وفى حلقة جديدة من السياسيات الإيرانية تجاه "أمير قطر القادم"، لعب إعلام طهران على وتر الترويج للرجل عبر الإعلان عن دوره فى قطر، وقال إن تولى الشيخ عبدالله بن على بن عبدالله بن جاسم آل ثانى غرفة عمليات خاصة لإدارة شئون القطريين فى ظل قطع العلاقات خطوة "لإيجاد حكومة موازية للدوحة، ونزع شرعية الحكومة الحالية برئاسة تميم".
المتابع للشأن الإيرانى يرى أن التناقض يحكم العلاقات بين طهران والدوحة، التى بدت قوية فى ظاهرها حيث امتدت العلاقات المشبوهة بين البلدين على مدار السنوات الماضية، منذ عهد الأمير الوالد حمد ثم تميم، ووصلت إلى ذروتها فى عام 2015، حيث شهد هذا العام تعزيز التعاون الأمنى لأول مرة بين "الحرس الثورى وما يسمى بالجيش القطرى"، عبر توقيع اتفاقية أمنية وعسكرية تحت مسمى "مكافحة الإرهاب والتصدى للعناصر المخلة بالأمن فى المنطقة"، كانت إحدى بنودها السرية، "منح حق تدريب قوات قطر البحرية للقوات البحرية التابعة للحرس الثورى الإيرانى فى المنطقة الحرة بجزيرة قشم جنوب إيران"، وقبلها بعامين لجأت الدوحة عام 2013 إلى القوات الإيرانية، لتدريب خفر السواحل القطرية فى مجال مكافحة المخدرات.
كما زار أمير قطر السابق فى 2010 طهران والتقى بالمرشد خامنئى، ووقعت قطر مع خلال الزيارة اتفاقية أمنية وشهد هذا العام زيارت متبادلة، ورفعت من تعاونها العسكرى مع الحرس الثورى. كما استقبل ميناء الدوحة لأول مرة سفنا عسكرية للحرس الثورى الإيرانى، حاملة قيادات عسكرية إيرانية لإجراء لقاءات من أجل التوصل إلى تفاهمات أمنية بين الطرفين، وشمل الأسطول 3 بوارج حربية كانت سفينة سهرابى، سفينة دارا وسفينة مهدوى وسفينتان للإسناد هما ناصر 111 وناصر 112، وحضر الاجتماع سفير إيران فى قطر آنذاك عبدالله سهرابى والممثل العسكرى فى السفارة ما شاء الله پورشه، وأفضى إلى توقيع اتفاقية أمنية أخرى بين البلدين لم تعلن بنودها، ورغم الاختلافات فى الرؤى السياسية بين البلدين فى العديد من الملفات إلا أن طهران نظرت إلى الدوحة كموطئ قدم لها فى الخليج ، والصيد الثمين الذى سيقربها خطوة نحو حدود السعودية الحصينة آنذاك، رغم أن صراعها مع الأخيرة لم يكن وصل ذروته قبل 2015 إلا أن التوتر كان قائم.
اللافت أن كل هذه العلاقات تخفى وراءها اعتراف إيرانى بدعم تميم للإرهاب وفضح دوره المشبوه فى دعم وإيواء التنظيمات المسلحة، على نحو ما قالته صحيفة "كيهان" المتشددة عن تميم فى مقال لرئيس تحريرها حسين شريعتمدارى العام الماضى، والذى عارض تمويل شركة تملكها أخت تميم لفيلم إيرانى شهير، وقال حينها إنها "دولارات دعم الإرهاب".
ومن منطلق هذه العلاقات الهشة بين البلدين، يمكن فهم خطوة الترويج فى إعلام طهران لـ "عبدالله آل ثانى" كرجل قطر المقبل يأتى لعدة أهداف ترمى إليها دولة إيران العميقة، الأول: هو ضرب أطراف الأزمة الخليجية التى أمعنت منذ بدايتها لاستفزازهم، بالنظر إلى العلاقات المتدهورة بين دول الرباعى العربى الداعية لمكافحة الإرهاب الممول من قطر، عبر الترويج للرجل بأنه سيكون رجل المرحلة.
ثانيا يرى مراقبون أنها مؤشر على رغبة إيران فى إزاحة تميم عن الحكم، فرغم ما يقال فى الإعلام من العلاقات المتجذرة على مدار سنوات إلا أن طهران أيضا كشفت عن دور تميم فى دعم الإرهاب وفضحت دور الدوحة فى سوريا والعراق وليبيا، إذن فإزاحته ستمكنها من خلو الساحة السورية التى تعارضها فيها قطر وتمول الجماعات الإرهابية، تلك التى تحاربها مليشات طهران بالتحالف مع الأسد.
ويشير الترويج له إلى رغبة إيرانية ملحة لدراسة مواقف الشيخ عبدالله آل ثانى تجاهها، الذى سيتولى زمام الأمور فى الدوحة، لإبداء مواقفها السياسية منه، وهو ما اعتادت عليه طهران فى تقييم السياسيين، فدراسة بوصلة رجل قطر القادم ستحدد وقوفها إلى جواره من عدمه.
والمراقبون أيضا يتفقون فى الرأى الذى يقول إن إمعان إعلام طهران فى الترويج للشيخ عبدالله آل ثانى يشير إلى أن دور تميم قد انتهى مع طهران، فقد استغلت إيران أمير الإرهاب لضرب أطراف الأزمة الخليجية، عبر مساندته أمام إصرار دول الرباعى العربى لردع الدوحة عن سياسات دعم الإرهاب وقبول مطالبها الـ 13.
كما استغلت طهران تميم لتحقيق انتعاش اقتصادى لاقتصادها المتدهور، منذ بداية الأزمة الخليجية يونيو الماضى، واتخاذتها مدخلا لغزو منطقة الخليج العربى، والتوسع وزيادة النفوذ على حساب القوى الكبرى فى المنطقة وأمنها القومى، وزيادة حجم التبادل التجارى معها، وهو ما تمثل فى تصريح لصادقيان رئيس اللجنة الزراعية بغرفة التجارة الإيرانية أنه خلال الأيام الأولى للأزمة الخليجية، تم تصدير 200 طن من البضائع الإيرانية تشمل الفاكهة والخضروات من مدينة شيراز إلى الدوحة، كذلك تم تصدير أولى شحنات الألبان.
وكشف رئيس الدائرة التعاونية لمنتجى المواد الغذائية في إيران، مهدى كريمى تفرشى، ارتفاع صادرت إيران من المواد الغذائية إلى قطر بعد الأزمة الخليجية من 200 إلى 300 مليون دولار فى عام 2017، بعد أن كان حجم الصادرات الإيرانية لقطر فى عام 2016 لا يتجاوز 18 إلى 20 مليون دولار.
وبعد أن انتهى دور تميم وأصبح نهايته محسومة بالنسبة لإيران، تخلت قليلا عن سياسة النفخ فى الأزمة لإطالة أمدها، منذ أن ظهر الشيخ عبد الله على الساحة، وباتت تبحث طهران عن البديل الشرعى له، ويبدو أن بوصلتها راحت نحو الرجل الذى أصبحت تدرس مواقفه وتحركاته بدقة فتميم لم يعد الشريك الذى يمكن الاعتماد عليه، كما أن التخلص منه فى هذا التوقيت سيكون بالنسبة لها هدية من السماء فى العديد من الملفات أبرزها الملف السورى.