لم يكن حلم العودة إلى الدولة العثمانية الذى داعب خيال الرئيس التركى رجب طيب أردوغان خلال السنوات العشر الأخيرة سهل المنال، وليصل أردوغان لمناله أتبع أساليب عديدة جميعها اعتمدت على الاحتلال، إما احتلال بالاستثمارات كما هو الحال فى عدد كبير من الدول الأفريقية، أو احتلال بالسلاح وانتهاك السيادة كما يفعل فى سوريا وشمال العراق، ولكل ذلك فاتورة باهظة لم يقوى الاقتصاد التركى على تحملها بعد أن كشفت مجموعة من التقارير مؤخرا عن تأثره بشكل كبير، ليسأل المراقبون من أين يأتى الرئيس التركى بالتمويل الذى يدفعه لتحقيق حلمه الاستعمارى.
الإجابة لا تحتاج إلى تفكير عميق، حيث أن التعاون المريب بين قطر وتركيا تعدى حدود الشراكة، حيث استطاعت تركيا بفكر رئيسها الانتهازى أن يجد فى الدوحة ضالته، تلك الإمارة الغنية التى قاطعها أهلها وعشيرتها بعدما خرجت عن الطوع العربى وراحت تعرض أمن جيرانها للخطر بدعمها للإرهاب، أصبحت فريسة سهلة فى مخالب الرئيس التركى الذى عرض اقتصاد بلاده للخطر لتحقيق أطماع شخصية، وراح أردوغان ينهل من أموال الشعب القطرى لتمويل مشاريعه فى المنطقتين العربية والأفريقية.
وأكد مراقبون أن قطر تحولت إلى ماكينة صراف آلى تنفق على أحلام الرئيس التركى، ففى الوقت الذى انخفضت فيه الليرة التركية لمستوى قياسيا يزيد على 4 ليرات للدولار وضخ البنك المركزى التركى 1.4 مليار دولار فى البنوك المحلية، فى مسعى لوقف تدهور الليرة، وارتفاع معدل البطالة إلى 10.4% فى الفترة من نوفمبر إلى يناير، نجد أن أردوغان يخوض حربا ظالمة على الأراضى السورية ليحتل عفرين ويخطط لعمليات فى أربع مدن جديدة مهددا الحدود العراقية باجتيازها عبر قواته، تلك الفجوة بين حقيقة تعرض الاقتصاد التركى لهزات قوية واستمرار النظام التركى فى عملياته يسدها الاقتصاد التركى.
فعلى سبيل المثال وبين ثنايا النزاع الذى انفجر مؤخراً بين تركيا وقبرص اليونانية حول مسألة استخراج الغاز فى البحر المتوسط، نجد أن هناك أنشطة تقوم بها شركة بترول قطرية " قطر بتروليوم " داخل المياة الإقليمية لقبرص اليونانية لم تتحدث عنها تركيا وغضت الطرف عنها، فى الوقت الذى انتقد فيه أردوغان أعمال التنقيب القبرصية فى الحقل الثالث وتزعم أنها "تنتهك حقوق القبارصة الأتراك فى الموارد".
غرابة الموقف التركي دفع أردوغان توبارك، أحد نواب حزب الشعب الجمهورى المعارض، للتساؤل فى تغريدة له على تويتر عن "سرّ صمت من أرسلوا طائرات المواد الغذائية والقوات العسكرية إلى قطر عن قيام أمير قطر بالاعتراف بقبرص اليونانية ومشاركته فى استخراج الغاز الطبيعي هناك"، فى حين قال عزيز كنوكمان، أستاذ الاقتصاد في جامعة غازى فى أنقرة، أن صمت الحكومة التركية سببه دعم مالى قطرى منتظر لتركيا.
وكشف كنوكمان فى تقارير اعلامية أن "أردوغان قادر على القول إن قطر مهمة بالنسبة لنا، وأنه لدينا التزامات سياسية واقتصادية مشتركة لذلك فإننا في مسألة قبرص اليونانية ننظر بشكل مختلف إلى الدور القطري هناك"، مضيفا أنه من المرجح أن أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني "عليه أن يدفع فاتورة ثقيلة مقابل الصمت التركي. ففى ظل الأوضاع الاقتصادية فى تركيا فإن الحكومة تحتاج إلى أى تمويل يأتيها من قطر".
وفى حين أشار موقع كيو بوست إلى قيام قطر بتمويل إعمار جزيرة "سواكن" السودانية، التى تم منح إدارتها لتركيا، والذى سيكلف قطر أكثر من 4 مليارات دولار، بحسب ما صرّح به وزير النقل السودانى مكاوى عوض، بعد لقائه مع وزير الاتصالات والنقل القطرى جاسم السليطى، كشف موقع "العرب مباشر" نقلا عن مصادر مطلعة أن قطر انفقت 60 مليون دولار مقابل تعزيز النفوذ التركى فى الصومال وعدم السماح لأية دولة أخرى بإقامة المشاريع دون موافقة تركيا على ذلك.
فيما أكدت تسريبات "ويكيليكس" أن قطر وتركيا تعبثان فى أمن الصومال، عبر تمويل الجماعات الإرهابية وإقامة قاعدة عسكرية، مشيرة إلى أن ممولون معروفون للإرهاب يعيشون في قطر لعبوا دورا محوريا في تمويل الحركة، المرتبطة بتنظيمي القاعدة وداعش، بشكل مباشر وغير مباشر، كشفت زيارات العلن التى أجراها أردوغان لثلاث مرات متتالية بداية من عام 2011 وحتى الآن الكثير من المسكوت عنه فى هذا الملف.
وفى وقت سابق، أعلنت تركيا افتتاح أكبر قاعدة عسكرية لها خارج حدودها في الصومال بالقرب من مطار مقديشيو، في مارس 2015، والتي تحتوي 3 مدارس عسكرية، ومخازن للأسلحة والذخيرة، وأبنية للإقامة، وتبلغ مساحتها 400 كيلو متر مربع، بتكلفة 50 مليون دولار، والتى تعد ثانى قاعدة عسكرية تقيمها أنقرة في الخارج بعد قاعدتها الأولى في قطر.
وعلى صعيد تمويل المشروعات فلقد أعلن حسن ماندال، رئيس مؤسسة البحوث العلمية والتكنولوجية التركية، خلال الشهر الحالى عزم تمويل الصندوق القطرى البحث العلمى فى تركيا بقيمة 5 ملايين ليرة تركية (1.3 مليون دولار).
وأشار ماندال فى حوار مع وكالة أنباء الأناضول التركية الرسمية، إلى استمرار التعاون في أعلى المستويات بين الجانبين، حيت سيتم في إطار اتفاق التعاون، دعم المشاريع التي تهدف إلى تطوير التكنولوجيا اللازمة لحماية البنية التحتية الحيوية للبنوك والمؤسسات الأخرى، وخطوط توزيع ونقل الطاقة الكهربائية، والاتصالات الإلكترونية.
كما وقعت القوات البحرية الأميرية القطرية، وشركة "الأناضول" التركية لتصنيع السفن، اتفاقية تقضي بتصنيع الثانية سفينتين حربيتين عملاقتين لصالح القوات القطرية.
وقال الرئيس التنفيذي لشركة "الأناضول" لتصنيع السفن، سوالب اوركميز "شركتنا ستقوم بتصنيع سفينتي تدريبات قتالية مسلحة لصالح البحرية القطرية"، وأضاف إن تصميم السفينتين سيكون حسب احتياجات القوات البحرية الأميرية القطرية، وتسع السفينة الواحدة لتدريب 72 فردا من قوات البحرية، ويمكن أن تستخدم في مهام أخرى كحاملة نفط أو كمهبط للمروحيات.
وفى ظل تلك التحركات قالت صحيفة العين الاخبارية إن تركيا تسارع خطواتها للاستحواذ على ما تبقى من الاقتصاد القطري لذي تضرر بشده نتيجة مقاطعة عربية لدعم الدوحة للإرهاب، ويؤكد اقتصاديون على أن تركيا المستفيد الأول من توسع نفوذ أنقرة داخل قطر، مشيرين إلى عثرات مزمنة تواجه الاقتصاد التركي وعجز رهبب في الموازنة حذر منها صندوق النقد الدولي.
وقال البنك المركزي التركي، إن العجز في ميزان المعاملات الجارية فاق التوقعات إذ بلغ 7.096 مليار دولار في يناير، وهبطت الليرة إلى 3.8054 مقابل الدولار بعد أن سجلت 3.8035 ، فقام وفد من مجلس العلاقات الاقتصادية الخارجية التركي بزيارة الدوحة قبل أيام، وتم عقد مجلس الأعمال القطري التركي، لتعلن قطر اعتزامها استثمار مبلغ 19 مليار دولار في تركيا خلال عام 2018، فيما وصل حجم التبادل التجاري بين البلدين خلال الأشهر الثمانية الأولى من عام 2017 إلى 634 مليون دولار.
وفى ظل تلك المعطيات أصبحت قطر فى ظل عنادها وبعدها عن محيطها العربى تحت سيطرة تركيا الكاملة، وأصبحت مقدرات الشعب القطرى فى يد أردوغان ينفق منها على حربه التوسعية فى سوريا والعراق، ويغذى بها مقدرات الدولة للتعليم والبحث العلمى، ويدفع منها لتمويل أحزاب الاخوان بالمنطقة وتنفيذ مشروعة القائم على نشر الإسلام السياسى.