أدت علاقات قطر المتنامية مع إيران فى الأيام المائة الماضية إلى خسائر ليس لها حدود على المستوى الاستراتيجى لقطر، فى الوقت الذى يرى فيه صناع القرار بطهران أن الدوحة ليست سوى ورقة للتحقيق مكاسب بعيدة المدى فى المنطقة العربية، وقبل أزمة قطر مع جيرانها العرب لم يكن يتوقع أكثر الإيرانيين تفاؤلا أن يكون للحرس الثورى جنودًا على أراضٍ خليجية بفضل قطر، فسياسة الإمارة جعلت الأمر سهلاً ومتاحًا وتمادت فى أزمتها بأن سلمت الإيرانيين مفاتيح الإمارة.. ويستعرض التقرير أبرز الخسائر التى تكبدتها قطر من علاقاتها الإيرانية.
المعايرة الإيرانية لقطر
عايرت إيران قطر، وطالبتها برد الجميل فى أقرب وقت لأنها فتحت أجواءها الجوية أمام طيرانها فى الوقت الذى أغلقت فيه كل الدول العربية مجالاتها الجوية فى مواجهة طائرات الدوحة.
وفى يوم الثلاثاء 4 يوليو طالب مسئول إيرانى كبير الدوحة بحفظ الجميل وتذكر دائما أن إيران فتحت أجواءها الجوية أمام الطيران القطرى من دون مقابل مادى رغم الثروة الطائلة التى تتمتع بها الإمارة الخليجية التى تعد أضخم منتج ومصدر للغاز الطبيعى المسال فى العالم، والتى يبلغ احتياطيها النقدى بالإضافة إلى رؤوس الأموال قرب التريليون دولار.
وقال رحمت إله مه أبادى، المدير التنفيذى للمطارات والملاحة الجوية الإيرانية، إن على إيران تذكير الدوحة بضرورة حفظ الجميل لفتح أجوائها أمام قطر، بعد يوم الخامس من يونيو الماضى إذ قررت مجموعة من الدول العربية مطالبة قطر بالكف عن تمويلها الإرهاب ونشر العنف فى الإقليم.
وتابع علی عابدزاده فى تصريحات نقلتها وكالة الأنباء الطلابية "إيسنا" أن للطیران التجاری والمدنی فی العالم یمر عبر منظمة إیكاو التابعة للأمم المتحدة، مدعيا أن المنظمة طالبت إیران بالتعاون مع دولة قطر بعد الحظر الجوی الذی فرض علیها من جانب الدول العربیة.
بضائع إيران الفاسدة
ما إن أعلنت الدول العربية الداعية لمكافحة الإرهاب الممول من قطر بيانها الشهير على خلفية سلوك الدوحة الداعم للجماعات المتطرفة، إلا وسارعت قطر بطلب البضائع الإيرانية تحت ذريعة حاجتها للغذاء، لكن تنظيم الحمدين (مصطلح يشار به إلى والد الأمير تميم حمد بن خليفة وحمد بن جاسم وزير الخارجية ورئيس الوزراء الأسبق) كان يستهدف إقناع العرب بأن قطر لا حاجة لها بمحيطيها العربى والخليجى.
وبالرغم من التحذيرات المتتالية التى أدلى بها أطباء وخبراء تغذية حول عدم صلاحية أغلب المنتجات الإيرانية التى تصدرها طهران إلى الدول العربية، إلا إن السلطات القطرية وعلى رأسها الأمير تميم بن حمد آل ثانى، أصرت على مواصلة استيراد البضائع من إيران لتعويض النقص الحاد الذى تعرضت له الإمارة بعد الأزمة العربية على خلفية المطالبة بوقف الإرهاب الممول من الدوحة.
وفى يوم الأربعاء 30 أغسطس أعدم النظام القطرى 10 أطنان من الخضروات والفاكهة الفاسدة التى وردتها إيران إلى قطر، بعد الجسرين البحرى والجوى الذى اتفقت طهران والدوحة على إقامتهما بين البلدين بعد العاصفة السياسية التى هزت عرش تميم فى الأشهر الأخيرة.
وأتلفت السلطات القطرية أطنانا من الخضر والفاكهة الإيرانية فى الدوحة بعد الكشف عن عينات عشوائية وارتفاع المواد الكيماوية بها بشكل كبير، بعد تحذيرات متعددة من أن المنتجات الإيرانية بها مواد مسرطنة.
الحرمان من عائدات الغاز
فى يوم الاثنين 3 يوليو أى بعد نحو شهر من اندلاع الأزمة القطرية ـ العربية وقعت مجموعة "توتال" الفرنسية التى تقود كونسورتيوم مع شركة "سى إن بى سى أى" الصينية اتفاقا، بقيمة 4,8 مليارات دولار لتطوير حقل بارس الجنوبى للغاز فى إيران، لتكون بذلك أول شركة غربية فى هذا القطاع تعود إلى ايران بعد توقيع الاتفاق النووى الذى تم التوصل إلى صيغته الناهئية نهار الرابع عشر من يوليو 2015.
المهم فى هذا الأمر هو توقيت توقيع العقد بعد أن بات ظهر قطر مكشوفا تماما للإيرانيين وباتت بلا حامى ولا نصير فى محيطيها العربى والخليجى إذ تتنافس إيران وقطر على حقل بارس الجنوبى الضخم للغاز (يسمى فى الدوحة بحقل الشمال) وتمتلك الدوحة نصيب يضاهى الثلثين من مخزون الحقل، وبسبب العقوبات الدولية لم تطور إيران استخراج الغاز منه منذ سنوات طويلة ما منح قطر الأفضلية فى عمليات التطوير والاكتشاف والاستخراج، لكن إيران منذ اندلاع الأزمة بدأت فى تطوير الحقل على قدم وساق.
وأعلنت إيران يوم الاثنين 20 أغسطس عن تصدير 4 شحنات من النفط الخام المنتج فى حقل بارس الجنوبى، بما يبلغ مليونى برميل، إلى أسواق شرقى آسيا، وهو خبر يلقى الضوء بكثافة على واحد من أخطر ملفات الخصم الإيرانى من الثروة القطرية التى تم حرمانها من عائدات الغاز، وهو أصل رئيس فى ثروتها الضخمة ونفوذها الذى يتجاوز حدودها الجغرافية وتاريخها المتواضع.