ورغم أهمية وقيمة ذلك اللقب عالميا، ورغم الصورة الذهنية السلبية لدى أغلب الطبقات الاجتماعية فى مصر عن تلك المسابقات، إلا أنها تبقى فى النهاية مرتبطة باسم مصر، وتبقى الفائزة بها منتخبة من المصريين لتمثيلهم فى تلك الفاعليات، وهنا تظهر الأزمة، عندما تكتشف أن تلك المسابقات وكل من على شاكلتها من مسابقات، لا يوجد لها "بطاقة شخصية" محددة تستطيع من خلالها أن تحدد هويتها أو هوية القائمين عليها، فلا اسم معلن لجهة منظمة، ولا مقر يحمل عنوان، ولا حتى موقع رسمى على الانترنت، اللهم إلا صفحة صغيرة على موقع "فيسبوك" و"بريد الكترونى"، ومجموعة منشورات يخاطب بها المنظمون المشاركون وجمهور المتابعين، والأغرب أن الصفحة ليست خاصة فقط بمسابقة ملكة جمال مصر، بل تدير أيضا مسابقات "مستر ايجيبت"، و"ملكة جمال إيكو"، وغيرهم من المسابقات التى تثير نفس علامات الاستفهام.
ما هى الأوراق أو اللوائح أو القوانين التى تحكم المسابقة؟
المسابقة التى تنعقد جولاتها حاليا لاختيار ملكة جمال مصر 2017، والتى ينشغل بها الكثيرون كل عام وتتابعها كافة وسائل الإعلام، وتخصص لها المواقع والجرائد والقنوات مساحات واسعة من التغطية والمتابعة، ويترقبها آخرون معتبرينها مهمة وطنية لرفع اسم مصر فى سماء الجمال، هى فى الحقيقة مسابقة بلا لوائح رسمية أو قانون يشرف على إجراءاتها، وأغلب من شاركن فيها صدمن بأن المسابقة ليست كما تخيلن "مهمة فى حب مصر"، فهى برمتها لا تشرف عليها أى جهة مصرية، ولا تراقبها أو تنظمها أي قوانين أو لوائح مصرية، بل أن المسابقة - بكل تفاصيلها - تقع تحت قيادة وإدارة سيدة واحدة استطاعت – كما تقول - أن تحصل على رخصة من منظمة "ميس وورلد" العالمية لتنظيم نسخة المسابقة فى مصر.
كتاب وخبراء: المسابقة "بيزنس" ملىء بالتجاوزات ولا تمثل مصر
تؤكد الكاتبة الصحفية سحر الجعارة أنها لا ترى أى تمثيلا لمصر فى تلك المسابقة، وأنه من الخطأ أن تتم تلك المسابقات أمام أعين الجميع وكأنها معتمدة وموثقة وأن يتم منح الفائزين بها ألقاب تحمل اسم مصر، رغم أن هذه المسابقات ليست مراقبة أو معتمدة من أى جهة مصرية، مشيرة إلى عدم ثقتها فى اختيارات الشروط والقواعد وفى الأسماء التى يتم ضمها إلى لجان التحكيم والأسس التى يتم بناءا عليها استبعاد مرشحة أو اختيار أخرى، وأنها ترى الأمر بأكلمه بيزنس ملىء بالتجاوزات.
فيما أيدت ذلك الدكتورة غادة جمعة خبيرة البروتوكول والإيتيكيت الانتقادات التى توجه إلى اختيارات لجان مسابقات ملكات الجمال فى مصر، موضحة أن مايتم لايمت لقواعد وضوابط الجمال بأى صلة، وأن النماذج التى تراها لاتصلح لتمثيل مصر او حمل لقب "ملكة جمال مصر"، متعجبة من أنها لا تعرف من هم القائمين على تلك المسابقات أو لماذا هم بالتحديد ينظمونها.
قانون "اليانصيب" يحكم مسابقات عصر الانترنت
ورغم تزايد الجدل سنويا حول المسابقة خاصة مع تكرار حالات شكوى بعض الفتيات المشاركات مما يسمونه تجاوزات ومخالفات فى المسابقة، إلا أن التساؤلات حول مراقبة عمل هذه النوعية من المسابقات تساؤلا قانونيا مهما حول المسابقة التى لا تخضع –حسب تأكيدات منظميها - لأى جهة مصرية، ولا يشرف عليها قانون أو جهة رسمية تعتنى بالتنظيم أو الرقابة أو المشاركة.
ويعزز من التساؤلات حول المسابقة وغيرها من المسابقات أن هناك غياب تشريعى محدد ينظم تلك المسابقات، بسبب استمرار الاعتماد على قانون يسمى "اليانصيب" رقم 93 لسنة 1973، وهو الذى كان يدير عملية المسابقات فى الماضى، لكنه لا يتضمن تحديثات تلك الأشكال من المسابقات، وتقف حدوده عند مسابقة "اليانصيب" التى كانت تعتمد على شراء أوراق بأرقام محددة ثم يتم الإعلان عن الرقم الفائز بالجائزة فيما بعد، وتوقفت منذ سنوات وكانت تتم تحت إشراف وزارة التضامن.
أزمة الفراغ تشريعى فى الرقابة على المسابقات
ويكشف الدكتور خالد سلطان مدير إدارة الجمعيات الأهلية السابق بوزارة التضامن أنه كان من المفترض تعديل قانون اليانصيب ليشمل متابعة ورقابة كافة المسابقات التى تقدم وتعلن للجمهور وفى وسائل الإعلام لتكون تحت رقابة وإشراف وزارة التضامن، إلا أن قيام ثورة يناير أوقف ذلك التعديل الذى كانت تناقشه لجان برلمان 2010 وتم الاتفاق بالفعل على صيغته النهائية التى تقدم بها للبرلمان وقتها قبل أن يتم حله بعد الثورة.
ويتابع سلطان أن القانون الجديد يلزم أى جهة تقوم على تنظيم مسابقة أيا كان نوعها بأن تخضع لضوابط وزارة التضامن وأن تحصل على ترخيص لذلك، وأن يكون أحد مندوبى الوزارة ضمن لجان المسابقة للتأكد من عدم غش المواطنين أو المشاركين، مشيرا إلى أن ما يتم ذكره حاليا فى بعض المسابقات بأنها تخضع لإشراف وزارة التضامن ليس إلا اتفاقا خارج إطار القانون استطاع أن أثناء وجوده بالمنصب أن يقنع به شركات المسابقات لتكون الوزارة طرفا فى المسابقة ومنحها مزيدا من المصداقية لدى الجمهور، معتبرا ذلك حلا انتظارا لتعديل قانون "اليانصيب".
صاحبة رخصة التنظيم ترد على كافة التساؤلات
ومن جهتها ردت أمال رزق منظمة مسابقة ملكة جمال مصر بأن تلك المسابقة ملكية فكرية لمنظمة "ميس وورلد" العالمية وهى صاحبة الحق فى منح التصريح بإقامتها فى أى دولة، مشيرة إلى أن الترخيص لا يحصل عليه أى شخص وإنما حصلت عليه هى ثقة من المنظمة الأم بحكم عملها السابق فى الأمم المتحدة الذى جعل القائمين على المنظمة يثقون فيها وفى قدرتها على إقامة المسابقة بحرفية ومصداقية.
وردا على سؤال حول الطريقة التى يمكن أن يشتكى بها أحد المشاركين إذا تعرض للظلم أو رأى مخالفات، قالت رزق بأنه لا يوجد طريقة لذلك وأن المنظمة العالمية لا تستمع إلا إليها كصاحبة الرخصة، وأنها لا تستمع لشكاوى الأفراد المشاركين، متابعة: "احنا شغالين وفق ضوابط وقواعد المنظمة العالمية ومفيش فى مصر مايجبرنا إننا نطلب رقابة أحد، والمنظمة تثق فيا، ومحدش يقدر يغلطنا".
وعن اتهامات المتسابقة أية أشرف التى قالت فى تصريحات صحفية أنها انسحبت بعد إحساسها بوجود ظلم وعدم التزام بالمعايير والمعاملة السيئة وغير الأخلاقية للفتيات، قالت أمال رزق إنها اعتادت على تلك الأمور، وأنه من الطبيعى أن يكون هناك مخالفات من المشتركات فى المسابقة وأن من سيتم استبعادها ستسعى لتشويه المسابقة وهو أمر منطقى، نافية كل الاتهامات السابقة.
وحول الرخصة وطبيعتها وشروطها قالت إنها تخضع لشروط وقواعد لمنحها، رافضة نشر تلك الرخصة صحفيا لأنها تحمل معلومات ليست للنشر تخص المسابقة، وأن وضع المسابقة قانونى لأنه لا يوجد ما يجرم أو يمنع إقامة المسابقات فى مصر، مؤكدة أنه لم يتم سؤالها من وزارة التضامن أو غيرها من الجهات عن أى شىء يخص المسابقة، وأنها هى فقط كمنظمة للمسابقة صاحبة القرار فى كافة أمور التنظيم والمشاركة واختيار لجان التحكيم.
وحول مستقبل تلك المسابقات طالب الدكتور خالد سلطان مدير إدارة الجمعيات الأهلية السابق بوزارة التضامن بأن يتم إعادة مشروع القانون الجديد لمساره وأن يتم مناقشته وإقراره فى البرلمان الحالى حتى يتم حماية المواطنين من أى عمليات استغلال، وأن يكون هناك طرف رقيبا من وزارة التضامن يضمن الحياد والالتزام، ويضمن أيضا للدولة حقها فى تلك المسابقات التى تحقق مكاسب مادية ضخمة.
وكيل لجنة التضامن: قانون المسابقات فى رقبتى وسأقدمه قريبا
وردا على حالة الجدل والفراغ التشريعى والرقابى على كافة المسابقات التى تتعامل مع الموطنين، قال محمد أبو حامد وكيل لجنة التضامن بمجلس النواب أنه يعمل بشكل شخصى على قراءة مشروع القانون الذى كان قد تم مناقشته فى برلمان 2010 قبل حله، وأنه أضاف عليه بعض التعديلات وغير فى فلسفته، إيمانا منه بضرورة أن يكون هناك حماية للمواطنين من الاستغلال والنصب تحت اى مسمى من خلال تلك المسابقات وأنه يدرك حجم التجاوزات التى تتم ويقع المواطن فريسة لها متابعا: "القانون ده فى رقبتى وأنا هتقدم به بداية دور الانعقاد الثالث".
وأكد أبو حامد أن مشروع القانون يضع ضوابط وشروط واضحة ومحددة لإجراء المسابقات ويشترط موافقة وتصريح وزارة التضامن ووجود أحد ممثليها فى لجان التحكيم والاختيار لضمان عدم التلاعب، مشيرا إلى أن ذلك القانون يأتى ضمن مجموعة تشريعات يعمل عليها وتحمل جميعا شعار "حماية المستهكلين فى مصر".