نقلا عن اليومى
المكتب الإدارى يطلب تخصيص 10 ملايين دولار لتظاهرات 11/11 وأمين الإخوان يوافق على 3 فقط
سيدة لبنانية وزوجها يكشفان أسرار لقاءات الإخوان ومحاضر الاجتماعات واتهامات الفساد بالجماعة
قضية تبادل الزوجات المتهم فيها قيادى بالجماعة تقودنا لوثائق التكليفات واللقاءات والقائمة البريدية.
15 دقيقة فقط احتاجها «ع. م» قيادى المجلس الثورى الإخوانى بالولايات المتحدة الأمريكية، الذى هبط مطار أتاتورك الدولى، ليقطع 10 كيلو مترات تبعد المطار عن فندق «أكغون إسطنبول» الفاخر، وهو فندق 5 نجوم فى شارع عدنان مندريس، يتوسط المنطقة الحيوية فى قلب المدينة، على مقربة من قصر توبكابى ومتحف كارى ومتحف آيا صوفيا والمسجد الأزرق، ويبعد عن ميدان تقسيم الشهير 5 كيلو مترات فقط، وأقل من 3 كيلو مترات عن محطتى «أكساراى» للترام و«ينيكابى» للقطارات، و900 متر عن محطة مترو «إمنيت» و100 فقط عن محطة «توبكابى».
وصل السيد «ع» إلى الفندق، وبالتزامن وصل عدد من الرجال مختلفى الهيئات والملامح، بالمترو والتاكسى والسيارات الخاصة، لم يحتج أى منهم لأكثر من نطق كلمة «الاجتماع» باللغة العربية لموظفى الاستقبال، ليتحرك معه شاب ثلاثينى، يبدو مصرى الجنسية، إلى «SURiÇi»، أفخم قاعات اجتماعات الفندق فى الفئة متوسطة الحجم، مساحتها 150 مترًا مربعًا، أغلبها فضاء يكشف عن أرضية «باركيه» مزركشة بتدرجات الذهبى والأزرق والأحمر، تتوسطها طاولة مستطيلة يحيط بها 20 كرسيا خلاف المقعد الضخم، الذى يحتل مقدمتها، وتعلوها «ثريّا» تتدلى من تجويف غائر فى السقف، مستطيلة الشكل مبهرة التصميم، الأجواء هادئة والأمور مُعدّة بعناية، العصائر وزجاجات المياه والأوراق والأقلام، دخل «ع» فوجد بعض الحضور قد شغلوا أماكنهم بالفعل، وبعضهم فتح حقيبته وأخرج منها «لاب توب» أو أوراقًا مطبوعة أو مكتوبة بخط اليد ووضعها أمامه، سلّم عليهم وأخذ مكانه، الذى أشار له الشاب، ثم أخرج أوراقه أيضًا.
اجتماع عاصف وملفات مفتوحة
استمر توافد الحضور حتى اكتمل فى القاعة 19 شخصًا، ظل الكرسى الأول على رأس الطاولة والكرسى الأول من يمينه خاويين، دقائق ودخل السيدان المنتظران، أخذ «م. ح» موقعه على رأس المجتمعين، وجلس «أ. ع» على يمينه، وبدأ الاجتماع.
وفق المعلومات المتاحة، كان هذا الاجتماع فى السابع عشر من أغسطس الماضى، بغرض مراجعة الملفات المفتوحة والتكليفات، التى سبق توجيهها لأجنحة الجماعة وفروعها، داخل مصر وخارجها، والاتفاق على خطة العمل خلال الشهور التالية، بدأ الحديث بإشادة «م. ح» بجهد الأفرع والمكاتب والشُعب بالداخل والخارج، وكفاءة التنسيق، الذى تتولاه قيادات المكتب الإدارى فى تركيا بين هذه الأجنحة، ثم أشار إلى «أ. ع» ليتحدث بالتفصيل عن أبرز نتائج العمل على محاور تنشيط الجبهة الإخوانية داخل مصر، وفاعلية الاتصالات الخارجية بالمؤسسات والتكتلات السياسية فى عدد من الدول، عبر المقيمين فيها من أعضاء الجماعة، أو عبر الوفود الموجهة لها لإنجاز أهداف محددة، وبالفعل استفاض الرجل فى عرض قائمة النجاحات المتحققة فى الاتصال بمسؤولين ووجوه بارزة بالكونجرس الأمريكى، ومجلس العموم البريطانى، وفعاليات كندا وأيرلندا وسويسرا، مقدما تقييم موقف وأداء بأن التحركات الأخيرة أحدثت أثرًا ضخمًا ونجاحات كبيرة.
كان حديث السيد «أ» ورديًا فى مجمله، ما أثار همهمات اعتراض بين دقيقة وأخرى من بعض الحضور، ودفع آخرين للسؤال عن الدعوة لتظاهرات 11 نوفمبر 2016 وما أثمرت عنه، فرد الرجل مستعرضا نتائج وآثارًا قال: إنها إيجابية وتشير لنجاح كبير، هنا قاطعته «م. ع» متهمة المكتب الإدارى بالتقصير فى التخطيط للدعوة والترويج لها، رغم توفير الميزانية، التى طلبها المكتب فى يوليو 2016، بعد أيام قليلة من عودة «ج. ح» الوجه البارز ببرلمان الجماعة فى تركيا والوفد المرافق له، وفى مقدمته «ع. د»، رئيس لجنة العلاقات الخارجية بحزب الحرية والعدالة المنحل، من رحلة واشنطن، التى التقوا خلالها ديفيد برايس، عضو الكونجرس المقرب من الرئيس السابق أوباما ورئيس لجنة المنح بالمجلس، وما عرضه المكتب الإدارى من تقارير وقتها، وصفتها بـ«المضللة»، إذ أكدت اجتذاب الدعوة لقطاعات عريضة من المصريين، وتصاعد فرص أن تثمر احتجاجات واسعة، إضافة إلى الحصول على وعود قاطعة من نواب ومسؤولين أمريكيين بتبنى هذه التحركات والدفع فى اتجاه الضغط على النظام المصرى، لتحقيق مكاسب فيما يخص ملف المصالحة والإفراج عن كوادر الجماعة المحبوسين على ذمة اتهامات جنائية، كانت لهجة «م. ع» حادة وهجومية، إلى حد اضطرار «أ. ع» للصمت، ما دفع «م. د»، الوجه البارز بقيادة المكتب الإدارى، للتدخل منفعلا، فتصاعدت حدة الاشتباك اللفظى، وانقلبت الأجواء لمشاجرة لم تخفت حدّتها على مدى الاجتماع، الذى امتد 5 ساعات.
قضية تبادل الزوجات
رغم تزايد أعداد الإخوان فى تركيا، إلا أن قيادات الجماعة ومكتبها الإدارى بالخارج، وما يُعرف بـ«المجلس الثورى» يفرضون سياجًا غليظًا من السرية حول تحركاتهم واجتماعاتهم، لم يكن الاقتراب من هذه الدائرة أمرا سهلا، حاولنا طويلا، وعلى مدى شهور أن نتلمس الخطى على تخوم الوجود الإخوانى فى إسطنبول وأنقرة وبعض المدن الأخرى، عبر مصادر إعلامية تركية، وبعض المصريين والعرب المقيمين هناك، ودائمًا ما كانت المحاولات تبوء بالفشل، أو تسفر عن معلومات لا تُسمن ولا تُغنى من فضول للمعرفة واستكشاف هذه الدائرة السوداء، خاصة أنها بدرجة ما تمثل قوة الدفع، التى يتحرك من خلالها عناصر الجماعة داخل مصر، ومنها ما يُعرف بحركة سواعد مصر «حسم» و«لواء الثورة» وغيرهما من الأجنحة المسلحة، التابعة للقيادى الإخوانى محمد كمال- قُتل فى تبادل إطلاق نار مع الشرطة فى أكتوبر الماضى-، التى تمثل حتى الآن أداة استهداف مباشرة للركائز الأمنية والسياسية للدولة.
كان الخيط الأقوى ووميض الضوء الأبرز بعد شهور من المتابعة، ما تداولته بعض المنصات الإعلامية عن خضوع القيادى الإخوانى «ع. ع» للتحقيق بتهمة التورط فى تدشين شبكة لتبادل الزوجات، بدأ الأمر بمعلومات توفرت لشرطة «تقسيم» بإسطنبول، وبتتبعها للخيوط توصلت إلى تفاصيل بشأن الشبكة وأعضائها وأبرز المنخرطين فيها، لم تكن قضية تبادل الزوجات تعنينا، سواء كانت دقيقة أو مختلقة، ولكنها كانت إشارة إلى احتمال الإمساك بخيط مهم من خلالها يقودنا إلى مطبخ الإخوان.
تتبعنا القضية عبر ما يتوفر عنها إعلاميًا، ومن خلال مصادر صحفية وقانونية بإسطنبول، فوصلنا إلى أول الخيط، السيدة «ف. م»، لبنانية الجنسية وزوجة أحد الكوادر الإخوانية اللبنانية، تقطن فى بناية قريبة من مقر إقامة القيادى المتهم بتبادل الزوجات «ع. ع» فى إسطنبول، وبحسب المعلومات، التى تجمعت لدينا، ورد اسم السيدة فى تحقيقات الشرطة باعتبارها وزوجها المسؤولين عن الأمر، إذ أنكر «ع. ع» صلته بالقضية قائلا: إن الاتهام الموجه له كيدى ومختلق من خصومه من قيادات الإخوان، فى ضوء تأييده للمجلس الثورى فى خلافه مع المكتب الإدارى، وشعور أبرز قيادتين للجماعة فى تركيا بمساعٍ من أعضاء المجلس «م. ع» و»و. ش» للإطاحة بهما لصالح «ج. ح»، القيادى بالبرلمان الإخوانى وممثل مصرىى تركيا بالمجلس الثورى، وإن السيدة «ف. م» وزوجها يؤيدان خصومه، ورغم علمه بهذا كانت تجمعه بهما صداقة أسرية، فكان يزورهما هو وزوجته فى منزلهما القريب من منزله، وهناك قابل أشخاصا كثيرين يُرجح أنهم المقصودون بالاتهام.
اختراق مطبخ الإخوان
فى ضوء ما وصلنا من أقوال على لسان «ع. ع»، بحثنا عن السيدة «ف. م»، وعبر إعلامى عربى يعمل فى مؤسسة الإذاعة والتليفزيون التركية، وصلنا لها، فى البداية رفضت الحديث عن القضية أو علاقتها بالشخص المذكور، فعرضنا عليها ما أُتيح لنا من خيوط ومعلومات، وأكدنا أننا سننشر تفاصيل الأمر الكاملة بالأسماء وطبيعة الاتهامات، مستندين لرواية «ع. ع» باعتبارها الوحيدة المتوفرة لدينا، فتراجعت قليلا عن موقفها المتشدد، وقررت الحديث.
بدأت «ف. م» حديثها بنفى علاقتها بما يتردد عن قضية تبادل الزوجات، مؤكدة أن الأمر سياسى تحركه صراعات مشتعلة فى أروقة جماعة الإخوان بتركيا، فزوجها «أ. ا» عضو بالجماعة الإسلامية، الفرع اللبنانى لجماعة الإخوان، ومقرب من أمينها العام عزام الأيوبى، وفى ضوء العلاقات الوطيدة ودعم الجماعة الإسلامية لقيادات المكتب الإدارى للإخوان وأمين عام الجماعة، كانت تصله نسخة من كل المعلومات والخطط ومحاضر الاجتماعات وتسجيلات صوتية ومرئية لها، وتفاصيل تحركات الكوادر الإخوانية داخل تركيا وخارجها، والملاحظات والاتهامات المالية والإدارية الموثقة بحق بعضهم، عبر مجموعة بريدية إلكترونية دشنها «م. ح» وضم لها عددًا من رجاله وداعميه، كان زوجها الوحيد غير المصرى بينهم، لاطلاعهم بشكل تفصيلى دائم على مجريات الأمور، ولكن المتهم «ع. ع»، الذى كانت تربطهما به علاقة أسرية جيدة، علم بالأمر عبر أحد أعضاء المكتب الإدارى، و«نُقل له أن زوجى يحتفظ بوثائق تدينه ماليا وسياسيا، فزارنا فى أحد الأيام وأثار الأمر وكأنه يعاتبنا لأننا لم نحفظ حقوق الصداقة، تصاعد الحوار واتخذ منحى المشادة، فغادر المنزل غاضبا، وبعدها بأيام فوجئنا بقضية تبادل الزوجات وإقحام اسمينا فيها»، مستطردة: «لا أعلم شيئا عن حقيقة تورطه فى الأمر من عدمه، لكننى وزوجى لا علاقة لنا به».
البساطة التى تبدو عليها قضية تبادل الزوجات، وأقوال «ع. ع» بشأنها، وتفسير السيدة اللبنانية لها، كانت كلها تشى بأن وراء الأمر سببا أكبر، فسألنا السيدة «ف. م» عن طبيعة هذه المعلومات، التى يمكن أن تتسبب فى هذا الشقاق، وتدفع عضوا بالجماعة لتشويه زميله باتهامات أخلاقية مخجلة، حاولت الهروب بنفى علمها بتفاصيل الأمر وأنها لا تطلع على الأوراق ورسائل البريد الإلكترونى، التى ترد لزوجها، ولما أكدنا لها أننا نتتبع «ع. ع» فقط وما يحيط به من اتهامات، وأن فى الأمر كشفا له واستعادة لحقها، استجابت ولأن موقفها، ويبدو أن ضيقها من الرجل أو رغبتها الأنثوية المشتعلة للثأر لكرامتها، التى أهانها بإيراد اسمها فى قضية «تبادل زوجات»، تغلّبا على التزامها التنظيمى وحفاظها على سرية المعلومات المتوفرة لديها وزوجها، المهم أن السيدة بدأت تحكى وتستفيض وتجيب على ما نوجهه من أسئلة، كان الأمر يأخذ منها بعض الوقت أحيانًا للرجوع لورقة أو «إيميل»، ولكنها كانت تجيب بتفاصيل الأمور وأطراف الوقائع ومنطوقهم فى ضوء محاضر الاجتماعات ورسائل التوجيهات والتكليفات، بل أرسلت لنا بعض الوثائق والصور والرسائل المتبادلة بين عناصر الجماعة للتدليل على كلامها - طالبة الاكتفاء بمحتواها دون نشر صورها حفاظا على سرية الأسماء - وبعد أيام من الحوار والأسئلة والإجابات، اكتشفنا أننا أمام كنز ضخم من التفاصيل والمعلومات الدقيقة من داخل «مطبخ الإخوان».
سر خناقات SURiÇi
بدأنا حديثنا مع «ف. م» من محطة الدعوة لتظاهرات 11 نوفمبر الماضى، أو ما عُرف بـ11/ 11، سألناها عما يتوافر من معلومات حول فشل الإخوان فى الحشد لها، رغم أن الجماعة تبنت الدعوة ووقفت وراءها بقوة، فقالت إنه بحسب محضر اجتماع لقيادات المكتب الإدارى والمجلس الثورى، برئاسة أمين عام الجماعة، مؤرخ بالخميس 17 أغسطس 2017، وعُقد فى قاعة SURiÇi بفندق «أكغون إسطنبول»، فقد «أُثير موضوع تظاهرات الحادى عشر من تشرين الثانى» - بحسب تعبيرها - وخلال مناقشة الأمر وجه المجلس الثورى اتهاما للمكتب الإدارى للجماعة بالفشل والتقصير والتلاعب بالميزانية المخصصة لتنشيط الدعوة للتظاهرات.
بحسب ما يورده محضر الاجتماع وتسجيلاته من تفاصيل- استمعنا إلى جانب كبير منها - قالت «م. ع» إن فسادًا ماليًا شاب عملية توجيه المخصصات المالية لإنتاج الوسائط السمعية والبصرية الخاصة بالترويج للدعوة، والإنفاق على المطبوعات وجماعات الحشد على الأرض، وإن أكثر من 3 ملايين دولار خصصتها الجماعة، استجابة لطلب المكتب الإدارى فى ضوء ما قال: إنها مطالب للشُّعَب والمكاتب الإدارية داخل مصر، أُنفقت بشكل غامض ولم يؤت ثماره، ما يُرجح أن هناك فسادًا وتلاعبًا، ليرد «أ. ع» مدافعًا بأن المكتب طلب تخصيص 10 ملايين دولار للحشد على نطاق جغرافى ونوعى واسع، ولكن الأمين العام، الذى يتولى الإشراف المالى على أنشطة الجماعة لم يستجب بسبب الضغوط المالية، التى تشهدها الإخوان، ما كان سببًا فى وقت سابق لمطالبة فروع الجماعة فى قطر ودول عربية أخرى بتوفير 10 مليارات ريال - ما يوازى 2.7 مليار دولار تقريبا - كتمويل إضافى، خاصة أن الحكومة التركية قلصت دعمها للجماعة بنسبة تفوق 60٪، فأصبح الاعتماد الأكبر على الموارد الذاتية وما يوفره نائب المرشد إبراهيم منير ومجموعة عمل رجل الأعمال الراحل يوسف ندا عبر استثمارات الإخوان الدولية، ولكن حتى هذا المورد يواجه أزمة بسبب تصاعد نسبة المبالغ المخصصة للإنفاق على عناصر الجماعة فى السودان وقطر وبعض الدول الأوروبية، وإعالة أسر المسجونين ومن يقضون عقوبات داخل مصر. ردّ المكتب الإدارى لإخوان الخارج على اتهامات التقصير وتعليلها بالضغط المالى زاد الأمور حدّة، إذ لم يبد أنه كان مقنعا، فتدخل «ج. ح» عضو المجلس الثورى، قائلا إن الأمر يرتبط بسوء الإدارة لا وفرة الموارد، وإن كوادر الجماعة الوسيطة وشبابها لا حديث لهم إلا عن الفساد المالى، مستشهدا بما كتبه عضو الجماعة عز الدين دويدار عبر صفحته على فيس بوك، متهمًا أمين عام التنظيم ومجموعته بسرقة 20 مليار جنيه من صندوق الدعم المالى، وعدم رد الأمين أو أى من قيادات الأمانة العامة ومسؤولى المكتب الإدارى على الاتهامات، ما زكّاها فى نفوس الشباب، وزاد علامات الاستفهام.
خطط الإخوان فى 2017
وسط أجواء الحديث الممتد مع «ف. م» عن وثائق الاجتماعات وتسجيلاتها ورسائل التكليفات وخطط العمل - أجريناه عبر عدّة وسائل وتقنيات اتصالية - كانت تركز على عرض الملاحظات والاتهامات المالية والسياسية، التى تُثار بشأن «ع. ع»، بطل قضية تبادل الزوجات، كانت الاتهامات بالفعل كثيفة ومتتابعة من اجتماع لاجتماع ومن رسالة لرسالة، وبدا الموثق والمنطقى فيها أكثر من الكيدى والملفق، ولكن كان الأهم فى الأمر السياقات، التى ترد هذه الاتهامات فى إطارها، فبينما تحكى «ف. م» وقائع إدانة «ع. ع» من وجهة نظرها، كنا نستمع تفصيليا، ونحصل على وثائق وتسجيلات - رأينا أن نلتزم أدبيا بوعد عدم نشرها تجنبًا للإفصاح عن الأسماء - حول تحركات الإخوان فى الولايات المتحدة وأوروبا، ورجالهم فى الكونجرس ومجلس العلاقات المصرية الأمريكية، وفى نيويورك وواشنطن وبوسطن ولندن وجنيف وبرن وزيوريخ ومونتريال وتورنتو وبرلين ودبلن، وزياراتهم لسفارات 80 دولة فى أنقرة، ومراسلتهم لـ50 من رؤساء الدول ورؤساء الحكومات ووزراء الخارجية بالاتحاد الأوروبى والأمريكتين، ولقاءاتهم ببرلمانات أمريكا وبريطانيا وفرنسا وبلجيكا والدنمارك، ولقاءات وفودهم بـ132 بعثة دبلوماسية دائمة بالأمم المتحدة، وبأعضاء مجلس الأمن، باستثناء مصر بالطبع، وتحضيراتهم لدعوات تظاهر واعتصام وحملات للمعلمين والدعم وما أسموه بـ«الإخفاء والقتل»، وهو ما سنعرضه تفصيليا فى حلقاتنا الثلاث المقبلة.
لو عدنا إلى حكاية خناقة اجتماع SURiÇi التى حكت السيدة «ف. م» تفاصيلها التى شغلت حيزا عريضا ضمن أكثر من 300 دقيقة، زمن الاجتماع، فقد أثار اتهام «ج. ح» للمكتب الإدارى وأمين عام الجماعة بسرقة 20 مليار جنيه من أموال صندوق الدعم على ما يبدو حفيظة «أ. ع»، الذى قلب كومة الأوراق الموضوعة أمامه، وأخرج ملفا أحمر اللون، كان يبدو مكتنزا بالأوراق، وبينما كان يبادر بفتح ملفه لإقامة الحجة على الخصوم والرد على اتهامات الفساد وتبديد الميزانية، كان يردد: «الإخوة اللى بيقولوا فيه فساد وسرقات، ده ملف 11/ 11 الكامل من وقت اجتماع المكتب الإدارى يوم الخميس 21 يوليو 2016، قبل الدعوة بأربعة أشهر تقريبا، 3 ملايين دولار إيه اللى بتقولوا اتسرقوا وما اتصرفوش، إحنا اشتغلنا من 15 سبتمبر لـ15 نوفمبر، شهرين شغل فى كل مكاتب وشُعَب ووحدات مصر بـ3 ملايين دولار بس، وإللى مش مصدق الكلام، آدى الأرقام».