تنمية أفريقيا وانتشالها مما تُعانيه من حالات فقر مدقع فى عدد من بلدانها حلم مشترك بين كل أبناء القارة السمراء، وأحد الحلول التى طرحت فى مؤتمر أفريقيا 2017، الذى أقيم فى مدينة شرم الشيخ مؤخرًا هى إمكانية إنشاء عملة موحدة لدول القارة الإفريقية على الأمد البعيد، وما يمكن إطلاق عليه مجازا الطريق الطويل بين القاهرة وكيب تاون.
طارق عامر محافظ البنك المركزى المصرى، قال فى تصريحات صحفية على هامش المؤتمر إن هناك دراسة لإنشاء عملة موحدة وسياسات موحدة عبر إجراءات طويلة الأمد، مؤكدا أنه تم التواصل مع الدول المختلفة على المستوى الإفريقى من خلال الرغبة والقدرة على توفير المعلومات ومعرفة مطالب الأسواق الإفريقية، مشيرًا إلى استحداث إدارة جديدة بالبنك المركزى لفتح آفاق جديدة للتعاون مع افريقيا بالإضافة لإعادة هيكلة بنك تنمية الصادرات المصرى بفكر جديد لدعم الصادرات المصرية.
42 عملة بارزة تتداولها القارة السمراء
وبناء على تصريحات محافظ البنك المركزى المصرى رصد "برلمانى" عدد العملات فى القارة السمراء، وتوزيعها بين الدول الأفريقية، واتضح أنه يوجد 42 عملة تقريبًا معروفة للجميع، كما يوجد دول تتشارك نفس العملة مثل كل من بنين وبوركينا فاسو كوت ديفوار وغينيا بيساو ومالى والنيجر والسنغال وتوجو التى تستخدم "فرنك غرب أفريقى"، وأيضًا كل من الكاميرون وجمهورية أفريقيا الوسطى وتشاد وجمهورية الكونغو وغينيا الاستوائية والجابون التى تستخدم "فرنك وسط أفريقى".
صعوبات فى طريق حلم توحيد العملة
وبعد استعراض حديث محافظ البنك المركزى والعملات البارزة فى القارة السمراء، يبقى تساؤل هل يمكن تنفيذ تلك الفكرة على أرض الواقع أم أنها درب من الخيال فى ظروف الاقتصادية الصعبة التى تعانى منها أغلب البلدان الأفريقية؟، وقد نجد الإجابة فى الأطروحات السابقة لهذا الأمر، والتى تعود إلى عدة أعوام سابقة.
ووفقا لتقارير إعلامية متخصصة فى الشأن الاقتصادى فإن السير فى خطوات لاعتماد عملة موحدة بدأت منذ عام 2009، ووقتها قررت البلاد المنضمة إلى المنطقة النقدية لغرب إفريقيا الذى يستخدم الدول أعضائه عملة الفرنك الإفريقى الموحد، التفكير فى إطلاق عملة موحدة عام 2015 تحمل اسم "إيكو" إلا أن المشروع لم ينجح وتم تأجيل تطبيق مرحلتى الإطلاق والدمج إلى عام 2020، وحتى الآن لا يوجد خطوات تؤكد إمكانية تطبيق هذه الفكرة فى الموعد المحدد وهل سيتم تأجيل أيضًا مرة أخرى.
ووفقا للتقارير الإعلامية أيضًا فإن خبراء اقتصاديين أرجعوا سبب تأجيل تطبيق مشروع إلى عدة أسباب على رأسها خوف رؤساء دول أفريقية من تأثر سياساتهم النقدية، وعدم نجاح المشروع بالشكل الأمثل لاسيما أنه هناك حالة من التباين فى السياسات الجمركية والقيود المفروضة على تنقل البضائع.
غموض مصير مشروع مثل "إيكو" يطرح تساؤل حول مدى إمكانية وجود عملة موحدة لقارة أفريقيا بأكملها، خصوصا أن البعض يرى الأحاديث حول تطبيق هذه الفكرة فى القارة السمراء لا يتناسب مع الواقع العملى لعدة أسباب وهى أنه مهما توحدت السياسات النقدية والمالية بالدول الأفريقية سيظل هناك حالة من التباين الاقتصادى بين الدول، أمّا السبب الثانى أنه لا يوجد إرادة سياسية قوية من قبل دول أفريقيا وما يؤكد هذا الأمر أن كل المحاولات التى تمت من الاتحاد الأفريقى منذ خمسينيات القرن الماضى باءت بالفشل.
بينما السبب الثالث أن الدول الإفريقية تواجه تحديات كبيرة سواء منفردة أو بشكل جماعى، وكذلك يوجد تكتلات فى القارة السمراء مثل شرق أفريقيا وغرب أفريقيا والصحراء الجنوبية التى تتزعمه جنوب إفريقيا، مما يرسخ لوجود حالة من الانقسام بالقارة ويعنى صعوبة توحيد العملية.
مشاكل اليورو.. وأحلام القارة السمراء
البعض يرى نموذج منطقة اليورو أنه غاية الأمل فى إطار تطبيق فكرة توحيد العملة لكن هنا يجدر الإشارة إلى أن توحيد العملة يسبقها العديد من الخطوات منها على سبيل المثال لا الحصر توحيد السياسات النقدية والجمركية والإرادات السياسية لاسيما أن دول منطقة اليورو احتاجت للعمل لعشرات السنين قبل أن تقدم على خطوة توحيد العملية ووضع سياسات اقتصادية متشابهة.
وتُعتبر معاهدة روما التى تم توقيعها فى 25 مارس عام 1957 هى النواة التى قام عليها الاتحاد الأوروبى وما تلاه من خطوات على سبيل المثال تأسيس المجموعة الاقتصادية الأوروبية فى 1 يناير من عام 1985.
بينما فى عام 1993 تم حذف كلمة الاقتصادية من اسم المعاهدة وفقا لمعاهدة ماستريخت التى تم توقيعها فى عام 1992، وتم الاتفاق على أن يكون هناك آلية عمل بالاتحاد الأوروبى وأبرز بنودها تخفيض الرسوم الجمركية وتأسيس اتحاد جمركى، وكذلك تأسيس سوق مشتركة للسلع والعمال والخدمات ورؤوس الأموال داخل الدول الأعضاء فى المعاهدة، وأيضًا تأسيس سياسات مشتركة للنقل والزراعة وصندوق اجتماعى أوروبى.
الخطوات السابق الإشارة إليها يجب أن تكون فى الأذهان عندما نتحدث عن توحيد العملة فى أفريقيا لأن أوروبا سلكت هذا الطريق الصعب قبل أن تبدأ فى تداول عملة اليورو فى يناير من عام 2000 بين 19 دولة من أصل 28 دول هم أعضاء الاتحاد الأوروبى، وتم الاتفاق أيضا على يكون هناك خطط اقتصادية موحدة، وأن تكون نسب كل من التضخم والعجز فى الميزانية والناتج المحلى متقاربة بين هذه البلدان.
اللافت أن عدد من دول منطقة اليورو تخطت نسبة الدين المفروضة وعلى رأسها اليونان والتى دخلت فى صدمات مع دول مستقرة اقتصاديًا بالاتحاد الأوروبى مثل ألمانيا التى طالبتها بتطبيق برنامج تقشف حتى تحصل على المعونة من أجل إصلاح أوضاعها الاقتصادية، مما جعل بعض الخبراء يتوقعون مغادرة دولا معينة لمنطقة اليورو بسبب تلك الشروط والتباين فى المستوى الاقتصادى بين الدول الأعضاء فضلا عن رغبة بريطانيا فى الخروج من الاتحاد الأوروبى.
وبعد الإشارة إلى أزمات منطقة اليورو يُمكن طرح تساؤلات منها، إذا كانت أوروبا نفسها تعانى فى ظل عملة موحدة فكيف سيكون الوضع فى أفريقيا؟، هل فكرة توحيد السياسات النقدية والمالية فى أفريقيا خيالية أم أنه طموح مشروع لأبناء تلك القارة السمراء؟، وأخيرًا هل نرى خطوات تطبق على أرض الواقع تطبق بالبلدان الأفريقية تبشر بأن الإصلاح ممكنًا أم أن الوضع سيظل على ما هو عليه؟.