المحافظة على المكتسبات
ففى تيار الإصلاحيين الداعمين الرئيسيين لتيار الرئيس الإيرانى حسن روحانى هناك توجه عام بأن تبقى البلاد فى الاتفاق النووى حتى لو خرج منه الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، محققين من وراء ذلك هدفين رئيسيين أولهما: تجنب التعرض لأية مخاطر حربية فى مواجهة الولايات المتحدة الأمريكية، وثانيهما: المحافظة على المكتسبات التجارية والاقتصادية تلك التى تم تشبيكها من الغرب وخاصة ان فرنسا على سبيل التحديد لديها فقط 6 مليارات يورو سائلة فى السوق الإيرانية.
هذا التحليل يدعمه ما قاله المحلل الروسى أندريه باكليتسكى، فى مقالة تحليلية له فى جريدة "كوميرسانت" إذ اكد أنه من خلال محادثاته مع كبار المسؤولين الإيرانيين، تشكل لديه انطباع بعدم وجود إجماع بين قيادة البلاد حول كيفية الرد على خروج الولايات المتحدة من الصفقة.
الخبير الروسى رصد أن الحفاظ على الفوائد الاقتصادية للاتفاقية يمكن أن يرجح كفة بقاء إيران فى الاتفاقية، مضيفا: "من أجل ذلك، يجب أن تكون أوروبا وروسيا الاتحادية والصين على استعداد لمقاومة موجة جديدة من العقوبات الأمريكية ومحاولات إبطال الاتفاقية فى مجلس الأمن الدولى".
تيار المحافظين
على الجانب الآخر من المشهد يبدو قرار الرئيس الأمريكى دونالد ترامب الانسحاب من الاتفاق النووى مواتيا وربما يمثل فرصة لا تتكرر لدى تيار المحافظين المناوئين لحسن روحانى والذين كانوا يدعمون خصمه فى المنافسة الرئاسية الماضية إبراهيم رئيسى، لأن خروج ترامب من الاتفاق معناه ضرب برنامج حسن روحانى الرئاسى فى مقتل.
على هذا الأساس فإن انسحاب ترامب يجمع المحافظين ضد روحانى ويفقده ما تبقى له من قاعدة شعبية على اعتبار أن الإنجاز الوحيد لروحانى هو التوصل إلى توقيع الاتفاق النووى يوم 14 يوليو 2015 ذلك الذى كان يستهدف من خلاله إعادة إدماج بلاده فى النظام المالى العالمى والنظام السياسى الدولى.
كما أن الانسحاب الأمريكى المتوقع أو المفترض سيجعل المحافظين ومنهم خطباء الجمع وكبار قادة الحرس الثورى يعتقدون أن سلوكهم المعادى للغرب وللولايات المتحدة الأمريكية هو الأنجع بغض النظر عن التوجهات النيوليبرالية للرئيس حسن روحانى وتوجهات المجموعة الوزارية الاقتصادية التى كانت تستهدف الانفتاح على الغرب ورفع العقوبات وتحويل اقتصاد البلاد من "الاقتصاد المقاوم" إلى اقتصاد "الليبرالية الجديدة".
روحانى فى خطر
المشهد الحالى يجعل كثير من خبراء مجتمع تحليل السياسات الإيرانية يرون أن موقف الرئيس حسن روحانى ـ مع انقسام الإصلاحيين والمحافظين ـ فى خطر، لأن المحافظين الآن يحظون بأغلبية فى البرلمان كما أنهم ما يزالون يمسكون بمقاليد السلطة فى الحرس الثورى والجيش والاستخبارات، وعليه لو فقد روحانى إنجازه الوحيد يوم 12 مايو الحالى فقد يواجه العزل السياسى أو على الأقل السخط المجتمعى.
وفى كل المشاهد سيؤدى الوضع الجديد المترتب على الخروج الأمريكى المفترض من الاتفاق إلى عودة كاملة لحسن روحانى على تيار المحافظين وخط المرشد الأعلى على خامنئى لمحاولة البقاء داخل إطار السلطة فى السنوات الثلاثة المقبلة بعيدا عن محاولات العزل والإقصاء تلك التى طالت كل (بدون استثناء) رؤساء إيران الذين تناوبوا على "سعد أباد" فى السنوات التسع والثلاثين المقبلة.
على كل حال يحظى المشهد الحالى بين إيران والغرب بحالة نادرة من التعقيد السياسى فى ظل اعتماد الطرفين على المعلومات غير المعلنة، تلك التى يتم تداولها فى التقارير الرسمية، بعيدا عن البيانات الصحفية والأخبار التى لا تكاد تخلو من بالونات اختبار ردود الفعل الداخلية والخارجية على حدٍ سواء.