غابت الحقوق وحلت الانتهاكات، فلا شىء يهم القائمون على إمارة قطر ـ الراعى الأول للإرهاب فى الشرق الأوسط ـ سوى إنجاز المشاريع التى تم اشتراطها من قبل الاتحاد الدولى لكرة القدم "فيفا" لتنظيم الدوحة نسخة 2022 من المونديال، من بناء ملاعب مطابقة للمواصفات ومقار إقامة ومراكز إعلامية وغيرها.
وبعدما غابت عنهم معايير حقوق الإنسان، حكمتها قناعة أن كل شىء قابل للشراء متى تواجد المال ومتى كانت هناك ثروة نفطية قادرة على توفير ما يلزم من رشاوى وعمولات مشبوهة، وتحركت إمارة قطر لانتزاع حق تنظيم بطولة كأس العالم، وبعد أيام قادت آلاف من العمال متعددة الجنسيات لتدشين حلم المونديال على أجساد أنهكتها بيئة عمل قاسية نافست بجدارة عصور الرقيق، بعدما غابت فيها أبسط معايير حقوق العمال.
وفى الوقت الذى تواصل فيها منظمات حقوق الإنسان ومنظمة العمل الدولية إدانتها لانتهاكات حقوق العمالة الأجنبية فى قطر، وفيما أقدم العشرات من العمال مختلفى الجنسيات على اللجوء لأعمال شغب بعدما قابلت قوات الأمن احتجاجاتهم ومطالبتهم بحقوقهم عبر الطرق المشروعة الجمعة الماضية بقمع وإطلاق وابل من قنابل الغاز، حذرت تقارير إعلامية غربية من تفاقم الوضع داخل قطر، داعية إلى سحب ملف تنظيم المونديال من الإمارة الراعية للإرهاب.
وبعد شهرين على المقاطعة العربية، وفى ظل حظر ممتد على الطيران القطرى وغلق للحدود البرية، توالت التقارير الداعية لسحب ملف التنظيم، مؤكدة استحالة استضافة قطر للبطولة وتوفير الدخول والخروج الأمن والسلس للفرق المشاركة والجماهير، وسط تأكيدات باعتزام الرعاة الإعلانيين الانسحاب من مونديال 2022.
وفى تقرير لها، دعت صحيفة نيويورك بوست الأمريكية قبل يومين إلى التحرك حيال منح كل من روسيا وقطر حق تنظيم بطولات كأس العالم لكرة القدم لعامى 2018 و2022، وهو الأمر الذى شابه الفساد نظرا لحصول أعضاء من الاتحاد الدولى لكرة القدم "فيفا" على رشاوى من البلدين لمنحهم أصواتهم.
وفى مقال للسياسية الجمهورية "ليز ماير" على الموقع الإلكترونى للصحيفة، قالت إن الاتحاد الدولى لكرة القدم يكافئ الفاعلين الأشرار فى العالم من خلال السماح لهم باستضافة بطولة كأس العالم. وسلطت الكاتبة الضوء على الممارسات القطرية، مشيرة إلى الغضب المتزايد تجاهها من قبل جيرانها فى الشرق الأوسط بسبب صداقتها مع إيران ورعايتها الإرهاب.
وأضافت أن بالنسبة لقطر حيث ستقام بطولة كأس العالم لكرة القدم بعد 4 سنوات، فسيكون الأمر مدهشا إذا استطاعت كرة القدم إحلال السلام فى أى جزء من الشرق الأوسط بما فى ذلك تلك الأركان الفوضوية التى تحتلها قطر. لكن بالطبع الكثير من الناس استثمروا بشكل كبير لجلب البطولات لبلدانهم وينتظرون كسب الكثير من المال، كما لو كانت الأمور كلها طبيعية.
وإذا كان الوقت لم يعد يسمح بسحب تنظيم البطولة من روسيا نظرا إلى أنه يتبقى نحو عام فقط على انطلاقها، تقول الكاتبة إنه لا يزال يتعين على الفيفا إعادة النظر، فى استضافة قطر للبطولة، حيث لا يزال هناك وقت لوضع ترتيبات بديلة والعقبات العملية لإيجاد مضيف مختلف هى ببساطة أقل وأكثر قابلية للإدارة.
وخلصت ماير مقالها بالقول أنه يجب على فيفا أن يتصرف، ويجب أن يتصرف الآن. مضيفة أن من المؤكد أن كأس العالم فى خلاف ينطوى على التعاون مع أنظمة بغيضة، ما من شأنه أن يؤدى إلى مزيد من التشوه لمنظمة معروفة أصلا لفضائحها، ولن يؤدى إلا إلى تعزيز أيدى تلك الأنظمة من منظور جيوسياسى، بغض النظر عما يقوله فيفا أن كرة القدم يجب أن تكون بعيدة عن السياسة أو "القضايا السيادية".
من جانبها، اهتمت شبكة "فوكس نيوز" الأمريكية بملف العمالة المشاركة فى بناء منشآت كأس العالم داخل قطر، مشيرة إلى أن 2.2 مليون من العمال المهاجرين الذين يعملون فى الدوحة هم الضحايا الفعليين للأزمة بين الدوحة والدول الداعية لمواجهة الإرهاب الممول من قطر.
وكشفت الشبكة الأمريكية أن متوسط الأجر بين عشرات الآلاف من العمال المهاجرين العاملين فى مجال البناء، على سبيل المثال، لا يتجاوز 1.920 دولار فى السنة، أى أقل من 6 دولارات فى اليوم وهو مبلغ بخس، مشيرة إلى أن المهاجرون فى قطر من خلال نظام "الكفالة"، الذى يمنح أرباب العمل درجة هائلة من السيطرة على حياتهم.
وذكرت "فوكس" أن العمال المشاركين فى تدشين منشآت المونديال هم جزء من معاناة كبرى تعيشها العمالة الأجنبية، موضحة أن وسائل الإعلام القطرية تتجاهل بشكل لافت هذا الملف، وما يعانيه العمال من مخاطر حقيقية وغياب كامل للحقوق.
ونقلت الشبكة فى ختام تقريرها عن آدم سوبل، مخرج الفيلم الوثائقى "كأس العالم" الذى تناول قضية العمال المهاجرين العاملين فى بناء مرافق مونديال 2022 وما يعانون منه من انتهاكات وظروف عمل قاسية: "العمال المهاجرون بعيدون عن عيون وأذهان المجتمع القطرى".