بالرغم من أن مناطق ومهام عمل الجيش الإيرانى تختلف تماما عن مثيلتها فى مؤسسة الحرس الثورى برا وبحرا وجوا، إلا إن الواضح أن هناك نارا تحت الرماد تشتعل بعنف وقوة وضراوة داخل الدوائر العليا لصناعة قرار الحرب فى الجمهورية الإسلامية، وهو ما تجسد حرفيا من خلال القرار العاصف الذى أصدره المرشد الإيرانى قبل ساعات بإقالة 3 من كبار قادة الجيش وتعيين قادة موالين للحرس الثورى.
تفاصيل القرار
أصدر المرشد الإيرانى على خامنئى عددا من القرارات المفاجئة والمنفصلة عين بموجبها العميد محمد حسين دادرس، نائبا للقائد العام للجيش الإيرانى، خلفا للعميد أحمد رضا بوردستان، والأدميرال حسين خانزادى قائدا للبحرية الإيرانية خلفا للأدميرال حبيب الله سيارى الذى ولاه منصب مساعد منسق فى الجيش الإيرانى.
وقالت وسائل إعلام إيرانية مقربة من الحرس الثورى الإيرانى إن قرار تعيين العميد محمد حسين دادرس نائبا للقائد العام للجيش الإيرانى جاء من المرشد نظرا لتجربته وخبرته الميدانية، إذ شغل فى وقت مضى منصب رئيس الأركان المشتركة لجيش الجمهورية الإسلامية الإيرانية.
حول القرار
فى صباح الخميس الماضى الموافق 2 نوفمبر، التقى المرشد الأعلى عددا من الطلاب الجامعيين فى ذكرى اقتحام من يشار إليهم فى التاريخ المعاصر بـ"الطلاب السائرون على نهج الإمام"، السفارة الأمريكية بطهران يوم 4 نوفمبر عام 1979، واحتجاز الرهائن الأمريكيين فى الحادث الشهير الذى استمر مدة 444 يوما وانتهى يوم 20 يناير 1981م.
خامنئى تحدث مع الطلاب حول العلاقات الإيرانية ـ الأمريكية فى مرحلة ما بعد قرار ترامب عدم التصديق على الاتفاق النووى وقال بالحرف الواحد وفقا لما ورد فى موقعه الرسمى على الإنترنت: "التنازل للأمريكيين يزيدهم وقاحة؛ والسبيل الوحيد هو الصمود والمواجهة".
هذه الكلمات وإن كانت اعتيادية من الرجل دائم الهجوم على الأمريكان إلا إنها حملت فى طياتها إشارات إلى تغيير ما سيحدث، وهو ما تم بالفعل فى منتصف نهار الخامس من نوفمبر.
يمكن ملاحظة أن المرشد الأعلى غير راضى عن سلوك الجيش الإيرانى من خلال نص قرارات التعيين التى طالب فيها بـ"ضرورة الاستفادة من جميع الإمكانيات والطاقات عبر الاهتمام الكبير والتعامل البناء". و"ضرورة فعالية هيئة الأركان فى تلبية المستلزمات والأولويات وتعزيز التنسيق والتعاون على مستوى الجيش".
معنى ذلك ليس أن القادة السابقين لم يكونوا يضطلعون بهذه الأساسيات، لكن الرجل يريد أن يصبغ المؤسسة العسكرية التى يمتد عمرها إلى آلاف السنوات بصبغة وطريقة عمل المؤسسة الحديثة التى نشأت فقط فى العام 1979، وهنا نتحدث عن الحرس الثورى.
ببساطة وبعبارات أوضح يريد خامنئى تعيين شخصيات عسكرية موالية ولها علاقة وطيدة بالحرس الثورى، حتى يحول الجيش إلى نسخة من الحرس الثورى، ويلاحظ ذلك من قوله "التنسيق والتعاون على مستوى الجيش".
ليس هذا فحسب بل إن الراجح فى هذا القرار أنه جاء بناء على توصية من القائد الجديد للجيش عبد الرحيم موسوى الذى عينه خامنئى فى المنصب المهم فى أغسطس الماضى خلفا لعطا الله صالحى، لأنه أقرب إلى الحرس الثورى الإيرانى من الأخير.
وعلى هذا يريد موسوى (القائد العام الجديد) ضبط إيقاع عمل الجيش الإيرانى بطرق ووسائل تضمن المزيد من التقارب السياسى والمواءمة العسكرية مع الحرس الثورى فى الفترات المقبلة، وهو ما يريده خامنئى تحديدا من هذا القرار.
خبير: هذه التغييرات والتعديلات الجديدة تتماشى مع التحول الأخير
من جانبه رأى الخبير فى الشؤون الإيرانية، ميثم بهروش، أن هذه التغييرات والتعديلات الجديدة تتماشى مع التحول الأخير فى موقف الجيش الإيرانى من الدفاع إلى الهجوم، مذكرا بإطلاق الصواريخ على دير الزور السورية فى يونيو الماضى وانخراط إيران فى عدد من ميادين القتال فى سوريا والعراق واليمن.
وأضاف فى حديثه مع "برلمانى" من مقر إقامته بالمملكة السويدية، أن هذا يعكس الحقائق الناشئة فى الشرق الأوسط بما فى ذلك التهديدات الإرهابية التى تواجهها إيران وكذلك الجماعات المسلحة التى تحيط حدود إيران وتصاعد التوترات مع هزيمة داعش فى سوريا والعراق.
ونوه الباحث إلى أن هذا التغيير يأتى ردا من خامنئى على السياسات المتشددة المتزايدة لإدارة ترامب ضد إيران بشكل عام والحرس الثورى الإيرانى على وجه الخصوص فى الأيام الماضية، وهو بذلك يريد أن يعمل الجيش بطريقة عمل الحرس الثورى ذاتها ما يعنى أنه يعزز من هيمنة الحرس الثورى على القوات النظامية.
وأشار فى ختام حديثه مع "برلمانى" إلى ضرورة التفريق بين عمل البحرية فى الجيش الإيرانى وعمل البحرية فى قوات الحرس الثورى الإيرانى، موضحا أن الأولى أكثر مسؤولية عن مكافحة القرصنة والعمليات التقليدية منخفضة المخاطر، وتتمثل مهمتها فى مراقبة خليج عمان وخليج عدن، أما الحرس الثورى فيتولى مهمة حماية الحدود الإيرانية فى الخليج ومراقبة التحركات العسكرية فى مضيق هرمز.