بحسب النائب العام، المستشار نبيل صادق، فى بيانه حول حادث تفجير مسجد الروضة بمنطقة بئر العبد غرب العريش، والذى وقع وقت صلاة الجمعة الماضية وخلف 305 شهداء و128 مصابا، فإن مرتكبى تلك الجريمة الإرهابية «عددهم يتراوح ما بين 25 إلى 30 إرهابيا» كانوا يرفعون علم تنظيم الدولة الإسلامية «داعش»، حين هاجموا المصلين داخل المسجد وخارجه وأعملوا فيهم آلة القتل، كما أن أحدهم كان يحمل راية سوداء مكتوب عليها: «أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله» وجميعهم يرتدون ملابس تشبه الملابس العسكرية، وهى عبارة عن بنطال مموه وتى شيرت أسود اللون.
وكل هذه ممارسات ومشاهد تحسم بانتماء مرتكبى الحادث الأبشع فى تاريخ العمليات الإرهابية فى مصر إلى تنظيم داعش، وبالتحديد فرعه فى سيناء، الذى يحمل مسمى» ولاية سيناء»، إلا أنه وعلى الرغم من وجود كل ما يباعد بين التنظيمين الأكبر فى ساحة الإرهاب حاليا «القاعدة» و«داعش» من حيث الخلاف حول أمور عقائدية وتنظيمية، فإنه لا يمكن استبعاد اتحاد أهداف التنظيمين فى النيل من الدولة المصرية ومؤسساتها ومواطنيها، فضلا عن الرغبة المشتركة فى فرض السيطرة على شبه جزيرة سيناء، باعتبارها هدفا استراتيجيا للتنظيمين، ولمن يقف وراءهما ويدعمهما بالمال والسلاح والتدريب والتخطيط من أجهزة استخبارات معادية لمصر، حتى وإن أظهرت دول بعضها عكس ذلك.
على مدار السنوات الأخيرة، سارع تنظيم «داعش» إلى إعلان مسؤوليته عن العمليات الإرهابية، التى جرت على أرض مصر، وتنوعت أهدافها ما بين رجال الشرطة والجيش وكمائنهم وارتكازاتهم الأمنية أو دور العبادة الخاصة بالأقباط المصريين وتجمعاتهم، غير أن هذا الظهور الواضح لداعش وفروعه فى سيناء أو على الحدود الغربية المتاخمة لليبيا لا ينفى وجود تنظيم القاعدة على الأراضى المصرية، خاصة فى ظل اعتقاد منقول عن أدبيات لقيادات التنظيم الأم، يتوهم فى إمكانية أن تكون مصر نقطة ارتكاز لعمليات التنظيم ونشاطه فى المحيط الإقليمى، كما جرى الحال حين اتخذ التنظيم من دول كأفغانستان وباكستان والعراق والسودان واليمن نقاط ارتكاز له، يحارب من خلالها أنظمة هذه الدول ومؤسساتها تارة، وينطلق منها لعمليات فى مناطق مجاورة تارة أخرى.
فى وقت من الأوقات أعلن أيمن الظواهرى، القائد الحالى لتنظيم القاعدة، وقف عملياته فى مصر، وكان التفسير لذلك فى حينها عجز التنظيم عن تحقيق أهدافه على الأراضى المصرية، فضلا عن وقوع العديد من عناصره فى قبضة الأجهزة الأمنية، لكن الظواهرى وغيره من قيادات الجماعات التكفيرية تظل مصر بالنسبة له هدفا استراتيجيا، مثلهم فى ذلك مثل القوى الاستعمارية فى عهود سابقة، ومثل القوى المعادية لمصر فى الوقت الراهن، وجميعها ترتكن فى وضع مصر على رأس أهدافها الاستراتيجية إلى ما تتمتع به من موقع جغرافى فى قلب العالم، وما تحظى به من مكانة روحية مؤثرة فى محيطها العربى والإفريقى، بل والإسلامى على اتساعه، حيث تحتضن المؤسسة الدينية الأكبر فى العالم السنى، وحتى بالنظر إلى مكونها القبطى فإن كنيستها تحظى بالسيطرة على كنائس عدة فى محيطها الإقليمى والإفريقى، وبين الجميع «تنظيمات جهادية وقوى معادية» اتفاق غير معلن مفاده أن السيطرة على مصر تعنى تسهيل الانطلاق للسيطرة على محيطها العربى على وجه التحديد.
فى وقت من الأوقات وبالتحديد قبل ثورة 25 يناير، بدا أن هناك اعتقادا يسيطر على تفكير زعيم «القاعدة» أيمن الظواهرى، بأنه قادر على إحداث التغيير فى مصر لصالحه أو لصالح الإسلاميين عموما، وفى هذا الإطار وجه رسائل مصورة، وصل فى إحداها إلى أن يدعو العمال والموظفين والطلاب فى مصر إلى» أن ينقلوا غضبهم للشارع، وأن يجعلوا المساجد والمصانع والجامعات والمعاهد والثانويات بؤراً لدعم الجهاد والمقاومة»، وبعد نجاح ثورة 25 يناير - لم يكن للظواهرى أو تنظيمه أى فضل فى ذلك - كان لافتا أن يظهر فى ساحة العمل السياسى أحزاب جهادية، بعضها يتبنى أفكار القاعدة بشكل صريح كحزب التحرير الإسلامى، وهى الأحزاب، التى انتهى دورها بالإطاحة بحكم جماعة الإخوان فيما بعد، لكن لم ينته وجود «القاعدة» كتنظيم، حتى أن وسائل الإعلام نقلت فى العام 2013 تحذيرات عدد من أجهزة الاستخبارات الدولية
لمصر من تنامى وجود تنظيم القاعدة، فى عدد من المدن المصرية الكبرى كالقاهرة والإسكندرية وليس فقط سيناء.
ولم يتوقف الأمر عند ذلك، بل إن صحيفة «دى فيلت» الألمانية نشرت فى أبريل 2013 تقريرا انتهت فيه إلى «أن تنظيم القاعدة يسعى بقوة لتحويل مصر إلى إمارة إسلامية وقاعدة جديدة ينقل ميليشياته إليها، وذلك من خلال علاقته القوية مع الجماعات الجهادية الموجودة بالداخل».
وبحسب خبراء فى شؤون الجماعات الإسلامية فإن تنظيم القاعدة تواجد فى مصر بشكل قوى أيضا فى معسكرات تابعة له على الحدود الليبية مع مصر، إحداها كان تحت سيطرة القيادى السابق بتنظيم الجهاد المصرى ثروت صلاح شحاتة، فيما تواجدت «القاعدة» فى سيناء، وعلى الحدود الشرقية لمصر، وتواصلت مع عدد من فروع التنظيم على الجانب الآخر من الحدود فى قطاع غزة وبينها مجلس شورى المجاهدين.
ما سبق لا يعنى على الإطلاق استنتاج أن يكون تنظيم القاعدة وراء حادث استهداف المصلين فى مسجد الروضة ببئر العبد، فالتحقيقات أثبتت أن مرتكبيه أعلنوا عن انتمائهم لـ«داعش» برفعهم راية التنظيم، لكنه لا يجب أن يستبعد وجود تنسيقات ما بين التنظيمين على اختلافهما الكبير وتبرؤ التنظيم الأم «القاعدة» قبل سنوات من فرعه «تنظيم الدولة فى العراق وسوريا»، ووصول الخلاف إلى حد تكفير بعضهما البعض وتشكيك كل منهما فى عقيدة الآخر، إلا أن الدمج ما بين استهداف المساجد والمصلين بها، هذا هو حال عمليات القاعدة فى بلاد الخليج وعلى رأسها المملكة العربية السعودية والعراق، وبين بشاعة الجريمة ونوعية التخطيط لها وطريقة ارتكابها تماثل مختلف عمليات داعش فى سيناء، يؤكد أن التنظيمين على هدف واحد هو إسقاط الدولة المصرية، وهو هدف بالنسبة لهما ربما يكون دافعًا لتجاوز أى خلاف بوهم إمكانية الوصول إلى تحقيقه.