغلوطة عن الأوضاع فى مصر لتشويه صورتنا فى الخارج ولتكوين مواقف سلبيه تماماً، تلك المراكز تستقطب الهاربين من الأحكام القضائية المصرية للعمل بها، وبالدولارات وحدها يمكنها أن تستخدمهم بمبدأ "وشهد شاهد من أهلها"، إضافة إلى دور بعض العملاء فى الداخل ممن باعوا أنفسهم للإضرار بمصر.
صحيح كان للوفد البرلمانى دور فى تصحيح الكثير من المغالطات، فقد صحح النائب عبد الهادى القصبى رئيس لجنة التضامن الاجتماعى ومقدم مشروع قانون الجمعيات الأهلية، معظم المغالطات التى قدمها الجانب الأمريكى، بتفنيد مواد القانون بدقة شديدة، والتأكيد على أن مواضع انتقادهم للقانون ليست موجودة فى مواده أصلاً.
وقام النائب أحمد السجينى رئيس لجنة الإدارة المحلية بعرض موقف البرلمان من محمد أنور السادات بدقة شديدة، وقال للجانب الأمريكى: " لم نُسقط عضويته إلا بعد التأكد من مخالفات تستوجب ذلك، وإستناداً لمواد الدستور والقانون واللائحة الداخلية، وأدعوكم لمشاهدة الجلسة العامة التى أُسقطت فيها عضويته، وكيف ترك رئيس البرلمان المجال مفتوحا أمام النائب ليدافع عن نفسه؟".
وأكد "السجينى" أن التصويت على إسقاط عضوية محمد السادات كان نداء بالاسم وفقاً للائحة الداخلية للبرلمان، وسرد حديث خاص بينهم قائلا: "لكم أن تتصوروا أن محمد السادات وقد كان صديقى، قال لى رداً على مطالبتى له بالتوقف عن ممارساته التى تضر بصورة مؤسسات الدولة، أنه سيُسقط البرلمان لو أسقط البرلمان عضويته".
كما كان للنائبة آمنة نصير رداً حاسماً على هذا الشاب الذى قدم مغالطات حول توجه الرئيس والأزهر لتجديد الخطاب الدينى، لكن السؤال هنا، هل تكفى تلك الزيارة أو تلك الردود، للتخلص من آثار تلك الشبكة الخبيثة؟، أعتقد أن ذلك لا يكفى، وأنه قد آن الأوان لأن تلعب مصر دوراً كبيراً هنا وأن تشارك وتتواجد وتتواصل، وألا تترك المجال لدول صغيرة أن تتنافس على دورها.
علينا أن نشتبك فوراً مع وسائل الإعلام الأمريكية لتوضيح مغالطات تلك الشبكة أولاً بأول، علينا أن نفتح حوارات مستمرة مع تلك المراكز البحثية، أو أن نمول مراكز بحثية هنا ما دام الأمر لا يحرمه القانون الأمريكي، علينا أيضاً أن ندفع بمزيد من وفود تضم مثقفين وأدباء وسياسيين ونواب للتحاور مع مراكز اتخاذ القرار هنا فى واشنطن.
لا يجب أبداً أن نظل غائبين أمام من يلعبوا هنا لتشويه صورة مصر فى مناخ هادئ، ما قدمه الوفد البرلمانى المصرى خطوة أولى تمثل بداية طريق التواصل الذى لابد أن يشهد خطوات اخرى سريعة ومستمرة، فأمريكا ليست ترامب وحده، والقرار الأمريكى لا يصنعه شخص بمفرده، لكنها مراكز متعددة يجب أن تكون مصر حاضرة ومتواصلة معها جميعاً.