ترقب وقلق وأمل، هذه هى المشاعر التى تسيطر على أغلب المتابعين والمهتمين بالانتخابات البرلمانية الحالية، فرغم إيمان الكثيرين بوعى الشعب المصرى وقدرته على إثبات وجوده فى أوقات الأزمة، ورغم أن المصريين لم يخذلوا وطنهم فى أى معركة خاضها ضد محتل، أو خائن، أو متآمر، إلا أن هناك تخوفات كبيرة من أن يركن المواطنون إلى الإنجازات التى تحققت منذ ثورة 30 يونيو، والاكتفاء بنجاح وتحقيق أغلب بنود خارطة الطريق، التى رسمها الشعب بإرادته بعد عزل جماعة الإخوان، مما قد يضعف نسب المشاركة فى الانتخابات البرلمانية، بالمقارنة بالاستحقاقين الماضيين، الاستفتاء على دستور 2014، الذى شارك فيه 20.6 مليون مصرى بنسبة 38.6%، ثم انتخابات الرئاسة التى نجح فيها الرئيس عبد الفتاح السيسى بعد مشاركة 25.5 مليون ناخب بنسبة التصويت 47.4%.
أشارت تقارير بحثية إلى أن عدد المقاعد التى سيحصل عليها المرشحون المتشددون والمنتمون لجامعة الإخوان تتناسب عكسيًا مع نسبة مشاركة المصريين، ففى حال انخفاض نسبة المشاركة إلى 15% سيكون هناك فرصة لهذه التيارات أن تحصد ما يقارب 150 مقعدًا بالبرلمان المقبل، وهو رقم مخيف إذا ما حدث ذلك، لأنهم سيشكلون من خلال تلك المقاعد أكثرية تتمكن من إعاقة أى قانون يسعى المجلس أو باقى الكتل السياسية المفتتة إلى تمريره، وسيصبح لدى كتلة نواب التيارات الإسلامية قدرة على تمرير القوانين التى يريدونها وتعطيل غيرها.
وأشارت التقارير أن مشاركة 25% ممن لهم حق التصويت سيمكن تلك التيارات من حصد 100 كرسى على الأقل، نظرًا لأن هذه التيارات متحكمة بشكل قوى فى كتلتها التصويتية عن طريق مبدأ السمع والطاعة والمشاركة بالأمر، وسيصبح أيضًا لدى نوابهم فرصة لتشكيل كتلة مانعة تحت قبة البرلمان إذا ما فشلت باقى التيارات فى تشكيل تحالف قوى يفوق قوة نواب التيار الإسلامى.
أما إذا وصلت نسبة مشاركة المصريين إلى 50% لن يتمكن مرشحو التيارات الإسلامية من حصد أكثر من 40 مقعدًا، طبقًا لدراسات وحسابات بحثية، معتمدة على نسب تصويت الإسلاميين فى الانتخابات الماضية.
وأشارات التقارير إلى أن 60% مشاركة كافية لأن تكشف الحجم الحقيقى لتلك التيارات، وتضع تأثيرهم على قواعدهم فى حجمه، وتوضح الفرق الحقيقى بين أعداد هذه التيارات فى الشارع، بالمقارنة بباقى طوائف الشعب التى تعبر عن هوية مصر الحقيقية.
عدد من النتائج اتفق حولها الخبراء والمحللون، إذا ما تحققت مخاوف ضعف الإقبال على المشاركة، أو تهاون المصريون فى التعبير عن إرادتهم فى آخر خطوة من خطوات خارطة طريق 30 يونيو.
سيطرة مرشحى التيار الإسلامى والفكر المتشدد على قواعدهم الانتخابية وتأكدهم من مشاركتهم بقوة من أجل دعم المنتمين لهم، يجعل ضعف مشاركة باقى التيارات التى يمثلها القطاع الأكبر من الشعب المصرى يصب مباشرة فى صالح المرشحين الإسلاميين سواء المنتمين لحزب النور السلفى أو الإخوان المستترين، ويصبح الحل الوحيد لمواجهة تلك التيارات وقواعدها الانتخابية هى مشاركة الشعب بقوة والحرص على تأكيد وفرض إرادتهم وهويتهم، التى ستصبح فى خطر إذا ما سيطر الإسلاميون على البرلمان المقبل.
النتيجة الثانية المترتبة على ضعف المشاركة هو سيطرة القبائل والعائلات فى المحافظات الحدودية والصعيد على نتيجة الانتخابات، فنتائج انتخابات ما قبل ثورة يناير أثبتت كلها أن هذه القبائل تشارك بكثافة لدعم مرشح العائلة، وبالتالى تضعف فى هذه الحالة فرصة فوز المرشحين الغير منتمين لعائلات كبيرة حتى وأن كانوا الأصلح لقيادة برلمان له دور رقابى وتشريعى هام، يمتلك صلاحيات كبيرة فى اختيار الحكومة ومراقبة آدائها، ليغيب عن التكشيل النهائى كل الكفاءات والخبرات فى مقابل ضعاف المهارات.
النتيجة الثالثة التى ستترتب على غياب الناخبين المدركين لأهمية أصواتهم، ولضرورة اختيار النائب الأفضل، تصب فى صالح المرشحين الضعفاء الذين يراهنون على ضعف المشاركة وترك الساحة لهم لشراء أصوات الفقراء وأصحاب الحاجات الغير مدركين لخطورة بيع أصواته لمرشح سيتحكم فى مصيره ومستقبل الوطن لو وصل للبرلمان المقبل، أما المشاركة القوية فستفوت الفرصة على شراء الأصوات وستجعل تأثير ذلك ضعيف بالمقارنة بالكتل التصويتية النزيهة الكبيرة، التى شاهدها العالم كله فى استفتاء وانتخابات 2014.
أما النتيجة الرابعة والأخطر لكل ذلك، هو أن المصريين سيجدون أنفسهم أمام برلمان يسيطر عليه نواب لا يمثلون حقيقة وهوية الشعب المصرى، فسيكون أغلب نوابه من المنتمين للتيارات الإسلامية، والنواب الذين نجحوا بعد شراء الأصوات، ونواب نجحوا اعتمادًا على أصوات القبيلة والعائلة وليس الإمكانيات والمؤهلات المطلوبة لنائب البرلمان.
وفى نفس السياق يحذر الدكتور يسرى العزباوى، مدير وحدة الانتخابات بمركز الأهرام للدراسات السياسية، من خطر ضعف المشاركة فى الانتخابات، مؤكدًا أن أخطر نتائج هذا سيكون إنتاج برلمان ضعيف مشوه لا يمثل المصريين، ويعيق آداء الرئيس، وغير قادر على استغلال صلاحياته الدستورية بطريقة تفيد الوطن والمواطن.
أحد أخطر النتائج السلبية التى ستترتب على ضعف المشاركة، هو إعطاء فرصة من ذهب لأعداء مصر، والمتآمرين ضدها، لتشويه صورتها، وإخراج المشهد على أنه سقوط، أو تراجع لشرعية ثورة 30 يونيو.
ويؤكد لعى ذلك الدكتور عمرو هاشم ربيع، نائب رئيس مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية، الذى قال لـ"برلمانى"، إن ضعف المشاركة سيكون كارثة وإساءة لسمعة مصر أمام العالم، ويعطى لجماعة الإخوان فرصة لترديد شعارات سقوط شرعية ثورة 30 يونيو.