جنت على نفسها قناة الجزيرة القطرية.. عندما ظنت أن مليارات القائمين عليها من حكام الدوحة لازالت تستطيع أن تتحكم فى سياسات الدول وتحريك البرلمانات العربية حسب أهوائها، فهاجت بعد أن نطق وزير الإعلام السودانى أحمد بلال عثمان بالحق تجاه سياساتها التى اعتادت على ذرع الفتن بين الشعب الواحد، وسط جلسة محاسبة عربية للجزيرة داخل جامعة الدول العربية الأسبوع الماضى.
الجزيرة تعاملت على أنها دولة وليست مجرد بوق إعلامى للجماعات الإرهابية، فطلبت من الخرطوم تأديب وزيرها لما اعتبرته تطاول عليها، وفى الوقت الذى ظنت فيه القناة القطرية أنها انتصرت بعد أن ضغطت على البرلمان السودانى واستدعى وزير الإعلام لاستجوابه حول إدانته لسياسات الجزيرة تجاه مصر والدول العربية، انقلب السحر على الساحر ووجدت القناة نفسها فى جلسة محاكمة جديدة فى حضرة البرلمان بالخرطوم.
جلسة لجنة الإعلام بالبرلمان السودانى التى امتدت حتى ساعة متأخرة من مساء أمس، لاستجواب وزير خارجية السودان أحمد بلال عثمان شهدت هجوما حادا من قبل أغلب النواب ضد القناة القطرية وسياستها، فى مؤشر على أن انتفاضة الدول العربية الداعية لمواجهة إرهاب قطر "السعودية ومصر والإمارات والبحرين" تأتى ثمارها يوما بعد يوم، فعلى الرغم من أن أموال قطر لبعض الجهات فى الخرطوم قادرة على تشكيل لوبى مؤيد لها إلا أن هناك قاعدة كبيرة انحازت إلى الحق.
وهاجم النائب أحمد الطيب المكابرابى الإسلاميين خلال الجلسة، واتهمهم بالسعى لمحاولة المحاباة الموقف الرسمى لمساندة الإمارة الإرهابية، وذكر المكابرابى أن الاجتماع بالبرلمان شهد انقساماً حاداً بين النواب، واستدرك قائلاً "لكن الغلبة للنواب الذين وصفوا كلام وزير الإعلام حول قناة الجزيرة بالايجابى"، وكشف عن إدانة أغلب النواب لقناة الجزيرة واتهموها بأنها لا تمارس دوراً مهنياً، وأضاف "هذا مثبت فى المضابط الخاصة بجلسة البرلمان".
وتابع أن "الوزير تعرض لحملة ضغط وابتزاز مورس عليه"، ولفت إلى تفهم النواب لذلك ودفاعهم عنه، واعتبروا أن إبداء وزير الإعلام لرأيه فى قناة تعمل بالسودان مسألة طبيعية، واتهم النائب جهات لم يسمها بأنها سعت إلى تسويق توضيح الوزير حول تصريحاته التى أدلى بها فى القاهرة على هامش اجتماع وزراء الإعلام العرب بأنها اعتذار وكأنه تراجع عن كلامه.
وشن النواب هجوما على رئيس لجنة الإعلام، الطيب مصطفى على خلفية استدعائه للوزير الإعلام واتهموه بممارسة ابتزاز رخيص فى مواجهة الوزير وتسخير اللجنة البرلمانية لتحقيق أجندة فكرية داعمة للتنظيم الدولى للإخوان وقطر، وأكدوا أن الوزير لم يبدر منه شى يستوجب المساءلة والمحاسبة، بجانب تأكيدهم على عدم حيادية قناة الجزيرة وأنها قناة خاصة، ودعا بعضهم لإغلاقها.
كما عبر النائب البرلمانى، عن حزب الأمة فتحى مادبو عن رفضه لما أسماه بعمل الطيب مصطفى من خلال اللجنة لصالح دولة قطر، موضحاً أن الحياد الايجابى يقتضى القدرة على إزجاء النصح لطرفى الصراع وتوضيح أماكن الخلل فى كافة الاتجاهات، لافتاً إلى أن استيضاح قناة الجزيرة لرئيس الوزراء فيه تجاوز واضح لكل الأعراف، حيث وضعت نفسها فى توازى مع دولة السودان، ما يمثل إهانة بالغة الخطورة للبلاد”، وقال أنه حرض وزير الإعلام على إغلاق مكاتب الجزيرة بالخرطوم رداً على تصرفها مثلما فعل النظام مع قناة بى بى سى فى وقت سابق”.
مساندة أغلب نواب البرلمان فى الجلسة للوزير قوت من موقفة حتى أنه رفض تقديم استقالته كما طالب بعض النواب الإسلاميين، وتساءل أمام البرلمان "ما الجرم الذى ارتكبته حتى أقدم استقالتى على أساسه"، واتهم من وصفهم ببعض الحانقين والحاقدين بالوقوف خلف مطالب تقديم استقالته، ونفى اعلانه لموقف مغاير للموقف الرسمى للحكومة، وقال "تحدثت عن وجهة نظر السودان حول سد النهضة داخل قاعة المؤتمر، وتحدثت للإعلام المصرى حول قضايا تهم السودان ومصر".
وحاول الوزير لا تبرير موقفه أمام اللجنة بأنه عبر عن رأى شخصى، لكن أمام ضغط بعض النواب الذين أبدوا محاباة لقطر التى تدعم الإرهاب، قال بصورة واضحة أنه اذا كان حديثه قد ادى إلى سوء فهم فإنه يقدم اعتذاراً واضحاً، وهى الجملة التى أخذتها القناة القطرية للترويج على أن الوزير تراجع أمام ضغطها على الحكومة السودانية، وهو ما نفاه بعض النواب الذين أكدوا بعد الجلسة أن اعتذار الوزير تم الترويج له من قبل الأبواق الإعلامية لقطر والإخوان.
وفى خضم تلك الأزمة المشتعلة فى الخرطوم والتى أظهرت قاعدة كبيرة مساندة لانتفاضة الدول العربية ضد إرهاب قطر على عكس محاولات النظام لمسك العصا من المنتصف، بدأ الرئيس السودانى عمر البشير اليوم جولة خليجية تشمل الإمارات والسعودية لمحاولة تأكيد موقف الحكومة السودانية تجاه الأزمة مع قطر، وذكرت وزارة الإعلام، فـــى بيان، أن البشير "توجه إلى الإمارات، أمس الاثنين، وسيجرى مباحثات مع أشقائه فـــى قيادة الإمارات، خلال الزيارة التى تستغرق يومين، ثم يتوجه إلى السعودية، اليوم الثلاثاء، فـــى زيارة تستغرق 3 أيام يتم خلالها مباحثات مع العاهل السعودى الملك سلمان بن عبدالعزيز وولى عهده الأمير محمد بن سلمان.
ويأتى اختيار البشير للإمارات والسعودية فقط لجولته الخليجية واستبعاد الدوحة التى اعتاد مؤخرا على زيارتها ليعلن من خلاله ضمنيا أنه يقف فى صف الرباعى العرب، إلا أن الرئيس السودانى كعادته يرفض الإفصاح عن موقف رسمى قد يكلفه خسائر اقتصادية فادحة فى ظل فتح الدوحة خزائنها للاقتصاد السودانى خلال الفترة الماضية، وفى محاولة من الخرطوم للخروج من مأزق الاختيار بين الانحياز إلى الصالح العربى أو حكام الدوحة فكلا الخيارين صعب ومكلف، وفى انتظار نتائج زيارات البشير.