ولم يتوقف نزيف خسائر التنظيم الإرهابى، بخروجه من مدينة الموصل، بل يستمر مع إحباط محاولاته المتكررة بشن هجمات منفردة على مناطق تمركز القوات العراقية المرابطة فى المدينة المحررة، إضافة إلى فشله فى تهريب قياداته ومسلحيه العالقين داخل الموصل، واللذين لجئوا إلى حيله للهروب من داخل المدينة، عن طريق حلق "الذقن" للتخفى وسط المدنيين النازحين من ويلات الحرب.
وفى هذا الإطار، أجرت وكالة "سبوتنيك" الروسية، معايشة وسط القوات العراقية، والعائلات المقيمة داخل المدن المحررة من سيطرة "داعش"، وفيما يشبه الهدوء الذى يسبق العاصفة، كان يقبع، "على" خلف عدسة مدفع صواريخ الكورنيت، الذى كُلف بواجبه القتالى بواسطته، فى منطقة يقال لها "تل صفوك" العراقية، المقابلة لعشرات القرى السورية، الخاضعة لسيطرة تنظيم "داعش"، فى محافظتى دير الزور، والحسكة.
يراقب "على" - حسب معايشة، نشرتها وكالة "سبوتنيك" الروسية، اليوم الأحد - طوال ساعات عمله الطويلة فى النهار، تحت أشعة الشمس الحارقة، تحركات عناصر التنظيم الإرهابى، عبر عدسة الكورنيت، التى يرى من خلالها رايات "داعش"، القابعة على هامات مبانى قرى سورية فى المواجهة، وسياراتهم التى تنطلق بسرعة البرق لتنقل عناصرهم المدججين بالأسلحة إلى جبهات القتال ضد قوات سوريا الديمقراطية فى ريف دير الزور.
الوصول الموقع الاستراتيجى، عبورا بصحراء واسعة، فى الطريق إلى الحدود العراقية السورية، ليس بالدرب الترابى السهل، فالطريق الممهد غير آمن بالمرة، بينما يصل الدرب من جبل سنجار، عبر عشرات القرى العراقية والكردية، إلى منطقة الحدود عبر قضاء البعاج، فلم يكن مستغربا سماع دوى الانفجارات، وإطلاق النيران، الآتى من بعيد طيلة الطريق.
خطأ واحد فى الطريق إلى تل صفوك، يدخلك منطقة غير آمنة بين البعاج، والقيروان، تتنامى فيها الخلايا النائمة لتنظيم "داعش"، بينما تظهر على جدران القرى على جانبى الطريق علامات تظهر نفوذ التنظيم الذى كان يسيطر على هذه المنطقة.
الحشد الشعبى
لا تزال عمليات قوات الحشد الشعبى، جارية لتطهير الطريق نحو الحدود العراقية مع سوريا وتأمينها، فبحسب مصادر إعلامية، فإن القوات تمكنت من تصفية ثلاثة من كبار قادة تنظيم "داعش" الإرهابى، فى منطقة على هذا الطريق، يوم الجمعة الماضى، بينهم "أبو إيمان"، مسئول الشرطة فى تلعفر، وأبو عبد زعيزيعة، مسئول تجنيد الانتحاريين، وناصر عبد الله خضر البدرانى، مسئول التخطيط للخلايا".
ووسط المدن العراقية، تجد مساحات واسعة على طريق يفصل جانبى القرى، وأراضى القمح، التى أحرقها "داعش"، أملا فى عرقلة تقدم قوات الحشد الشعبى، الذى لم يكتفِ بحرق عشرات الكيلو مترات فقط، بل عمد عناصره لتكسير وحرق وتفجير البيوت التى كان سرقها من أهلها عنوة ليسكنها.
ولم يسلم جدار واحد من عشرات القرى المؤدية للحدود العراقية السورية من ضراوة المعارك التى خاضتها القوات العراقية ضد التنظيم، فالدمار الذى حلّ بها دليل واضح على شراستها، بينما تتناثر السيارات المفخخة التى فجرها انتحاريو التنظيم الإرهابى فى كل مكان.
قيادة لواء الطفوف
ووسط دوى قصف مدفعى، يقبع فى مقر قيادة لواء الطفوف، أحد أهم مكونات الحشد الشعبى، "سيد أحمد نصر الله"، مساعد آمر المنطقة الحدودية، الذى عاد لتوه من صد تعرض نفذه انتحاريو ومسلحو التنظيم الإرهابى، على بعد أمتار من الساتر الترابى الحدودى.
وقال نصر الله، لـ"سبوتنيك"، إن قوات الحشد الشعبى، "هبّت لتحرير المنطقة الحدودية منذ فتوى آية الله على السيستانى، بالجهاد"، موضحا أن "هذه المنطقة الحدودية يبلغ طولها 68 كيلو مترا مع سوريا، وترابط بها سبعة ألوية".
وأضاف نصر الله، أن "مهام اللواء لا يقتصر على القتال، وصد تقدمات العدو، بل يمتد لإيصال المعونات لمخيمات النازحين، والأهالى الذين انقطعت بهم السبل فى هذه المنطقة الصحراوية".
ولفت نصر الله، إلى أن القوات تعمل يوميا على "جرد العوائل المتواجدة فى عشرات القرى المحيطة، من حيث أعدادها"، موضحا أن "غالبية سكانها رعاة أغنام"، وحول معدلات أعداد هذه العائلات، قال نصر الله، إن قرية بها "105 عائلة، فيما الأخرى 95 عائلة، وأخرى 118 عائلة، وكلها كانت تحت حكم التنظيم الإرهابى"، مبينا أن "الجرد مستمر".
وشدد نصر الله، على أن قوات الحشد الشعبى، "تقدم المعونة الطبية من خلال عيادات متنقلة، وتقدم أيضا مياه الشرب، باعتبار أن الأهالى يعتمدون على الآبار، وقد أصبحت غير آمنة فى الوقت الحالي، بالإضافة إلى تقديم الطعام، والمساعدات الأخرى كالوقود، ومولدات الكهرباء".
وأضاف نصر الله، أن قوات الحشد "تجلب مسلتزمات العوائل من القيارة، بالإضافة على توفير سيارات لنقل الأهالي، والطلاب، والمصابين، بين الحين والآخر إلى هناك"، بينما أقرب منطقة يمكن للأهالى التزود منها بالخضر والفاكهة وغيرها هى منطقة القيارة، البعيدة.
واللافت للنظر هنا، أن 7 ألوية تتواجد قواتها على حوائط الصد والسواتر الترابية فى مواجهة العدو القادم بأذاه من سوريا، وراء تحصينات، وأسلحة، وسواعد قوية، وعلى الرغم من ذلك يسقط قتلى وجرحى فى صفوفهم، بسبب قوة وتسليح عناصر "داعش"، ومدرعاتهم المفخخة التى ينفذون بها هجمات وتعرضات دامية.
ويقول نصر الله، إن "90% من الهجمات على الساتر تأتى من الجانب السورى، وصحراء الجزيرة، شمال غرب العراق، وتنفذ بمدافع الهاون، ومدافع 23، والمدفعية المتوسطة، والعجلات المفخخة".
ويهدف التنظيم من وراء هذه الهجمات إلى عرقلة القوات عن تنظيم صفوفها، وإلحاق الأضرار بها، بالإضافة إلى تنفيذ عمليات تسلل عبر الحدود بعد هزيمة التنظيم الساحقة فى الموصل، بحسب نصر الله، الذى أضاف أن "حالات التسلل، ومحاولات خرق السواتر مستمرة يوميا تقريبا، فالتنظيم يحاول تهريب قياداته ومسلحيه العالقين فى الموصل، وعوائلهم أيضا".
ولفت نصر الله إلى أن "عددا من أعضاء التنظيم حلقوا ذقونهم واندسوا وسط النازحين، وكان التنظيم يحاول تهريبهم وسط النازحين، قائلا، "هناك قادة دواعش اندسوا بين العوائل النازحة، ووصلوا للمنطقة الحدودية، مستغلين الجانب الإنسانى للحشد الشعبي، وتداخلوا بين المدنيين للهروب".
الحياة فى ظلّ "داعش"
كانت وحدة الحشد الهندسية، فككت لتوها عبوتين ناسفتين فى المدرسة المقابلة لمنزل عائلة، فى قرية ساحة قنفص الحدودية، وقالت ربة المنزل، إنها تعيش فى هذا القرية منذ فترة طويلة، موضحة "لما حكمت الدولة، ألزمونا بيوتنا، ما كنا نقدر نطلع من بيوتنا بلا خمار، حتى عيوننا نخبئهم".
وتعانى هذه السيدة من مرض، أفقدها جزءا من بصرها، متابعة "والله حاصرونا من كل صف، يلبسونا أسود ولا حرمة تطلع، والأولاد لازم يقصرون أثوابهم، وإذا ما نمشى على أمرهم تعرفى ما الذى يحدث، نحن ما قدرنا ومشينا بأمرهم".
وكشفت السيدة عن أسباب بقائها وعائلتها فى القرية تحت حكم "داعش"، "ما عندنا واسطة، وبيتنا تهدم وما عرفنا وين نروح وما عندنا سيارة كيف ننهزم"، لافتة "هددوا من لا يسير بأوامرهم بالذبح، نحن ما شفنا شئ، لكن يقولون فيه منطقة مجاورة ضربوا كثير من الناس".
وأضافت السيدة، أن قيادات التنظيم فى القرية حذرتهم من قوات الحشد الشعبى، التى تمركزت على أبوابها قبيل معركة تحريرها، قائلة "خوفونا من الحشد، وقالوا لنا يقتلوكم، ويسبون بناتكم".
فيما قالت الابنة الكبرى، لهذه السيدة، "لا أريد الحديث، أخاف، لا أريد"، وبعد ضغط للحديث، قالت، "والله عذبونا، ما نعيش بحرية، كانوا يقتحمون علينا البيوت، ويبحثون من عنده تلفون ويطبقون عليه عقوبة، يضربون كل الناس، حتى الصغار، ما يخلون أحد".
وقاطعتها والدتها، لتقول، إن عناصر التنظيم "اقتحموا عليهم البيت ذات مرة، لمعاقبة ابنها البالغ من العمر 16 عاما، لأنه أمرد"، موضحة، "قالوا لى ابنى يحلق ذقنه، هو خطية مواليد 2001، كيف يصير عنده ذقن، لسة صغير ما طلعله".
ويقول على الشلال، معلم بمدرسة ساحة قنفص الابتدائية، "فى البداية استولى داعش، على القرية المجاورة لنا أم الذيبان، بعدها جاءوا إلى هذه القرية وأنشأوا مقرات لهم".
وأضاف الشلال، أن "مضايقات الدواعش، له ولأهل القرية لم تتوقف، ما دفع أكثرهم للرحيل نحو قرية بعيدة"، على حد قوله، موضحا "طالبنى الدواعش، بمفاتيح المدرسة، لأنهم أرادوا تحويلها لمقر لهم، ادعيت أننى لا أملك مفاتيحها، فذهبوا للمدرسة، وكسروا الأبواب، والنوافذ، وعاثوا بممتلكاتها، ولا نعرف ماذا أخذوا، أو ماذا فعلوا، لم أعرف لأننى تركتهم وهربت".
وعن أحوال القرية الآن، قال الشلال، إن "الحمد لله جاء الحشد وحررنا، ورجعنا لبيوتنا، ولما عدت ذهبت للمدرسة لملمت الكتب التى قطعوها، وحاولت أنظف التخريب الذى فعلوه، كسروا كل شيء، ومكان الفصول وضعوا قواعد صواريخ هاون، وغيرها، جئنا للصف الثانى وجدناه مفخخ، وجدنا به عبوات ناسفة كبيرة، عرفناها من الأسلاك والكابلات، مثلها مثل حال أكثر من 8 بيوت بالقرية".
فيما يقول مساعد آمر لواء الطفوف، إن "الدواعش لم يتركوا شيئا إلا وفخخوه، حتى البيوت، والمدارس"، موضحا أن "هندسة الحشد فككت عبوتين كانتا مصممتين للانفجار عن بُعد، لكن العبوتين الأخريين كان لابد من تفجيرهما، لأنهما من نوع ليزرى، لا يمكنن تفككيه، وفجرناهما لإنهاء خطرهما على السكان".
وأضاف مساعد آمر اللواء، أن "الدواعش، يعرفون أن قوات الحشد بعد تحريرها لأى منطقة، تلجأ لأماكن بعيدة عن بيوت المدنيين، لذلك زرعوا هذه العبوات فى المدارس، لإعاقة قواتنا من التقدم نحوها، والحيلولة دون بقائهم فيها".
ويقول الشلال، إن "الدواعش، طيلة الثلاث سنوات الماضية، كانوا يجبرون الرجال جميعا على حضور الصلاة فى المسجد، وفى يوم الجمعة، يغصبون عليهم أن يصلوا فى مساجدهم، ويسمعوا خطبهم، التى كان معظمها تحريضا ضد البلد، والحكومة، والشيعة، وغيرها من الأمور، كانوا فى خطب الجمعة كل واحد فيهم يجيب موضوع من جيبه، ويدعون الناس للانضمام إليهم".
حديث الشلال، كان متضادا، فبعدما أكد أنه هرب لقرية بعيدة عن الدواعش، شدد على أن عناصر التنظيم "طالبوه وبقية الأهالى بإخلاء القرية مع اقتراب ألوية الحشد الشعبى منها"، قائلا "بلغونا لازم نخلى القرية خلال ساعتين، ولما تحررت رجعنا إلى بيوتنا".
وأضاف الشلال، أنه عندما عاد للقرية مع بعض الأهالى، "وجدوا أسلحة عناصر التنظيم، وعبواتهم الناسفة"، وبسؤاله عما إذا كان مسلحو التنظيم، سرقوا مقتنيات المنازل، قال "ما صار عندهم مجال يسرقون، لأن الحشد اقتحم القرية فى الليل فجأة، وانسحبوا هم سريعا"، موضحا "وجدنا بس ممتلكات البيت مكسرة، وثيابنا مخربطة، وما فى شئ فى مكانه".
وقال خبير تفكيك المتفجرات، التابع للواء الطفوف، لـ"سبوتنيك"، إن "غالبية العبوات التى زرعها "داعش" فى المنطقة من النوع الليزرى، ضد الرفع، وهو غير قابل للتفكيك"، مؤكدا أن فريقه "فكك عبوات من أنواع أخرى فى 6 بيوت فى قريتى ساحة قنفص، والعوانة، بالإضافة على المدرسة".