وفى أحدث ضربة تعانيها الدوحة كشفت أربعة مصادر مصرفية مطلعة لوكالة رويترز الإخبارية، أن المقاطعة التى فرضتها أربع دول عربية على قطر دفعت HSBC إلى رفض دور رئيسى فى إصدار جديد لسندات دولاريه تخطط له الدوحة، بينما يسير البنك بحذر وسط نزاع سياسى فى منطقة الخليج.
وقطعت مصر والسعودية والإمارات العربية والبحرين فى يونيو 2017، العلاقات الدبلوماسية وخطوط النقل مع قطر، بعد رفضها العدول عن ممارساتها من دعم وتمويل الإرهاب فى دول المنطقة، وهو ما أدى فى البداية إلى الإضرار بالنمو القطرى لكن بنهاية عام 2017 تعافى اقتصاد البلاد بدرجة كبيرة.
وتسببت المقاطعة على الفور فى تخفيض التصنيف الائتمانى لقطر، حيث قامت كل من وكالتى فيتش وموديز وS & P بتغيير توقعاتهم للبلاد من مستقر إلى سلبى. وخفضت ستاندرد آند بورز تصنيفها طويل الأجل لقطر إلى AA سالب بدلا من موجب، بالإضافة إلى وضع البلاد على مراقبة الائتمان السلبى مع آثار سلبية تشير إلى احتمال بمزيد من التخفيض الائتمانى. فى ذلك الوقت، قالت ستاندرد آند بورز إنها تتوقع أن يتباطأ النمو الاقتصادى، وذلك من خلال تخفيض التجارة الإقليمية ومن خلال تآكل ربحية الشركات، حيث أصبح الاستثمار أكثر صعوبة وتلاشت الثقة.
ولوحظت عواقب عزلة قطر سريعا حيث انخفض سوق الأسهم بنحو 10% خلال الأسابيع الأربعة الأولى وخسر نحو 15 مليار دولار من قيمته، قبل أن يصل إلى أدنى مستوياته فى خمس سنوات بحلول منتصف سبتمبر، أى أقل بنسبة 18% من مستويات ما قبل المقاطعة. وانخفضت أيضا العملة القطرية، الريال، إلى أدنى مستوى لها على الإطلاق وهو 3.76 فى يونيو، ولا تزال تعانى تقلبا واضحا.
وبينما تخطط الحكومية القطرية حالياً لأول إصدار لسندات دولية منذ بدء الأزمة وطلبت عروضاً من بنوك فى الأسابيع القليلة الماضية لترتيب الطرح. لكن HSBC، الذى رتب كل إصدارات السندات السيادية تقريباً فى منطقة الخليج على مدار العامين السابقين، لن يفعل ذلك هذه المرة مما يعكس نهجاً أكثر حذراً تتبعه البنوك فى المنطقة.
وقال أحد المصادر لوكالة رويترز: "هذه ليست مشكلة HSBC فقط، أنها مشكلة لجميع البنوك العالمية التى لها وجود قوى فى المنطقة كل بنك يحلها بطريقته الخاصة". وقال متحدث باسم HSBC "نحن لا نعقب بتاتاً على شائعات وتكهنات السوق "، بينما لم يرد متحدث باسم الحكومة القطرية على طلب للتعقيب.
وعندما باعت قطر إصدارها السابق من السندات الدولية فى 2016، والذى جمعت فيه تسعة مليارات دولار، اضطلع HSBC بدور قيادى إلى جانب جيه.بى مورجان وبنك أوف طوكيو- ميتسوبيشى وبنك قطر الوطنى.
وقال مصرفيون مطلعون على العملية إن قطر تقترب حالياً من اختيار البنوك التى ستتولى إدارة أحدث إصدار للسندات، والذى قد يبلغ حوالى تسعة مليارات دولار، وأنها اختارت مؤقتاً بعضاً منهم. ورغم أن HSBC قرر عدم الاضطلاع بأدوار رئيسية فى إصدارات الدين القطرية الكبيرة بعد أن طُلب منه فى نوفمبر الماضى تقديم عرض بشأن إصدار السندات الدولارية، فإن من غير الواضح ما إذا كان البنك قد يلعب دوراً أصغر، ويقول مصرفيون أن تحرك البنك لا يعنى أى انسحاب من قطر حيث يحتفظ HSBC بفرع هناك.
لكن فى مؤشر آخر إلى نهجه الجديد، فإن HSBC لم يتقدم لتولى دور "إدارة الدفاتر" فى عملية منفصلة لإعادة تمويل قرض بقيمة ثلاثة مليارات دولار لصالح بنك قطر الوطنى وهى أول صفقة من نوعها لشركة مملوكة للحكومة القطرية منذ بدء الأزمة. وكان HSBC أحد أكبر البنوك المشاركة فى القرض الأصلى لبنك قطر الوطنى، وقال مصرفى مطلع على المسألة أن قرار البنك عدم تولى دور رئيسى فى إعادة التمويل جاء نتيجة للوضع السياسى وإعادة ترتيب أنشطته فى قطر.
وهناك شكوك بشأن قدرة الدوحة على دعم المقرضين داخل البلاد، مما أدى بدوره إلى ضعف قدرة المقرضين على اجتذاب التمويل، وهو ما دفع وكالة موديز إلى خفض توقعات النظام المصرفى القطرى من مستقر إلى سلبى. وتتوقع الوكالة أيضا أن يتباطأ نمو الائتمان المحلى إلى ما بين 5 و7% خلال الأشهر ال 18 المقبلة أو نحو ذلك، مقابل 15% فى توقعات عام 2015، فضلا عن الخروج المستمر للودائع الأجنبية وغيرها من أشكال التمويل الخارجى. وعلى هذا النحو، فإن احتياطيات السيولة لدى البنوك القطرية قد تتعثر، خاصة مع تراجع الودائع المحلية على خلفية انخفاض عائدات النفط.
وكانت قطاعات السياحية والتجارية والمالية كانت الأكثر تضررا فى قطر، فعلى سبيل المثال، يؤكد تقرير لوزارة التخطيط التنموى والإحصاء فى قطر تراجع حركة المسافرين الجوية بنسبة 32٪ من وإلى مطار الدوحة الدولى بين مايو ونهاية يونيو، ممثلا انخفاض بنسبة 18٪ على أساس سنوى. وشهد شهر يوليو أيضا انخفاضا كبيرا بنسبة 59٪ فى معدلات إشغال الفنادق، كما أن الصناعة المصرفية تشعر بالأزمة، نظرا لاعتمادها على التمويل الخارجى فى مواجهة انخفاض عائدات النفط، لذا فإن الانكماش الأخير فى ثقة المستثمرين يتركها الآن فى وضع ضعيف.