وعلى الرغم من أن الحديث عن القناة يمثل محاولة واضحة من قبل النظام الحاكم فى تركيا لمغازلة الرأى العام التركى، فى ظل حالة الغضب الراهنة جراء تدهور الأوضاع الاقتصادية، إلا أنها فى واقع الأمر لا تصب سوى فى مصلحة أردوغان وزمرته من رجال الأعمال، خاصة وأن القناة المزمع انشاؤها تضر بمصلحة الفلاح والمواطن التركى بل وتدمر ألاف الهكتارات من الأراضى الزراعية، لصالح أبناء الطبقة العليا، حيث تتحول المنطقة المحيطة بالقناة الجديدة إلى مساكن فارهة تستهدف طبقات معينة فى المجتمع التركى.
قناة السويس الجديدة.. أردوغان يستلهم التجربة المصرية
توقيت الإعلان عن بدء المشروع، والذى يتزامن مع الأزمة الاقتصادية الطاحنة التى تعيشها أنقرة، ربما يحمل فى طياته استلهاما للتجربة المصرية التى أطلقها الرئيس عبد الفتاح السيسى، والذى استهل فترته الأولى، والتى تزامنت فى بدايتها مع العديد من التحديات الاقتصادية، بمشروع قناة السويس الجديدة، والتى كانت بمثابة انطلاقة للعديد من المشروعات التنموية التى شهدتها مصر وساهمت بصورة كبيرة فى القفزة التى حققها الاقتصاد المصرى، لتحقق مصر تنمية اقتصادية تقترب من الـ6% خلال 4 سنوات بعد توقف دام لسنوات.
قناة السويس الجديدة .. مشروع مصر الذى أعطى إشارة الانطلاق للتنمية
ولعل ارتباط إعلان أردوغان عن بدء المشروع، بالأوضاع الاقتصادية التى تشهدها تركيا، يحمل فى طياته رسالة طمأنة للداخل التركى، والذى لم تعد لديه الثقة فى قدرة أردوغان على الخروج بالبلاد إلى بر الأمان، وبالتالى فهو يحاول محاكاة النموذج المصرى الناجح، الذى سبق وأن هاجمه عبر أذرعه الإعلامية والإخوانية، لطمأنة الشعب التركى، فى ظل حالة الغضب التى يعيشها المواطن التركى فى المرحلة الراهنة بسبب فشل الحكومة التركية فى التعاطى مع الأزمة، بسبب التعنت فى التعامل مع الكثير من القضايا، أهمها الخلاف مع الولايات المتحدة حول الإفراج عن القس الأمريكى المحتجز أندرو روبنسون، بالإضافة إلى التخلى عن طموحات السيطرة والنفوذ الذى يسعى إليها الخليفة المزعوم.
إلا أن الإعلان التركى يمثل فى حقيقته دليلا دامغا على كذب الإدعاءات التى طالما روجتها تركيا وأذرعها طيلة سنوات، فى محاولات يائسة لإثارة الشكوك فى جدوى المشروع المصرى، وتقويض ثقة المصريين فى قيادتهم، وهو ما يساهم بصورة كبيرة فى تشويه صورة الديكتاتور التركى أمام شعبه من جديد، بسبب أكاذيبه، خاصة وأن المشروع الجديد ربما يأتى لاستلهام النموذج المصرى من أجل تحقيق التنمية الاقتصادية.
المشروع المجنون.. طموحات أردوغان تهيمن على مشروعاته الاقتصادية
والحديث عن القناة التركية الجديدة ربما ارتبط بالطموحات السياسية لأردوغان، فعندما تحدث الديكتاتور عن هذا المشروع لأول مرة فى أبريل 2011، كان يحاول بسط قبضته على السلطة، لاسترضاء قطاع عريض أبناء الشعب التركى، وذلك قبل الانتخابات التشريعية التى شهدتها تركيا فى يونيو 2011، حيث وصفه آنذاك بالمشروع المجنون، الذى سيجلب استثمارات والعديد من المشروعات السكنية التى من شأنها تحقيق مصلحة المواطنين الأتراك.
والملفت للانتباه أن الموعد الذى وضعه الديكتاتور لمشروعه "المجنون" فى ذلك الوقت، حيث أعلن أن المشروع سوف ينطلق فى عام 2023، هو ما يعكس خططه للبقاء فى السلطة لسنوات طويلة، وبالتالى فإن استدعاء فكرة القناة فى التوقيت الراهن ربما يرتبط بالمعطيات فى الداخل التركى، والتى تتمثل فى انهيار الأوضاع الاقتصادية، وانهيار شعبية الحكومة بين المواطنين الأتراك، وهو ما يعكس الطبيعة السياسية للمشروعات الاقتصادية التى يعلنها النظام التركى، والتى ترتبط ببقائهم فى السلطة.
لعبة البيزنس.. الفلاح التركى الخاسر الأكبر من مشروع أدروغان
ولكن تبقى التساؤلات حول ما إذا كان المشروع التركى الجديد سوف ينجح فى تحقيق أهدافه المنشودة، خاصة وأن حديث أردوغان عن المشروع فى 2011، ارتبط فى المقام الأول بمغازلة رجال الأعمال، والذين سوف تخصص لهم المنطقة المجاورة لبناء المنتجعات والمساكن الفارهة، وهو الأمر الذى يضر بمصلحة الفلاح التركى، خاصة وأن انطلاق المشروع يرتبط بانتشار الجرافات لتجريف الأراضى الزراعية، وتهجير سكان المنطقة ليحل محلهم أبناء الطبقات العليا فى المجتمع.
المشروع الجديد يضر بمصالح الفلاحين فى تركيا
المشروع التركى ربما يمثل فى جوهره انتهاكا لحقوق الفلاح التركى، الذى اعتبره مؤسس تركيا الحديثة مصطفى كمال أتاتورك أنه "سيد الأمة"، بل ودافع عنه السلطان العثمانى محمد الفاتح، بقوله "من يقطع فرع شجرة فى تركيا.. سوف أقطع رأسه فورا"، وبالتالى فإن المشروع الجديد يمثل ليس فقط انقلابا على مبادئ أتاتورك التى طالما ما تشدق بها أردوغان، ولكنه يمثل كذلك انقلابا على مبادئ الخلافة التى يتوهم فى قدرته على استعادتها.
ولا تتوقف أضرار المشروع التركى الجديد على مجرد الإضرار بالمواطن والفلاح فى تركيا، وإنما يمتد كذلك إلى كذلك إلى البيئة، حيث سبق وأن انتقده بوضوح رئيس مجلس إدارة اتحاد غرف المهندسين الأتراك أمين كوراماز، حيث أكد أن المشروع يفتقد معايير الجودة العلمية حيث سيترك تداعيات كارثية سواء من الناحية الجغرافية أو البيئية أو المدنية أو الثقافية، كما أنه سوف لا يؤدى إلى جدوى اقتصادية، بل أنه سيكبد خزينة البلاد تكاليف باهظة دون جدوى.