- مريم من الطب لإمداد داعش بالقوافل ووالدتها: «ياريتنى ماخلفتها»
- خالد من الالتزام الدينى لصفوف التنظيم الإرهابى.. وطالبة الطب قضت نحبها فى سيناء.. ومحمد سرق متعلقات أبويه لاستكمال مسيرة التطرف
بينما تتزايد مزاعم الاختفاء القسرى، يتكشف بوضوح دور سماسرة الموت فى اختفاء بعض الطلاب حديثى السن عن أهاليهم حيث أظهرت التحقيقات والتحريات فى عدد من قضايا الإرهاب الأخيرة دور متهمين فى استقطاب صغار السن إلى دائرة النار والجحيم بضمهم إلى التنظيمات المتطرفة. ويلعب سماسرة الموت لدى طلاب المرحلة الثانوية وطلاب المراحل الأولى من الجامعة على احتياجاتهم، حيث يمدونهم بالأموال ويقدمون لهم أشكالا مختلفة من الدعم الاجتماعى لإغرائهم بالانضمام إليهم فى الوقت الذى يسهل فيه عزف هذه النغمة لدى أبناء المناطق الفقيرة الذين يحتاجون طوال الوقت إلى الدعم الاجتماعى، بينما تضعف عليهم رقابة الأهل الذين يدفعون الثمن فى النهاية بضياع أبنائهم.
«خدوا حلم عمرى وشقا سنينى وتعبى»، كلمات باكية حطمت قلب أم بعد أن استقطبت الجماعات الشيطانية فلذة كبدها، ليصبح ابنها الذى أطعمته من جسدها، سببا للمعاناة والأسى، إنها حالة تكررت كثيرا خلال الأشهر الماضية، بل هى غيض من فيض معاناة الأهالى الذين سقط أبناؤهم الطلاب فريسة الجماعات الإرهابية المتطرفة وعلى رأسها «داعش».
البداية كانت بثأر قوات الأمن لشهدائها من التكفيريين بمعركة الواحات فى السابع والعشرين من أكتوبر عام 2017، بتصفية 13 إرهابيا والقبض على الناجى الوحيد منهم، وهو ليبى الجنسية، أرشد عن العديد والعديد من الخلايا التكفيرية المختبئة والتى تهدف لإشعال وتدمير مقدرات الوطن.
أرشد إرهابى الواحات بعد القبض عليه عن عدد من الإرهابيين والخلايا النائمة التى كانت تمد الخلية التكفيرية بالواحات بالدعم اللوجيستى، ومن بين هؤلاء أحد التكفيريين ويدعى «محمد.ب» مقيم بمركز الخانكة بالقليوبية.
ألقت قوات الأمن القبض على المتهم بصحبة عدد آخر من معاونيه لاتهامه بمساعدة وإيواء عناصر تكفيرية تهدف لهدم استقرار البلاد. وكشفت التحريات عن تجنيد المتهم عددا من طلاب الثانوية العامة لصفوف تنظيم داعش الإرهابى، عن طريق تغيير أفكارهم وإقناعهم بأن الجهاد لابد أن يكون أمام أبناء جلدتهم، مستغلا بذلك عقلية شباب الريف البسيط واندفاعهم باسم الدين والدفاع عن الشريعة الإسلامية. ويأتى فى مقدمة الشباب الذين تم تجنيدهم الطالب «أ.عرابى» 17 عاما، والذى انضم لصفوف التظيم الإرهابى قبل تصفيته على أيدى رجال القوات المسلحة بسيناء.
وتعود قصة «أ.عرابى»، لمرور أسرته بضائقة مالية وتعثره فى دفع مصاريف الدروس الخاصة به، خصوصا أنه كان آنذاك بالصف الثالث الثانوى، فأرشده زميل له إلى «محمد.ب» بحجة أنه يساعد الطلاب المحتاجين، لم يكن أمام الطالب سوى قبول الفكرة لإنقاذ مستقبله، لكنه لم يكن يعلم أنه ذاهب إلى سمسار الجحيم دون رجعة.
بعد شهور قليلة بدأ «محمد.ب» فى استقطاب الطالب بالأفكار المتطرفة مستغلا هيئته الدينية، حيث حاول إقناع طالب الثانوية بأنه يجب أن يدافع عن دينه وعن الشريعة حتى أيقن بعقله أن الجهاد فى سيناء هو الطريق القصير للجنة.
«الزن على الودان أمرّ من السحر» مثل أطلقه أجدادنا لكنه كان هو مفتاح محمد لإقناع طالب الثانوية بالتطوع فى صفوف التنظيم الإرهابى والسفر إلى سيناء، لم يقنعه محمد فقط بأن الجيش والشرطة هم العدو، بل كل من يعارضه حتى طال التكفير أبويه، فتحول من طالب علم يرى المستقبل بأعين الطامحين، لشخص آخر يريد تدمير من أمامه.
تحول المنزل البسيط لبيت معتم ملىء بالحزن والحسرة، بعد سفر الابن الوحيد إلى صفوف داعش ليحارب أبناء جلدته، لكنه قبل أن يسافر قتل أبويه مرتين، مرة عندما قرر أن يتخلى عنهما، والأخرى عندما سرق كل متعلقات أبويه بعدما أقنعه محمد بأن الجهاد لابد له من تمويل من أى مصدر فهو حلال حتى وإن كان سرقة أبويه.
وقالت والدة «أ.عرابى» لـ«ليوم السابع» بكلمات باكية ونبرة تكاد أن تنقطع: «سرقوا منى نور عينى واللى عايشة عشانه، ابن بطنى كفرنى وقال لأبوه أنت دمك مباح، حسبى الله ونعم الوكيل فى اللى سرقوا منى حياتى، من يوم ما راح وأنا ميتة مش قادرة أدعى عليه ومش قادرة أدعيله، أهو راح للى خلقه، ربنا يجازيه على اللى عمله». وفى مركز الخانكة بالقليوبية، وقعت قصة أخرى، حيث سافر «خالد.خ» 17 عاما، إلى صفوف تنظيم داعش الإرهابى بعد وساطة من « محمد.ب» الراعى الرئيسى لتجنيد الشباب لصفوف التنظيم الإرهابى فى سيناء، فبعد أن كان خالد شابا يحتذى به فى الالتزام واحترام الآخرين وتفوقه فى دراسته، تحول بين ليلة وضحاها لشخص يكفر كل من حوله. وتعود قصة خالد، لالتزامه الدينى الطبيعى كأى مسلم بالصلاة داخل المسجد، إلى أن قابل سمسار الموت «محمد.ب» الذى أقنعه أن ما يحدث فى مصر كفر، بل قال له أيضا إنه يجب على الجميع أن يجاهد، وهو ما استجاب له خالد، وبالفعل سافر إلى سيناء قبل أن يلقى حتفه على يد رجال القوات المسلحة.
وقال والد خالد: «أنا مليش ابن خلاص، أنا مخلفتش عيال، ابنى لما يقتل أخواته ويكفرنى ميبقاش ابنى يبقى عدوى، دعيت عليه فى صلاة الفجر ربنا يقتص منه على اللى عمله فيا».
عالم الفتيات أيضا كان محورا للاستقطاب، فهناك أيضا طالبة الطب، التى تخلت عن والديها وأسرتها من أجل حلم داعش الذى راودها تحت اسم الجهاد ودعم المجاهدين.
وتعود قصة «مريم.غ»، 21 عاما، طالبة بكلية طب قصر العينى، ومقيمة بمركز الخانكة، إلى ارتدائها النقاب بعد عام واحد من التحاقها بكلية طب قصر العينى، ودعم «محمد.ب» لها بالإشادة بها خلال الدروس الدينية التى ألقاها بأحد المساجد داخل قريتها. وبعد مرور عام ونصف من التحاق مريم بكلية الطب، لاحظ والداها تغيرا كاملا فى سلوكها، والتزامها الشديد الذى وصل لحد التشدد.
فوجئ والد مريم صباح يوم الأحد 22 مارس 2017، برسالة خطية من ابنته تخبره فيها بأنها سافرت مع مجموعة مع زملائها لنصرة المجاهدين فى سيناء بقافلة طبية تضم عددا من الأطباء، والمساعدات العينية والتموينية، لم يدر الأب الذى خارت قواه ما يفعل، ففضل الصمت الملىء بالبكاء.
صدمة جديدة تلقاها الأب حينما سمع خبر مقتل ابنته وتدمير السيارة التى تحمل كل من معها على يد القوات المسلحة قبل وصولها لإرهابيى سيناء، الخبر أصاب قلب الأب الذى طالما حلم بقبلة على جبين ابنته يوم زفافها، فتحطم أمله على أيدى سماسرة الموت، فلا عادت ابنته له ولا نال حتى قبلتها وهى جثة داخل المقابر. وقالت والدة مريم: «كان قلبى حاسس أنها مش هتكمل معايا، أنا مش زعلانة خلاص، أنا ميتة والميت مبيحسش بحاجة، حتى جثتها مجاتش، أنا عارفة أنها غلطت، بس أنا أم ياريتنى مخلفتها ولا جت الدنيا».
وفى ذات السياق، أكد أهالى مركز الخانكة، أن هناك عددا من طلاب الثانوية العامة، والشباب صغير السن، تم تجنيدهم لصفوف تنظيم داعش الإرهابى، من خلال سمسار الموت «محمد.ب» الذى استغل ضعف وقلة خبرة واندفاع شباب القرية بالحديث المعسول والإمداد بالمال لاستقطابهم إلى عالم الذهاب إلى الجحيم.
التجنيد لا يقتصر فقط على الوسطاء، بل تستغل هذه الجماعات التكنولوجيا ومواقع التواصل الاجتماعى «فيس بوك» باللعب على أوتار: «البطالة.. الجهل.. الفقر.. الظُلم»، حيث تبدأ تلك الجماعات احتضان الشباب اليائس، كما تستغل الوازع الدينى لديهم لترسم فى عقولهم صورًا خاطئة عن الجهاد، وكلها تصب فى مصلحة أفكار الجماعات المُتطرفة.