أصبحت عملية مطاردة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب غاية عالمية، تعاظمت خلال الشهرين الأخيرين بعد أن قررت الدول العربية الداعية لمكافحة الإرهاب أن تنتفض ضد قطر، التى مثلت خلال السنوات السبع الأخيرة الداعم المادى واللوجيستى للتنظيمات الإرهابية فى المنطقة، لتنفيذ أجندتها السياسية وزعزعة استقرار دول جيرانها.
تلك الصحوة قادها الرباعى العربى "السعودية ومصر والإمارات والبحرين" ضد إمارة الإرهاب وممارساتها الداعمة للتنظيمات الإرهابية التى أصبحت مكشوفة للجميع، ما جعل الأنظمة العربية شرقا وغربا تتنبه إلى الاختراقات التى قد تكون شهدتها قطاعاتها المصرفية فى السنوات الأخيرة، وفى مقدمة تلك الدول تأتى تونس التى طالتها بعض الاتهامات باختراق مليارات قطر لها خلال السنوات الأخيرة بالتزامن مع سيطرة الإخوان على الحكم عقب الثورة.
وتناثرت معلومات متعددة حول تلقى حركة النهضة الإسلامية – إخوان تونس – أموال من الدوحة لما تربطهما من علاقة وطيدة، وكانت الحركة بمثابة ذراع الدوحة فى شمال إفريقيا لدعم التنظيم الدولى للإخوان وتمكينه من الحكم فى دول الربيع العربى، كما تضمنت الاتهامات استغلال الحركة الإسلامية وجودها فى الحكم وفتحت الأراضى التونسية لتكون مركزا لتدريب الشباب وإعداده للانضمام إلى بؤر التوتر فى ليبيا وسوريا والمحاربة فى التنظيمات الإرهابية.
تلك الاتهامات دفعت الحكومة التونسية إلى المسارعة باتخاذ إجراءات احترازية لمراقبة الحسابات المصرفية وعمليات التحويلات التى تمت مؤخرا لتعقب عمليات غسيل الأموال وتمويل الإرهاب، وبتكليف مباشر من رئاسة الحكومة، قامت اللجنة التونسية للتحاليل المالية بمهمّة القيام بأول عملية تقييم وطنى ذاتى لمخاطر غسل الأموال وتمويل الإرهاب تتم فى تونس.
وقالت مصادر تونسية حكومية أن تنفيذ عملية التقييم أشرف عليها ثلة من الخبراء التونسيين فى مجال مكافحة الجرائم المالية من قيادات اللجنة التونسية للتحاليل المالية والبنك المركزى التونسي، ومن القضاة ومن القيادات الأمنية، لافتة الى أن هذا التقييم يجعل تونس أوّل دولة بمنطقة الشرق الأوسط وإفريقيا تحدّد نقاط ضعف منظومتها المصرفية.
وأشار المصدر إلى أن نتائج التقييم تم عرضها على رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة والبرلمان، لافتا إلى أنه خلال عملية التقييم تم جمع آلاف البيانات والإحصائيات المالية والأمنية والقضائية والاستعلامية، وشمل التحليل الاستراتيجى لملفات غسل الأموال وتمويل الإرهاب المحالة على القضاء والتى شملت أكثر من 460 ملفا و2000 حساب بنكى والآلاف من العمليات البنكية من إيداع وسحب وتحويل فاقت ما يعادل عشرة مليار دينار، كذلك فإنّ عملية التقييم الوطنى شملت أكثر من 150 جهة من القطاع الخاص والعام.
وتسلم الرئيس التونسى الباجى قايد السبسي، خلال الـ24 ساعة الماضية تقرير لجنة التحاليل المالية، التابعة للبنك المركزي، حول غسيل الأموال وتمويل الإرهاب، حيث جدد السبسى تأكيده على ضرورة اتخاذ الإجراءات والتدابير الكفيلة للتصدى لهذه الجرائم وتجفيف منابع تمويل الإرهاب والعمل على تحسين موقع تونس فى مجال مقاومة الفساد.
وترى السلطات التونسية أنّ عملية تقييم المخاطر، تمثل مطلبا وطنيا ملحّا لما من شانه أن يتيح لصانعى السياسات فى الدولة وضع خطة وطنية واضحة وشاملة لدرء مخاطر غسل الأموال وتمويل الإرهاب، وذلك باعتماد إجراءات تصحيحية على المدى القصير والمتوسط والتى قد تقتضى تطبيق تدابير عاجلة لاحتواء التهديدات المؤكدة.
وكشفت النتائج أن مستوى مخاطر غسل الأموال وتمويل الإرهاب فى تونس مرتفع نسبيا، حيث تعد عمليات الفساد والتهريب الضريبى وقرصنة الحسابات المالية والبطاقات البنكية بالخارج من أهمّ التهديدات التى تشكل عائداتها المالية مخاطر عليا لغسل الأموال وتمويل الإرهاب على القطاع المالى والاقتصادي.
وأوضحت النتائج وجود استغلال للجمعيات وشركات التجارة الدولية غير المقيمة فى تونس والقطاع العقارى وقطاع الذهب فى جرائم غسل الأموال وتمويل الإرهاب، وشددت على أن القطاع البنكى التونسى عرضة لمخاطر عليا فى هذا المجال، ودعا التقرير البنوك لدعم الموارد البشرية المكلفة بمراقبة العمليات المصرفية.
ومن ناحية أخرى، توصل هذا التقييم إلى تحديد بعض الدول ذات التهديد عالى المخاطر فى مجال غسل الأموال وتمويل الإرهاب بالنظر إلى الوضع الجغراسياسى للمنطقة، وحذر من نقص فهم العاملين بمختلف القطاعات لمخاطر غسل الأموال وتمويل الإرهاب، وضعف فعاليّة الإجراءات والممارسات الخاصة بالرقابة.
وقال مراقبون إن هذا التقييم يضع تونس أمام تحدّيات واضحة المعالم يستدعى رفعها تضافر جهود كل الجهات على المستوى الوطنى والقطاعى بهدف خفض المخاطر، ما يساهم فى التّصدّى وقطع الطريق أمام محاولات غسل الأموال وتمويل الإرهاب فى الساحة المالية التونسية، ويدعم فى ذات الوقت مخرجات الاستراتيجيات الوطنية الصادرة فى مجال مكافحة الفساد والإرهاب والتطرف من جهة ومجهود الدولة فى مكافحة الفساد، من جهة أخرى.