اللحوم والدواجن بأنواعها المختلفة من أهم المأكولات التى تحرص الأسر المصرية على أن تكون طبقها الرئيسى فى وجبة الغداء، ولكن هذا الوضع لم يعد قائما منذ فترة تقترب من العام تقريبًا بسبب غلاء الأسعار، الذى أرجعه المربون بصفة أساسية إلى ارتفاع سعر الأعلاف المستوردة، خاصة الذرة الصفراء، فهل تسهم إجراءات وزارة الزراعة فى تطبيق نظام الزراعة التعاقدية لهذا المحصول الحيوى فى اتساع رقعته الزراعية، وزيادة إنتاجيته لتعود اللحوم والدواجن إلى موائد المصريين بأسعار أقل؟.
وكانت وزارة الزراعة قد أعلنت تطبيق نظام الزراعة التعاقدية لمحصول الذرة الصفراء المستخدم بصفة أساسية كعلف للدواجن والماشية، والذى يهدف لزيادة المساحة المزروعة والكميات المنتجة محليا، وهو ما يؤدى لتخفيض أسعار الأعلاف وتقليل الكميات المستوردة من الخارج، وبالتالى زيادة المعروض من العلف الحيوانى بأسعار مناسبة، تنعكس بالأساس على تراجع واستقرار أسعار اللحوم والدواجن.
ويعد هذا أول تطبيق لنظام الزراعة التعاقدية فى الوقت الراهن، والتى تتمثل فى إنتاج سلع زراعية بموجب اتفاقات أو عقود مستقبلية النفاذ، وعادة ما تكون مصحوبة بأسعار متفق عليها مسبقا، ويلتزم المزارع بإنتاج وتسليم منتج زراعى معين بكميات ومستويات جودة متفق عليها فى خلال فترة زمنية محددة، وقد تشمل بعض العقود التزام المشترى سواء كان مصدرا أو مصنعا أو تاجرا بتقديم بعض الخدمات الإرشادية المتخصصة أو الخدمات التمويلية، وذلك فى حدود ما هو متفق عليها ومدونة بالعقد، بحسب تعريف الدكتور محمد حمدى سالم أستاذ الاقتصاد الزراعى بكلية الزراعة جامعة عين شمس، ويأتى دور الحكومة وسيطا فى تسويق المحصول.
ويختلف هذا النظام عما كان متبعا فى السابق، حيث كان يتولى الفلاح تسويق محصوله بنفسه، ويذهب الجانب الأكبر من الربح إلى المسوقين، ويحصل المزارع على هامش ربح محدود بالكاد يغطى تكلفة زراعته فى ظل الارتفاع الكبير فى تكاليف الزراعة بعد تعويم الجنيه.
وبحسب بيان سابق لـ"الزراعة"، فالوزارة تستهدف تحقيق نسبة اكتفاء ذاتى من الذرة الصفراء قدرها 77%، فى حين تكشف أحدث بيانات الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء، أن نسبة الاكتفاء الذاتى من الذرة الشامية بنوعيها (صفراء وبيضاء) بلغت حوالى 56.2% فقط عام 2015، وهو ما يعنى أننا نستورد ما يقرب من نصف احتياجاتنا من الذرة التى تمثل العلف الرئيسى لتغذية الثروة الحيوانية.
وتكشف بيانات البنك المركزى، أن واردات مصر من الذرة تمثل ثانى أكبر الواردات الخارجية من الحبوب بعد القمح، حيث أنفقت مصر 1.334 مليار دولار لاستيراد الذرة من الخارج فى السنة المالية 2015/2016، وهو ما يفسر الارتفاع الكبير فى أسعار الثروة الحيوانية من دواجن ولحوم نتيجة انخفاض قيمة الجنيه أمام الدولار من جهة، وارتفاع الأسعار العالمية للذرة الصفراء من جهة أخرى، والتى تقدر قيمتها طبًقا لأسعار شهر سبتمبر الجارى بحوالى 134 دولار للطن، أى ما يعادل 2371 جنيها تقريبا – بحساب سعر الدولار عند 17.7 جنيها.
وطبقا للنظام الجديد الذى بدأت وزارة الزراعة تطبيقه، فتستهدف الوزارة توسيع الرقعة الزراعية من الذرة الصفراء بنهاية العام الحالى إلى حوالى 1.250 مليون فدان، فى حين تصل الرقعة المزروعة حاليا لمساحة 900 ألف فدان طبقا لتصريحات وزير الزراعة قبل أيام.
هل من الممكن أن يسهم هذا التحول فى زراعة الذرة الصفراء فى تخفيض سعر اللحوم؟
محمد شرف نائب رئيس شعبة الجزارة بغرفة القاهرة التجارية، قال لـ"اليوم السابع" إن هذه الخطوة من شأنها إحداث طفرة فى زيادة المعروض من الذرة الصفراء المنتجة محليًا وتقليل الاعتماد على واردات الأعلاف من الذرة التى تستورد بالعملة الصعبة مرتفعة الثمن، مؤكدًا أن زيادة هذا المعروض بالتزامن مع تنفيذ مشروع البتلو من شأنه أن يسهم كثيرًا فى تخفيض أسعار اللحوم الحمراء، أو على الأقل تثبيت السعر لعدة أشهر وهو ما يراه ضرورة لاستقرار السوق.
وتخطت أسعار اللحوم الحمراء البلدية 150 جنيها للكيلو، وهو ما يعد سعرا مرتفعا على كثير من الأسر.
ويراهن نائب رئيس شعبة الجزارة انخفاض أسعار اللحوم، بقدرة وزارة الزراعة على إنجاح تجربة الزراعة التعاقدية لحصول الذرة الصفراء وزيادة المعروض من العلاف المنتجة محليًا لتوفير الدولار وتقليل تكلفة تربية المواشى.
ومن جانبه، قال حامد عبد الدايم المتحدث الرسمى لوزارة الزراعة لـ"اليوم السابع"، أن مساحة الأراضى المنزرعة بالذرة الصفراء فى مصر تضاعفت حاليًا لتصل إلى أكثر من 700 ألف فدان، ومن المتوقع أن ترتفع إلى أكثر من 1.250 مليون فدان بنهاية العام الحالى، مشددًا على اهتمام وزارة بتوفير الأعلاف بأسعار مناسبة للمربين باعتبارها عنصرا هاما فى تربية الثروة الحيوانية والداجنة.
وتظهر بيانات الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء تطور المساحات المزروعة من الذرة الشامية بنوعيها "صفراء وبيضاء"، والتى انخفضت من 1.791 مليون فدان عام 2005 إلى حوالى 1.741 مليون فدان عام 2015، بنسبة تراجع قدرها 2.8%، ورغم أن انخفاض المساحات المنزرعة لم يكن بنسبة كبير خلال فترة العشرة أعوام، إلا أن الزيادة السكانية المتسارعة تحتاج نموا متوكبا سواء للمساحات المنزرعة ـو كميات الإنتاج للوفاء باحتياجات السوق من الأعلاف الحيوانية.
وفى المقابل تشير البيانات الرسمية الصادرة عن جهاز الإحصاء أيضا إلى تراجع كميات الذرة الشامية بنوعيها "الصفراء والبيضاء" المنتجة محليا لتصل إلى 5.5 مليون طن عام 2015، مقابل 6.4 مليون طن تقريبا عام 2005، فى الوقت الذى استوردت فيه مصر 6.282 مليون طن فى 2015 لتغطية العجز فى الإنتاج المحلى.
ولا يقتصر اهتمام وزارة الزراعة على توفير الأعلاف المحلية بزيادة إنتاج الذرة الصفراء فقط، بحسب عبد الدايم، حيث توسعت فى زراعة القطن على مساحات واسعة والذى يستخدم "الكسب" الناتج عنه كعلف حيوانى، بالإضافة إلى قش الأرز، مشيرًا إلى وجود خطة متكاملة لزيادة إنتاج المحاصيل المستخدمة كأعلاف حيوانية لتقليل الفجوة بين الإنتاج المحلى والاستيراد من الخارج قدر الإمكان.
وفى ظل بدء وزارة الزراعة فى مشروع البتلو بالتوازى مع خطة زيادة إنتاج الأعلاف المحلية، يتوقع عبد الدايم أن تبدأ أسعار اللحوم خلال فترة تتراوح بين 10 أشهر وعام فى الانخفاض بعد زيادة المعروض من اللحوم البلدية المنتجة بتكلفة أقل، وهى ما يؤدى لطريق انخفاض الأسعار بالسوق.
وأشار الدكتور محمد صلاح الجندى أستاذ الاقتصاد الزراعى بجامعة المنصورة، إلى أن زيادة إنتاج الأعلاف سيزيد المعروض ويخفض الأسعار، وهو ما سينعكس على أسعار اللحوم والدواجن، ولكن هذا يتطلب وجود رقابة جادة وحازمة على الأسعار بالأسواق حتى لا يتحكم التجار فى الأسعار من خلال "التربيطات" والاتفاقات الاحتكارية، ويشعر المستهلك بالنتائج الإيجابية لإجراءات وزارة الزراعة، وهو ما يراه الخبير الزراعى اتجاهان متوازيان من شأنها تحقيق الاستقرار بالسوق إذا ما تم التنفيذ بصورة جيدة.