منذ عشرات السنين وتعانى مصر من نقص العمالة المدربة فى ظل وجود مدارس فنية صناعية يتخرج منها أكثر من مليون طالب سنويا، ولكن بدون أى خبرة، بجانب مراكز التدريب المغلقة داخل مختلف الجهات، ونفاجأ بخروج رجال الأعمال والمسئولين بتصريحاتهم المستفزه أن مصر تعانى من غياب العمالة المدربة فى ظل نسبة البطالة التى تتزايد يوما بعد يوم، ويلجأ هؤلاء لاستيراد عمالة من الخارج.
الحكومة والمسئولون عجزوا عن إيجاد حلول لهذه الإشكالية رغم أنها إشكالية بسيطة للغاية، وهو ما أدى إلى تدهور حال المدارس الفنية يوما عن يوم، حتى الفكرة التى خرج بها المهندس إبراهيم محلب، وقت أن كان رئيس مجلس الوزراء من خلال استحداث وزارة للتعليم الفنى باءت بالفشل، وتم دمجها مرة أخرى لوزارة التربية والتعليم، والمدارس الفنية كما هى، الطالب يقضى بها ثلاث سنوات من عمره وإذا سألته ما هى الأداة التى تستخدم فى البناء لا يعرف الاجابة وقد يصل فى أحيان كثيرة أنه لا يعرف شكلها من الأساس.
كلنا نعلم أن الفترة الأخيرة شهدت انطلاق العديد من المشروعات القومية فى مصر، بدأت بمشروع قناة السويس الجديدة، ثم المشروع القومى للطرق، وبالتوازى معها انطلقت مشروعات الإسكان القومية والتى تضمنت مشروعات اسكان اجتماعى "المليون وحدة" ومشروع دار مصر " الإسكان المتوسط" ومشروع سكن مصر" بخلاف مشروع المليون ونصف فدان الجارى استصلاحها فى الفترة الحالية، ومشروعات أخرى والعاصمة الإدارية الجديدة ومدينة العلمين الجديدة.
لا شك أن هذه المشروعات تنفذ على أعلى مستوى وبإمكانيات غير مسبوقة وهذا كان يمثل تحديا أمام شركات المقاولات المصرية، والأيدى العاملة، وذلك بعد انسحاب الشركات الأجنبية من مصر ورفضها تنفيذ المشروعات القومية ومنها العاصمة الإدارية ووضعت أسعار تعجيزية أمام الحكومة وذلك لتمثل تحدى وإشكالية كبرى أمام الحكومة المصرية، ولكن مجرد إتاحة الفرصة أمام العامل المصرى والشركات المصرية أثبت أنهم على قدر المسئولية وأنهم أحفاد أجدادهم بناة الأهرامات والسد العالى، وفى أقل من عام عادت الشركات الأجنبية تطلب العمل فى مصر بالشروط التى تضعها الحكومة المصرية وذلك بعد تيقنهم بأن المصرى لا يعرف المستحيل.
لا نستطيع أن ننكر أن ذلك يعد جهد كبير من الحكومة المصرية وأن الفكر الخاص بها تطور لدرجة كبيرة، وخاصة فكر وزارة الإسكان الذى فاق فكر المطور العقارى نفسه، ولكن هناك إشكالية كبيرة ما زالت تتجاهلها الحكومة والمسئولين، ألا وهى اشكالية المدارس الفنية التى يتخرج منها نحو 2 مليون طالب سنويا، بينهم مليون طالب خريج المدارس الفنية الصناعية، ويتخرج هؤلاء وهم لا يعلمون شىء عن القسم الذى تخصص فيه خلال فترة دراسته، ونفاجأ فى كافة المؤتمرات الاقتصادية أن رجال الأعمال يعانون من نقص العمالة المدربة رغم ارتفاع نسبة البطالة، ويزيد الأمر صعوبة أنه توجد مراكز تدريب لا حصر لها فى كافة الجهات الحكومية، ولكن 90% من هذه المراكز مغلقة.
الحل يا سيدى المسئول بسيط للغاية وفى يدك القرار، هذه المشروعات القومية الكبرى التى نتفاخر بها أمام العالم كله بأن المصرى قادر على انجاز المستحيل تعد أرض خصبة لتدريب وتأهيل المدارس الفنية الصناعية وذلك خلال فترة الدارسة، فمشروعات الإسكان الاجتماعى وسكن مصر ودار مصر، تتضمن أكثر من 700 ألف وحدة، إذا تم توزيع طالبين فقط على كل شقة تكون النتيجة أن مشروعات الإسكان فقط تتطلب مليون و400 ألف طالب لتأهيلهم وتدريبهم، فمن الممكن تقسيم الطلاب على شركات المقاولات التى تعمل فى مشروعات الإسكان ليتم تدريب وتأهيل هؤلاء الطلاب تحت أيدى المهندسين والفنيين والعمال كل فى تخصصه، فالطلاب المتخصصين فى الكهرباء يتم توزيعهم على الوحدات التى تم تشطيبها وجارى تركيب أعمال الكهرباء بها، أما الميكانيكا فيتم توزيعهم على المعدات المتواجدة فى الموقع، وكذلك الأمر بالنسبة لأقسام النجارة والحدادة وخلافه.
الأمر لا يحتاج قانون أو تشريع جديد من البرلمان، بل هو قرار من وزير الإسكان بالتنسيق مع وزير التربية والتعليم بحيث يتم تخصيص فترة تدريب وتأهيل عملى لهؤلاء الطلاب، فذا نجحت التجربة تكون مصر استفادت استفادة كبيرة من ذلك فى أكثر من اتجاه، الاتجاه الأول، تأهيل هؤلاء الطلاب عمليا لسوق العمل داخل مصر وتقليل نسبة البطالة واتجاه هؤلاء الطلاب للعمل الخاص سواء من خلال فتح مشروعات صغيرة أو العمل داخل ورش ومصانع وشركات مصرية كبرى، وبالتالى نكون استطعنا سد العجز فى العمالة داخل المصانع والشركات التى طالما ما يخرج أصحابها بتصريحات حول نقص العمالة المدربة، ومن الناحية الأخرى، تكون الحكومة المصرية لديها عمالة مدربة ومؤهلة للعمل بالخارج طبقا للمواصفات العالمية ويتم تصديرها بأسعار عالية بدلا من استغلال أصحاب المصانع والشركات الاجنبية والعربية للعامل المصرى ومنحه أجر أقل بكثير من نظيره بحجة عدم تأهيله بشكل كاف، ومن الممكن أن تفرض الحكومة المصرية نسبة من العقد الذى يتم توفيره للطالب الذى تم تأهيله من خلال المشروعات القومية وتم توفير فرصة العمل أيضا من خلال الحكومة.
الاستفادة تكون كبيرة للغاية للحكومة ولرجال الأعمال والشركات المصرية وللطالب المصرى خريج هذه المدارس، ومن الممكن أن يتم تخصيص جزء من الرسوم التى يتم فرضها على العقد الموفرة عن طريق الحكومة لتطوير المدارس الفنية وإنشاء ورش ومصانع تكون تابعة لهذه المدارس ويتم تخصيص جزء كبير من عائد هذه المصانع والورش لتطوير المدارس والتعليم والجزء الاخر يتم تخصيص نسبة منه كراتب للطلاب، والجزء الآخر يتم دمجه فى ميزانية الدولة.