فى كل بيت من بيوت أسر مصر أطفال صغار يتمتعون بالرعاية والاهتمام الكامل من قبل أهاليهم، ولكن هناك أطفال يعيشون حياة مأساوية فهم محرومون من كل شىء حتى أبسط حقوق الطفل التى يكفلها قانون حماية الطفل المصرى؛ يومهم يبدأ فى الخامسة صباحا تراهم يتجمعون متلاصقين أسفل كبارى السكك الحديدية بالعديد من المحطات الرئيسية لمحافظة سوهاج يدفئون بعضهم ببعض من شدة البرد القارس، منهم من يحمل صندوقا خشبيا يصل إلى نصف وزنه، ومنهم من يحمل كمية من المناديل، والبعض الآخر يحمل كتيبات صغيره بداخلها بعض الآيات القرآنية، محاولين بيعها للركاب مقابل جنيه للكتيب الواحد أو لعلبة المناديل الواحدة.
عندما تنظر إليهم من قرب تجد أجسادهم ملطخة بالشحوم والزيوت وهناك علامات لإصابات متفرقة بأجسادهم ما بين جروح غائرة قد التأمت بمرور الأيام، والبعض الآخر منها مازال مفتوحا وتسيل منه الدماء عندما يتعرض مرة أخرى للاحتكاك البعض منهم، لا يرتدى حذاء والبعض الآخر لا يضع غطاء على رأسه، البنات منهم لم تقم بتصفيف شعورهن منذ شهور حتى أنه تحول إلى أسلاك متشابكة يصعب فكها من جديد إلا عن طريق قصها.
"برلمانى" رصد انتشار الأطفال الصغار على الأرصفة وقضبان السكك الحديدية بمحافظة سوهاج بشكل كبير مما يعرض حياتهم للخطر دون وجود أى جهة حكومية أو مجتمعية تحاول إنقاذ هؤلاء الأطفال.
فى البداية يقول "سلطان حسن": أنا يوميا أستقل القطار المميز الذى يتحرك فى تمام الساعة الرابعة إلا الربع من محطة سوهاج الرئيسية وهذه المحطة تعد أكبر محطة لأعمال التسول خاصة للأطفال الصغار الذين تتراوح أعمارهم ما بين السادسة وحتى الثانية عشر تقريبا، جميعهم مع برودة الجو لا يرتدى إلا جلباب لا يوجد أسفل منه ما يستر جلده، رحلتهم تبدأ فى تمام الساعة السادسة صباحا من محطة سكك حديد طما شمالا موعد خروجهم للعمل يعودون فى الخامسة من مساء نفس اليوم، يركبون قطارا وينزلون من الآخر يحاولون بكل الطرق جمع الأموال لمن يقوم بتسريحهم سواء كان رجل أو امرأة، ومن لا يعود بالحصيلة آخر اليوم يكون مصيره العقاب ممن يقومون بتشغيلهم، هؤلاء الأطفال يتعرضون للإهانة من قبل جميع ركاب القطار خاصة عند الإلحاح المستمر فى طلب الأموال، فهناك من يقوم بضربهم ومن يقوم بدفعهم ومن يهددهم بإلقائهم من القطار.
أما الأطفال الذين رفضوا التسجيل لهم أو تصويرهم "محمد، وعلى، ورحمه، ووردة، وحسين"، إلا أنهم قالوا: "أحنا كل يوم بنركب كل القطارات المكيفة والمميزة بنسرح بالمناديل والكتب الصغيرة والبعض الآخر يعمل بصنعة الورنيش "تلميع الأحذية" من خلال صناديق خشبية، ونقوم بأعمال التسول ونعطى ما نحصل عليه من أموال لوالدتى ووالدى، والدتى هى من تعمل بالتسول أما والدى فيجلس على القهوة ينتظر ما يأتى به الجميع من أموال على مدار اليوم، ونحن نحصل على طعامنا اليومى من بقايا ما يتركه الركاب بالقطارات لنا عندما يجدونا ننظر إلى ما يأكلون من طعام".
ويقول الطفل "محمد": "كان نفسى أدخل المدرسة وأتعلم أنا لما بشوف عيل شايل شنطة ورايح المدرسة أظل أنظر إليه حتى يختفى من أمامى والحزن يملأ قلبى، وأتمنى أن أكون مكانه، دائما أقول لماذا لم أولد فى مكان كويس أنام فى مكان نظيف وآكل طعاما نظيفا وأذهب إلى المدرسة وأتعلم وأحفظ الكتب، كنت أتمنى أن أصبح دكتور أو أى حاجة كويسة بس مش كل يوم اتعرض للضرب والإهانة من قبل الجميع ونحن نتعرض يوميا لكل أنواع الإهانة، الأكبر منا فى مهنة التسول يقوم بالتعدى علينا جنسيا داخل القطارات الخالية من الركاب والجميع يعلم ذلك، الكبير يعتدى على الأصغر منه وإن قاوم الواحد منا تتعمل عليه حفلة كبيرة".
أما "على" فقال: "أنا عمرى 8 سنوات زى ما سمعت الكلام دا من أمى لكن أنا ما عرفش عمرى كام، شربت السجائر وأنا فى السادسة من العمر وكانت البداية كنت أجمع بواقى السجائر التى يلقيها الركاب بالقطارات وأدخل دورة المياه الموجودة بالقطار وأقوم بشربها، والآن أقوم بشراء سجائر "فرط"، وعندما تكون المحصلة من عملية الشحاتة كبيرة أقوم بشراء علبة أو نصف علبة، وكله بنطلع فيه الغلب والتعب طول اليوم لأن الواحد فينا بيشتغل 12 ساعة متواصلة، ممكن أركب القطار من طما وأنزل محطة سوهاج وأكمل إلى أن أصل نجع حمادى بمحافظة قنا، لأننى لا أستطيع العودة لأمى بدون فلوس والتى لا تقل فى بعض الأحيان عن 100 جنيه ومن الممكن أن تزيد.
وتروى الطفلة "وردة" التى تتلعثم الكلمات بين شفتيها نظرا لصغر سنها والتى تحمل فى يدها عددا من الكتب الصغيرة التى تحوى بعض الآيات القرآنية الكتاب بجنيه: "أنا بسرح فى القطار وأحنا بنام تحت الكوبرى بعد الفجر لحد ما القطار يصل المحطة، وبعدها نقوم بالركوب وأول حاجة بندور عليها راكب بيكون بيأكل نقف قدامه لحد ما يعطينا قطعة من الطعام ودا بيكون الفطار بتاعنا، وأنا مش معاية حاجة ثقيلة ألبسها من البرد وكل يوم بشتغل من الصبح لحد الليل وبجمع حوالى 50 جنيها".