على الرغم من وضوح القرار السابق وما يكفله من حقوق تعليمية للأطفال ذوى الاحتياجات الخاصة إلا أن هناك بعض اوجه الخلل فى تطبيقه تبدأ من مرحلة إجراء اختبارات شفهية للقبول "مقابلات" فى مدارس الدمج تحديدًا الخاصة، والتى تُجرى على يد الاخصائيين الاجتماعيين بالمدرسة ويرى أولياء الأمور أنها اختبارات شكلية لا تقدم توصيفا دقيقا لحالة الطفل وأوجه احتياجاته وفقا لما جاء على لسان عدد من الأمهات.
"إياد" طفل توحد خضع لاختبارات الأسوياء فكانت النتيجة تأخر حالته
بدأت مشوارها مع طفلها مصاب "التوحد" منذ 13 عامًا، فى البداية خاضت معه رحلة علاجية داخل مصر وخارجها لتقف على توصيف دقيق لحالته يساعدها فى تدريبة على التكيف مع المتجمع المحيط، هذا ما حدث مع شيرين والدة الطفل إياد ذو الأنثى عشر عاما.
مرت حياة إياد التعليمية بمنعطفات عدة، كان آخرها تركه للدراسة والاكتفاء بحضور جلسات تنمية المهارات والتخاطب والتكامل الحسى تقول والدته: التحق إياد بمدرستين الأولى كانت عامة لدمج الأطفال ذوى القدرات الخاصة مع الأسوياء، ولكن كل ما كان يعنيهم هو المال مصاريف المدرسة وصلت تقريبًا 50 ألف جنيه، وعلى الرغم من معرفتهم المسبقة بتفاصيل حالته إلا أنهم لم يبدو أى اهتمام ولم يراعوها فى التعامل معه سواء من حيث المناهج التعليمية التى كانت تقدم له أو حتى نوعية الغذاء الذى يتناسب مع حالته الصحية.
"كانت اختبارات عادية للغاية نفس الأسئلة التى يتم طرحها على الأطفال الأسوياء أثناء التقديم للدخول فى أى مدرسة، بالإضافة إلى أنهم تغافلوا عن جلسات التخاطب وتنمية المهارات وأصبح كل ما يتم تقديمه لإياد مناهج عادية كالأطفال الأسوياء، ومن هنا تأكدت أن هذه المدرسة لن تساهم فى تحسن حالة ابنى لأنهم من الأساس ليسوا على دراية كافية بإصابته".. هكذا قالت شيرين عن الاختبارات التى خاضها طفلها للالتحاق بالمدرسة الأولى فى مساره التعليمى.
وتضيف: أما المدرسة التالية فكانت متخصصة اختبار الالتحاق الخاص بها كان على يد مجموعة من الأطباء النفسيين سألوا إياد أسئلة عديدة عن هواياته والرياضة المفضلة لديه وأسئلة تقيس درجة الذكاء والتحكم فى النفس، بالإضافة لاختبارات أخرى فى مجال الرسم والموسيقى، ولكن المشكلة فى هذه المدرسة أنه تم إيداع جميع الأطفال بإعاقتهم المختلفة فى فصل واحد أطفال التوحد مع مصابى متلازمة داون وهكذا.
أمام المشاكل السابقة قررت الأم أن تواظب فقط على حضور طفلها جلسات خارجية فى مراكز خاصة لتنمية مهاراته وتحسين لغة التخاطب لديه حتى أتم الثلاثة عشر عاما فوفرت له جلسات أخرى تتناسب مع المرحلة العمرية وتركز على جوانب أخرى مثل كيفية اعتماده على نفسه وتوجيه رغباته فى مرحلة المراهقة وتسمى بجلسات التكامل الحسى.
"يوسف" يعانى من فرط الحركة.. والمدرسة رفضته بحجة أنه خطر على زملائه
يوسف طفل فى الثانية عشر من عمره يعانى من طيف توحد وفرط حركة وتشتت انتباه، تقول والدته عن الاختبار الذى خضع له طفلها لدخول إحدى المدارس: كانت اختبارات شكلية لا تحتوى على أسئلة حقيقية تمكن السائلين من التفرقة بين المرض النفسى والعقلى والإعاقة فى البداية ينظروا للطفل الذى يعانى من فرط الحركة على أنه عديم الأدب ولا يمكن السيطرة عليه، وهذا مع حدث مع يوسف أتذكر جيدا عندما تواصلت معى مديرة المدرسة وطلبت منى أن احضر لأن ابنى يمثل خطرا على من حوله.
وعلى الرغم من أن كلمة الدمج تعنى إشراك الأطفال أصحاب القدرات الخاصة تدريجيًا مع أقرانهم الأسوياء، إلا أن مثل هذه المدارس تودع جميع الاطفال أصحاب الإعاقات المختلفة فى قسم مغلق يسمى قسم الحالات الخاصة.
وتابعت: لا توجد اختبارات حقيقية يستطيعوا من خلالها معرفة نوع الإصابة وكيفية التعامل معها، فهى اختبارات ذكاء وتقييم أولى على الشكل أو السلوك العام ولا توجد اختبارات لتحديد نسبة التوحد أو فرط الحركة على سبيل المثال، ويقتصر الأمر كله على رؤية الأخصائى الاجتماعى، والذى بدوره يحدد مسألة قبول الطفل من عدمها.
عندما لاحظت الأم تأخر حالة طفلها وعدم تحقيق أى تقدم يُذكر بعد دخوله المدرسة أخبرها القائمون على المكان أنها بحاجة لتعيين معلم خاص يرافق ابنها فى الحصص المدرسية ويساعده على إنجاز المهام المطلوبة منه shadow teacher مدرس الظل، وبالفعل استجابت الأم فما كان للطفل إلا وأن ساءت حالته أكثر.
"أحمد" طفل الداون رفضته المدرسة ونصحوا الأم بتعليمه فى المنزل
قصة أخرى بطلها طفل يدعى أحمد مصاب بمتلازمة داون ويبلغ من العمر 6 سنوات، تقول والدته: الاختبارات التى خضع لها ابنى ليلتحق بإحدى المدارس تسمى بالاختبارات البينية الصورة الخامسة، وهى اختبارات ذكاء ولكن مشكلتها الحقيقية من وجهة نظرى أنها تعجيزية بمعنى أنها لا تراعى قدرات الطفل الذى يخوضها، على سبيل المثال، قد يكون الطفل ذا مستوى ذكاء مقبول ولكنه فى الوقت نفسه متأخر فى النطق والعكس، وهذه سمات يتم إغفالها.
وتضيف الأم أمل درويش: من المفترض أن يتم أولا تدريب الطفل وتنمية مهاراته، وبعد ذلك تجرى له الاختبارات ولكننا للأسف نطبق الأمر عكسيا، فتكون النتيجة أن طفل مثل ابنى ذكى ولكنه لا يجيد الكلام فتم إدخاله فى الصف الأول الابتدائى، فى حين أن عمره العقلى مازال فى مرحلة التمهيدى "كى جى".
وتتابع: عندما اعترضت وطلبت إدخال ابنى مرحلة ما قبل المدرسة ليبدأ مع أقرانه فى نطق الحروف والأرقام أبلغونى أن هذا قرار وزارة التربية والتعليم أن الطفل الذى يبلغ من العمر 6 سنوات يتم قبوله فى الصف الأول الابتدائى وإذا رفضت تطبيق القرار ليس أمامى حل آخر سوى المكوث معه فى المنزل "خدى ابنك واقعدى علميه فى البيت".
أما محمد فلا تختلف قصته كثيرًا عن سابقيه حاليًا يدرس ابن الستة سنوات فى مدرسة دمج كلى، ولكن تقول والدته: المشكلة الحقيقية تكمن فى أمرين؛ أولها قلة عدد مدارس الدمج فى الأساس، وثانيها أن الاختبارات التى يخضع لها أبناؤنا اختبارات عادية للغاية، حيث يتم عرضه على الأخصائيين الاجتماعيين الذين يوجهوا له بعض الأسئلة كتلك التى توجه للطفل العادى، وهذا غير صحيح، فلابد من مراعاة الحالة الصحية والنفسية، وانعكاس ذلك على الأسئلة التى يتم توجيهها له.
وأضافت: بعض المدارس تتعامل بمنظور استثمارى فقط لا يشغلها سوى المال، فلا تجرى اختبارات عادلة تحدد مستوى الطفل ودرجة إدراكه، قائلة: "بعض المدارس تكون استثمارية بحتة ليس لديها أى مشكلة فى استقبال أى نوع أو عدد من الأطفال مثل الإتاوة".
وتعليقًا على هذا تقول الدكتورة مايسة فاضل، أستاذ علم النفس التربوى، هناك اختبارات رسمية معتمدة من قبل وزارة التربية والتعليم لقياس درجة الذكاء لدى طلاب ذوى الاحتياجات الخاصة لدخولهم مدارس الدمج، وهذه الاختبارات يتم إجراؤها فى المستشفيات الجامعية، وتتم بناء على العمر العقلى للأطفال، ولكن ما يحدث على أرض الواقع هو أن المدارس الخاصة تجرى اختبارات قبول هى فى الأصل اختبارات غير موضوعية يستخدموها لابتزاز أولياء الأمور وإرغامهم على دفع المصاريف الباهظة.
وأضافت: من المفترض أن تلزم الوزارة تلك المدارس بقبول النسبة المقررة للدمج لديهم وألا يتم إخضاعهم لأى اختبارات أخرى حتى لو شفهية حتى لا يصبح الأطفال وأولياء الأمور عرضة للأهواء الشخصية، قائلة: لابد أن يكون هناك قواعد خاصة بالقبول بغض النظر عن تلك الاختبارات، وتساءلت، لماذا هذا القدر من التعجيز لأولياء الأمور وأطفالهم ألا يستحق هؤلاء الصغار أن نرفق بهم ونرحمهم ونرعاهم بدلاً من الضغط عليهم.
ومن جانبها قالت الدكتورة أنجى مشهور مساعد وزير التربية والتعليم لشئون الإعاقة، اللائحة التنفيذية للمدارس الخاصة تلزمهم بإجراء مقابلات شفهية مع الطلاب قبل قبولهم، وهذا تفعله مع الأطفال الأسوياء وغير الأسوياء على حد سواء، وبالتالى لا يعقل أن نفرض عليهم أو نلزمهم بعدم إجراء هذه المقابلات، خاصة أن هناك بعض أولياء الأمور يقومون بتزوير شهادات الدمج لإجبار المدرسة على قبول أطفالهم.
وأضافت: شهادة الدمج الطبية الرسمية يرد فيها أن هذا الطفل يتخطى نسبة ذكاء 65% مما يؤهله لدخول مدارس دمج، والمشكلة هنا أن بعض المدارس يكون لها رؤية للقبول، وفى الوقت نفسه التقرير الطبى لا يلزم المدارس الخاصة بقبول طفل من عدمه، ومن ثم يصبح لهم حرية الاختيار.