المشهد الذى سأرويه لك الآن جرت وقائعه فى عام 2002:
كانت سيارتى تخترق قلب صحراء شمال سيناء لتصل إلى مصنع الأسمنت الذى يملكه رجل الأعمال حسن راتب، تعجبت لمن يختار هذه البقعة لمصنع باستثمارات عملاقة على هذا النحو، كنت وقتها صحفيا تليفزيونيا فى قناة المحور الوليدة، وكان راتب قد جهز لقاءً مع أهالى سيناء فى عيد التحرير، وحين دخلت الكاميرات طلب الرجل ألا نتكلم عن المصنع تحديدا، لإحساسه بالحرج من أن تتكلم قناته الخاصة عن مصنعه الخاص، وشدد على أن نستمع أولا وأخيرا لهموم أبناء سيناء عن التنمية، وأحلام أهالى هذه البقعة الطاهرة من أرض مصر بأن تستقطب سيناء استثمارات جديدة تعمر الأرض، وتحارب الفقر، وتضمن لشبابها عملا نافعا ورزقا وفيرا، وتكون هذه الاستثمارات هى رأس الحربة فى مواجهتنا للعدو الرابض على الحدود الشرقية.
تذكرت هذا المشهد وأنا أراقب حركة الاستثمارات الخاصة فى سيناء خلال الخمسة عشر عاما الماضية منذ أن جرت هذه الواقعة، أحلام أبناء سيناء لم تتحقق فى هذا التوسع الاستثمارى، ولم تلتفت إدارة مبارك إلى هذه الأمنيات على النحو الكافى، حتى بدأت هذا العام خطط الدولة المصرية لتنمية سيناء، خطط جادة برعاية الرئيس السيسى شخصيا، وليست وعودا كالتى كنا نسمعها فى الماضى، خطط ارتكزت على أنفاق تسمح بتواصل سيناء جغرافيا، وقناة السويس الجديدة التى تشكل أساسا مبهرا للتنمية، ومزارع سمكية عملاقة، ومشروعات عمرانية ومدن جديدة لاستيعاب العمالة المحتملة، تذكرت ذلك لأكرر السؤال على نفسى، لماذا تتصدر الدولة المشهد الآن؟ وما الذى يمنع رجال الأعمال من الحركة بنفس الشجاعة التى أقدم بها حسن راتب على العمل فى سيناء؟ ما الحافز الذى دفع هذا الرجل للعمل منفردا فى هذه البقعة، فى حين يتكاسل آخرون من حوله؟ وما المقومات التى جعلت استثماراته آمنة رغم التوترات الأمنية التى تشهدها قرى الشمال منذ ثورة يونيو؟.
تقديرى هنا أن المعادلة تتمثل فى شخص حسن راتب نفسه، وفى نواياه تجاه هذه الاستثمارات فى هذه الأرض، فالرجل لم يتعامل مع سيناء على أنها أرض بكر للأرباح الصناعية والتجارية، لكنه نظر إلى سيناء برؤية وطنية صافية من التعقيدات السياسية أو الدعاية الحزبية أو الوعود الوهمية أو المكسب والخسارة، لقد آمن الرجل بأن الاستثمار فى هذه الأرض هى واجب وطنى خالص، وأن إعمار القرى وبناء جسور المودة والقربى مع أهالى سيناء هى الاستراتيجية التى يجب أن تعمل عليها الدولة، ويتصدى إليها كل المؤمنين بمستقبل مصر، فعلها راتب منفردا، ولم يتشجع عليها الآخرون، سواء من هم فى إدارة مبارك، أو رجال أعمال هذا العصر، وحين نجح حسن راتب فى تأسيس هذه المعادلة الوطنية كانت مصانعه وجامعته واستثماراته السياحية فى حماية الناس أنفسهم، الناس صدقت أن هذه المشروعات تأسست من أجلها، وليس للربح السريع، الأسمنت من الصناعات الثقيلة التى تتيح فرصة للعمل، ولا تترقب ربحا سريعا، والجامعات استثمارات استراتيجية فى التعليم حمت أبناء سيناء من مشقة نقل أولادهم إلى جامعات تبعد مئات الكيلومترات وتفرق بين الطلاب، فتيات وفتيان، وعائلاتهم وبيئاتهم الهادئة المنضبطة أخلاقيا واجتماعيا.
آمن الناس بأن المشروعات لهم فحموها بأنفسهم، ورعوها باعتبارها ملكا وطنيا لهم، وليست ملكا لرجل أعمال يحقق أرباحا على حساب مصالحهم البسيطة، وحين يؤمن الناس بأن الاستثمار يستهدف مصلحتها فإنهم يضعونه فى أعينهم، ويحمونه بأرواحهم، ويرعون حاضره ومستقبله آناء الليل وأطراف النهار.
تلك هى المعادلة التى لم يرها كثير من رجال الأعمال، واستبصرها حسن راتب، وهذه هى المعادلة التى أدعو من خلالها جميع رجال الأعمال المصريين ألا يخافوا من سيناء، وأن يساندوا بكل ما يملكون المشروع التنموى الجديد الذى يرعاه الرئيس شخصيا، ويشرف عليه بنفسه، لا تخافوا، لأنه إذا صدقت النوايا كما صدقت فى نموذج راتب، فإن أموالكم ومشروعاتكم ستكون فى رعاية أهل سيناء الكرام، قبل أن تكون فى رعاية قوات الشرطة ورجال الأمن، استثماراتكم إذا مضت على نفس النهج، ولم تكن فرصة للربح السريع، وشعر الناس بأنها تستهدف تطوير حياتهم وتضمن فرص عمل لأبنائهم، فسيضعونها فى أعينهم كما وضعوا رجلا واحدا من بيننا فى أعينهم من قبل فى نموذج حسن راتب، أخلصوا للناس سيخلص لكم الناس، وأخلصوا لسيناء ستقدم لك هذه الأرض الطيبة أروع ما فيها، سيناء تحتاج إلى الاستثمار الخاص وليس فقط إلى مشروعات الدولة، شمال سيناء يحتاج للصناعة والزراعة والسياحة، لا تخافوا أهل الباطل، وادخلوا فى حماية الناس.
شكرا حسن راتب، لأنك قدمت لنا نموذجا حيا يمكن القياس عليه ويمكن تحفيز رجال الأعمال من خلاله، شكرا لأنك أقدمت على ذلك بلا حسابات، وشكرا لأهالى سيناء الذين بادلوك الحب بالحب، وأسألهم أن يبادلوا كل مستثمر جديد على هذه الأرض بالحب نفسه وبالرعاية ذاتها.
مصر من وراء القصد.