تصر القاهرة على أن تبقى مسار التفاوض لحل أزمة سد النهضة الإثيوبى قائما وحيا طوال الوقت ومفتوحا أيضا لكل جديد من المقترحات والحلول التى يمكن اللجوء إليها لحل الأزمة بطريق وحيد هو الطريق السلمى التفاوضى، وفى هذا الإطار وعلى الرغم من إعلان مصر قبل أسابيع فشل جولة جديدة من المفاوضات استضافتها العاصمة القاهرة لأطراف اللجنة الفنية الثلاثية للسد، ممثلين فى وزراء الرى فى كل من مصر وإثيوبيا والسودان، عادت القاهرة لتلقى بمقترح جديد لتحريك مياه المفاوضات الراكدة حتى الآن، منذ انتهاء جولتها الأخيرة بالقاهرة، يضاف إلى سلسلة من المبادرات والحلول والمقترحات التى تبناها الجانب المصرى للخروج من الأزمة، التى قوبلت بتعنت من الجانب الإثيوبى تارة، ومماطلة تارات أخرى، فدعت القاهرة إلى إدخال طرف له رأى محايد وفاصل يشارك فى أعمال اللجنة الفنية الثلاثية، ويتمثل فى «البنك الدولى»، نظرا لما يتمتع به البنك من خبرات فنية واسعة، ورأى فنى يمكن ان يكون ميسرا للتوصل إلى اتفاق داخل أعمال اللجنة الثلاثية.
الطرح المصرى الجديد جاء على لسان وزير الخارجية سامح شكرى خلال لقائه الثلاثاء الماضى نظيره الإثيوبى وركنا جيبيو فى العاصمة أديس أبابا، التى توجه إليها الوزير المصرى فى زيارة وصفت بأنها محاولة جديدة لإنقاذ ملف المفاوضات حول أزمة السد الذى تراه كل من مصر والسودان خطرا على حصتيهما من مياه النيل، ودعم شكرى المقترح المصرى بالتأكيد على ثقة بلاده فى حيادية البنك الدولى وقدرته على الاستعانة بخبراء فنيين على درجة عالية من الكفاءة، مجددا رسائل لطالما حرصت القاهرة على أن تبعث بها بين الحين والآخر مرفقة بأطروحاتها لحل الأزمة، ومفادها أن مياه النيل بالنسبة لمصر هى «قضية حياة أو موت»، وأنها قضية «بالغة الحساسية» بالنسبة للشعب المصرى، مستبقا الردود الدبلوماسية المعتادة من قبل أديس أبابا، بالتنويه إلى أن «حساسية أمن مصر المائى، لا يمكن الاعتماد فى التعامل معها على الوعود وإظهار النوايا الحسنة فقط».
دعوة مصر إلى إدخال «البنك الدولى» كمشارك فى مفاوضات اللجنة الفنية الثلاثية، ليست هى الأولى من نوعها فى سلسلة المبادرات المصرية لحل الأزمة، كما سبق القول، فالقاهرة قبلت بالتقرير الاستهلالى الذى قدمه المكتب الاستشارى، بشأن كيفية استكمال الدراسات الخاصة بإنشاءات السد، كما سبق أن وقع الرئيس عبدالفتاح السيسى فى مارس 2015 على الاتفاق الإطارى لإعلان المبادئ، وذلك بالعاصمة السودانية الخرطوم، وبمشاركة الرئيس السودانى عمر البشير ورئيس الوزراء الإثيوبى، وهو الاتفاق الذى ترى القاهرة أن أديس أبابا تخالف بنوده، وأن الخرطوم انضمت إليها فى هذا الشأن، برفض البلدين التقرير الاستهلالى، على الرغم من التزامه بمستندات التعاقد، المتفق عليها بين الدول الثلاث.
تؤكد مصر على لسان وزير الرى الدكتور محمد عبدالعاطى أن كلا من إثيوبيا والسودان تصران على مخالفة مستندات التعاقد، التى تتضمن أن أساس تحديد آثار وأضرار السد، هو النظام الراهن لحوض النيل الشرقى دون سد النهضة، فيما تدعى إثيوبيا أن السد يتعين تضمينه ضمن هذا الأساس، وهو ما «يناقض ما هو معمول به فى جميع الدراسات المتعلقة بالسدود ذات الآثار العابرة للحدود»، بحسب عبدالعاطى.
أثيوبيا سبق وأن رفضت أيضا مقترحات مصرية منذ عام 2014 تتعلق بتمكين اللجنة الفنية الدولية من حل أية خلافات قد تطرأ بين الدول الثلاث خلال فترة عملها، وتشكيل فريق من الخبراء الدوليين، يعمل إلى جانب اللجنة الثلاثية لمتابعة الدراسات المزمع إعدادها، ويتولى تقديم الرأى الفنى المحايد فى حالة حدوث اختلافات بين أعضاء اللجنة خلال فترة عملها لمدة عام، كما رفضت مقترحا آخر للقاهرة بطرح «ورقة لبناء الثقة» بين الأطراف الثلاثة، تساهم فى توفير ضمانات لدولتى المصب من أية آثار سلبية قد تنجم عن بناء السد.
التعنت الإثيوبى يأتى من أديس أبابا تتحرك فى الأزمة وكأنها من دون ضابط أو مرجعية تلزمها بتنفيذ ما يتم الاتفاق عليه بينها وبين دولتى المصب، وهو ما يبدو معه ضرورة أن تدعم مصر طلبها بإدخال طرف دولى هو البنك الدولى كمشارك فى أية مفاوضات قادمة بالسعى إلى الحصول على تأييد له من دول وتجمعات وهيئات ذات تأثير على الساحة الدولية والإقليمية، لتقبل أديس أبابا بالطرح المصرى الجديد، ولا تدخله «ثلاجة المماطلات والتسويف»، ليكون قبول إثيوبيا بالطرح الجديد دليلا عمليا على حسن النوايا، أما غير ذلك فهو تأكيد على أن أديس أبابا تناقض ما دأبت على تكراره من عبارات إنشائية بأنها لا تسعى للإضرار بمصالح مصر المائية.. وهو ما ستكشف عنه الأيام المقبلة.