قبل أسابيع قليلة حاولت دولة الاحتلال الإسرائيلى، إيهام الشعوب العربية أن قناة "الجزيرة" القطرية، تمارس عملا إعلاميا بعيدا عن الشبهات، فأشاعت أنها بصدد اتخاذ إجراءات ضدها على خلفية تغطيتها لأحداث الأقصى الأخيرة، فيما أكد متابعون أنه ياتى فى إطار خطوة تنسيق متفق عليها بين الدوحة وتل أبيب.
الصورة التى كانت غامضة قبل أسابيع اتضحت اليوم، ففى خطوة تكشف عن حجم العلاقات الوطيدة بين الدوحة وتل أبيب، كشفت وسائل إعلام إسرائيلية، أمس الخميس، عن أن وزارة الخارجية الإسرائيلية دافعت عن وجود مكتب قناة "الجزيرة" فى العاصمة تل أبيب، وحذرت بشدة من فرض أى عقوبات ضدها من جانب مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو.
ورأت وسائل الإعلام الإسرائيلية، أن محاولة نتانياهو ووزير اتصالاته أيوب القرا، لإغلاق مكتب الجزيرة فى إسرائيل، رغم تأكيدها أنه ليس قادرا على تنفيذ مخططه، مؤكدة أن الحديث يدور حول "تضليل إعلامى" لصرف الانتباه عن التحقيقات التى يخضع لها رئيس الحكومة بسبب اتهامات الفساد التى تلاحقه.
ويعمل القرا، المقرب من نتانياهو، والمعروف بولاءه المطلق وإخلاصه له منذ عدة أسابيع فى طرح نقاش فى الكنيست حول إغلاق مكتب الجزيرة فى إسرائيل، وهى الخطوة التى يدعمها نتانياهو، بحجة أنها تتعارض مع سياسات إسرائيل.
واشتركت أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية فى الدفاع عن قناة التحريض القطرية، مؤكدة أنها قدمت للعرب صورة متوازنة ومتنورة عن إسرائيل بفتح منابرها أمام قادة ومسئولى تل أبيب، وذلك بعد أيام من نية نتانياهو إغلاق مكتب القناة بإسرائيل.
وقال مدير شعبة الوحدة "8200" التابعة لجهاز المخابرات العسكرية الإسرائيلية، خلال تصريحات سابقة لموقع "واللا" الإخبارى الإسرائيلى، إن الأجهزة الأمنية أبدت اعتراضها على نية نتانياهو، غلق مكتب الجزيرة فى إسرائيل.
فيما نقلت صحيفة "هاآرتس" الإسرائيلية، خلال تقرير لها، عن مسئولين كبار فى وزارة الخارجية، تحذيرهم لديوان رئيس الحكومة الإسرائيلية، من إبعاد فرض عقوبات على قناة الجزيرة، وتأثيرها على مكانة إسرائيل الدولية.
وأضافت المصادر الدبلوماسية الإسرائيلية التى دافعت عن "جزيرة" تميم بن حمد آل ثانى، أمير قطر، إن هناك اجتماع عقد بهذا الشأن فى مقر مجلس الأمن القومى الإسرائيلى، وأن نتانياهو يعمل على دفع عقوبات ضد القناة القطرية، خلافا لموقف الوزراء، بسبب خلافات شخصية.
وأوضحت المصادر، إن مجلس الأمن القومى طلب خلال الاجتماع الذى عقد قبل عدة أسابيع، صياغة وجهة نظر حول الرد الدولى الممكن على العقوبات التى تنوى إسرائيل فرضها على القناة القطرية، مضيفة أن ممثلو وزارة الخارجية عرضوا خلال الاجتماع، موقفا يرى بأن كل مس بقناة الجزيرة وبمراسليها فى إسرائيل، سيسبب ضررا لصورة اسرائيل فى العالم، بالإضافة إلى أن القناة ساهمت بشكل كبير فى تحسين صورة تل أبيب فى المنطقة.
وأعربت وزارة الخارجية عن تخوفها من أن تسبب الخطوات ضد القناة انتقادات دولية شديدة وتزود ذخيرة للكثيرين فى العالم الذين سيعرضون إسرائيل كمن تمس بمبادئ الديموقراطية وحرية الصحافة والتعبير.
وعلى الرغم من موقف الخارجية الإسرائيلية، فان نتانياهو ووزير اتصالاته، أيوب القرا، يقودان علانية إلى فرض عقوبات على الجزيرة، وأمس الأربعاء تحولت التصريحات العلنية إلى خطوات فعلية حين قرر مدير مكتب الصحافة الحكومى، نيتسان حين، التابع لديوان رئيس الحكومة، سحب بطاقة مراسل الجزيرة فى إسرائيل الياس كرام، بعد استجوابه.
وجاء فى بيان صدر عن مكتب الصحافة الحكومى، إن سبب سحب البطاقة من إلياس كرام، المواطن الإسرائيلى، هو اللقاء الذى منحه قبل سنة لقناة تتماثل مع جماعة "الاخوان المسلمين"، على الرغم من معرفة أجهزة الأمن الإسرائيلية بهذا اللقاء والموافقة عليه.
ويسكن مراسل الجزيرة القطرية، الإسرائيلى الجنسية فى مدينة "الناصرة" ذات الأغلبية العربية، ويحمل بطاقة الصحفى منذ عام 2011، وقرار سحب البطاقة منه يأتى ضمن العقوبات التى تحاول حكومة اسرائيل فرضها على قناة الجزيرة.
وقال مكتب الصحافة الحكومى، إن من حول المواد التى تم اعتمادها فى قرار سحب بطاقة كرام هو الناطق بلسان رئيس الحكومة للإعلام العربى، أوفير جندلمان ووزير الاتصالات أيوب القرا.
وفى السياق نفسه، حذر مركز "إعلام" الإسرائيلى الذى يعمل من أجل حرية الصحافة والتطوير والأبحاث، من تجاوب مكتب الصحافة الحكومى مع طلب وزير الاتصالات الإسرائيلى سحب بطاقات مراسلى الجزيرة.
وللجزيرة مكاتب متعددة فى القدس الغربية، وتعمل تل أبيب على إغلاق تلك المكاتب مع السماح لها بالعمل وممارسة نشاطاتها من مكاتبها فى رام الله، التى تبعد نحو نصف ساعة سفر عن القدس المحتلة، وليس فى وسع إسرائيل التأثير فى عملها فى تلك المكاتب.
ورغم عمل القرا الدؤوب ضد "الجزيرة"، ورغم أن نتانياهو، سارع ومدحه فى تغريدة رسمية سابقة فى موقع "تويتر" حول "محاولاته" ضد القناة، وهذا رغم أنه قبل نحو أسبوعَين فقط أجرى المتحدث باسم نتانياهو باللغة العربية مقابلة مع الجزيرة، فيبدو أنه لن يلحق ضررا حقيقيا ببث القناة أو بقدرة مراسليها الذين يعملون فى إسرائيل.
ويبدو أنه من المحتمل أكثر أن نتانياهو ومبعوثه القرا يعملان جاهدَين بهدف إطلاق عناوين تثير حماس داعمى اليمين اليهودى المتطرف وصرف النقاش فى مجال الاتّصالات الإسرائيل،ى الذى يتناول بشكل حصرى تقريبا فى هذه الأيام التحقيق الذى يخضع له مقربو نتانياهو وتصريح الشرطة حول تهم الفساد والرشاوى الموجهة ضد نتانياهو.
وكان مدير مكاتب قناة الجزيرة فى إسرائيل، الإسرائيلى من أصل عربى وليد العمرى، قد كشف لصحيفة "يديعوت أحرونوت" مؤخرا، أنه لا يصدق أن تغلق إسرائيلمكاتب القناة، لأن هذا الأمر لن ينجح فى المحكمة العليا، موضحا أن المكتب واجه فى السابق ثلاث محاولات لإغلاقه.
وأضاف العمرى، أن المتحدثين باسم الجيش الإسرائيلى ورئيس الحكومة الإسرائيلية نفسه، والخبراء والمحللين الإسرائيليين يأتون ويعرضون الموقف الإسرائيلى لدى الجزيرة، متسائلا: "أين تجد قناة عربية أخرى تشارك إسرائيليين وتسمح لهم بإجراء لقاءات معهم بالعبرية؟".