اتساق ترامب السياسى
اتسق ترامب مع خطه السياسى وأعلن مجددا موقفه الثابت تجاه إيران وقال إنها "تهدد الاستقرار فى الشرق الأوسط وتدعم حماس وطالبان والقاعدة وتمول الإرهاب والفوضى وتعذب الأمريكان وتسجنهم"، وفى هذه العبارة الاستهلالية أراد ترامب التأسيس لقراره حول الانسحاب من الاتفاق.
وحاول ترامب استعراض مسيرة الاتفاق، وهى النقطة التى تحدث فيها قبل ذلك أكثر من مرة لكن الجديد هذه المرة هو أنه قال إن الاتفاقية تخدم طرفا واحدا وهو إيران ويمكن التوصل إلى تلك الصيغة من خلال العبارة التالية: "السلاح النووى كان يهدد بقاء النظام الإيرانى فقط، لكن إيران الآن بعد الاتفاق أصبحت على شفير الامتلاك النووى والآن لا حدود لسلوكياتها الخبيثة فى سوريا واليمن وأماكن أخرى فى العالم أجمع".
وواصل ترامب كلماته اللاذعة نحو انتقاد الاتفاقية نفسها، تلك التى تضمنت توجيه اللوم لإدارة سلفه الرئيس الأمريكى باراك أوباما، وفى هذا الصدد قال: "الاتفاقية كارثية لأنها منحت النظام مليارات الدولارات والبعض من هذه المليارات كان عبارة عن أموال سائلة"، ما يعنى أنه أراد تحميل "خطأ" توقيع الاتفاقية للإدارة التى سبقته مع علم أنه لم يكن جزءا من السلطة فى منتصف العام 2015.
"النظام الإيرانى مجرمٌ"
"النظام الإيرانى مجرم" هذه هى العبارة التى اختارها الرئيس ترامب لتوصيف حالة النظام الإيرانى الحالى وعلى هذا الأساس قال: "إنه إحراج كبير لى كمواطن أمريكى أن أقبل بهذه الاتفاقية"، ما يشير إلى أنه لا علاقات ستجرى بين واشنطن فى طهران طالما هذا النظام موجودا.
وقال ترامب بالحرف الواحد: "الوعد الإيرانى كان كذبا، لأن إسرائيل نشرت وثائق تؤكد أن إيران سعت للحصول على السلاح النووي، وأن الاتفاق النووى لم يحقق الاستقرار فى الشرق الأوسط، لأن ميزانية إيران العسكرية نمت بنحو 40% بينما الاقتصاد يعانى من مشكلات كبيرة".
وهو ما يعنى أن ترامب لا يستهدف بالمرة إقامة علاقة مع إيران وأن غضبه من موقف طهران الرافض لتعديل الاتفاق بلغ ذروته واتضح ذلك من خلال قوله: "حتى لو التزمت إيران بالكامل بالاتفاقية فقد كانت ضعيفة وأحكامها غير مقبولة".
وقف سباق التسلح
ومن خلال مقولته: "لو سمحت بالبقاء فى الاتفاقية سيكون ذلك مبررا لسباق تسلح وستطلب كل الدول فى الشرق الأوسط الحصول على سلاح نووى مثيل لإيران للتوازن العسكرى"، يمكن القول إن الضغوط العربية كانت أحد محركات القرار بالانسحاب من الاتفاق.
وعاد ترامب وانتقد بحد الاتفاقية ذاتها من خلال قوله: "أحكام التفتيش كانت ضعيفة جدا لاكتشاف الغش الإيرانى وعلى رأس ذلك المواقع المهمة بما فى ذلك المواقع العسكرية" وهنا تحدث ترامب عن دعوته السابقة لسماح إيران للمفتشين الدوليين بتفتيش موقع بارتشين العسكرى، قبل أن يتهم المتحدث باسم الخارجية المفتشين الدوليين بالتخابر لصالح وكالة الاستخبارات الأمريكية.
وختم ترامب خطابه التاريخى بأن أمريكا ملتزمة بالانسحاب من الاتفاق وإعادة فرض العقوبات إضافة إلى بفرض أعلى مستويات من العقوبات الاقتصادية وأمريكا تقف إلى جانب الشعب الإيرانى وأن العقوبات قد تشمل دولا أخرى متعاونة مع إيران، وهنا ترك المجال مفتوحا للإشارة إلى الصين والهند وروسيا وبعض الشركات الأوروبية.
حول الاتفاق النووى
وتوصلت القوى الدولية إلى الاتفاق النووى مع إيران على ثلاث مراحل بدأت فجر الرابع والعشرين من نوفمبر بالعام 2013 تحت صيغة "الاتفاق المؤقت"، مرورا باتفاق إطار العمل أو "اتفاق لوزان النووى" الذى تم توقيعه يوم 2 إبريل 2015، وانتهاء بخطة العمل الشاملة المشتركة أو الاتفاق النهائى الذى تم توقيعه فى فيينا ظهر الرابع عشر من يوليو 2015.
ومنذ اليوم لإعلان ترشحه لانتخابات الرئاسة الأمريكية، أعلن الرئيس الأمريكى عدم رضاه عن الاتفاق النووى، مؤكدا أنه أسوأ اتفاق قرأه فى حياته، متعهدا بإلغائه والتزام إدارته بثنى إيران عن سلوكها الإقليمى "المزعزع للاستقرار" وامتلاك السلاح النووى.
وفى الأشهر الأخيرة حاول الرئيس الأمريكى "الجمهورى" الضغط على إيران لإدخال تغييرات على الاتفاق، أو الحصول على اتفاق بديل أو اتفاق تكميلى، الذى أبرم فى عهد سلفه الرئيس "الديمقراطى" باراك أوباما، وأفضى إلى وضع إيران حدا لبرنامجها النووى مقابل تخفيف العقوبات المفروضة عليها تدريجيا، ودخل الاتفاق حيز التنفيذ بالفعل بناء على القرار الأممى 2231.
وقدّم ترامب أمس الاثنين موعد إعلان قراره النهائى بشأن خطة العمل الشاملة المشتركة (JCPOA) من السبت 12 مايو إلى اليوم الثلاثاء، فى وقت كانت الأنظار تتجه إلى موسكو وبروكسل للقيام بالمحاولة الأخيرة لإنقاذ الاتفاق، ما عنى أن الإدارة الأمريكية عازمة على المضى قدما فى تحقيق التزاماتها تجاه قضايا انخراط إيران فى ملفات الشرق الأوسط.