"المترو"، بيئة خصبة لأطفال الشوارع المتسولين ينتعشون فيه، حيث لا يكاد يخلو قطار من متسولين واثنين وثلاثة، يتسابقون فى استجداء الركاب "الغلابة" الذين هرعوا للمترو لعدم امتلاكهم أجرة "التاكسى”، فتكتشف أن "غلبان" يطلب المساعدة من "غلبان"!!.
الأمر لم يتوقف على المترو، وإنما خارجه تجد مشهدا مبكيا، عندما تشاهد أطفالا فى إشارة مرور يستجدون المارة، أو يتوقفون على الطريق الدائرى، لا يبالون بحرارة الشمس الحارقة أو السيارات التى تتحرك بسرعة جنونية، تقف ورائهم عصابات خطيرة، تحركهم فى الشوارع مقابل "علبة كشرى” وبضعة جنيهات نهاية كل يوم، وما أن يعودوا لأماكن نومهم، للراحة بعض الوقت، ينهش المجرمون جسدهم جنسياً.
الأجهزة الأمنية لم تقف مكتوفة الأيدى أمام هذه الظاهرة، حيث ضبطت 609 قضايا تسول وأطفال شوارع خلال شهر واحد، وهو رقم مخيف، يتطلب تدخل الجهات المعنية، فالحل الأمنى بمفرده لن يقضى على الظاهرة، وإنما يحتاج لتدخل باقى الجهات لاحتواء المحتاجين وتقديم الدعم المالى والمساعدات لمن يحتاج بالفعل، من خلال الجمعيات الخيرية التى يجمع معظمها المال ولا يعرف أحد مصادر إنفاقه، وتدخل إعلامى للتوعية بخطورة موضة التسول لغير المحتاجين.
القانون 49 لسنة 1933، من قانون العقوبات، المعروف باسم قانون التسول، نص فى مادته رقم 1 على المعاقبة بالحبس مدة لا تجاوز شهرين كل شخص صحيح البنية ذكرًا كان أم أنثى يبلغ عمره 15 سنة أو أكثر وجد متسولاً فى الطريق العام أو المحال العمومية ولو ادعى أو تظاهر بأداء خدمة للغير أو عرض ألعاب أو بيع أى شىء"، فيما تنص المادة رقم 6 من القانون على أنه يعاقب بالحبس مدة لا تتجاوز 3 شهور كل من أغرى الأحداث الذين تقل سنهم عن خمسة عشرة سنة على التسول، وكل من استخدم صغيرا فى هذه السن أو سلعة لآخر بغرض التسول وإذا كان المتهم وليا أو وصيا على الصغير أو مكلفا بملاحظته تكون العقوبة بالحبس من ثلاثة شهور إلى ستة شهور".
"برلمانى" حاور عددا من أطفال الشوارع، فى عدة مناطق برمسيس وميدان الرماية وعلى الطريق الدائرى وبمحيط جامعة القاهرة، حيث تحدثوا عن حياتهم وقصصهم، التى لم تختلف كثيراً عن بعضها، فقد تشابهت الظروف والأحداث، وتنوعت فقط الأسماء.
"حازم.م" طفل صغير لم يتخط عامه السادس، يتحرك بين السيارات التى بسرعة جنونية على الطريق الدائرى، لا يهاب الموت ولا يخشى أن تصدمه سيارة، وما أن تهدأ سرعة السيارات بسبب الزحام المرورى فى وقت الذورة، حتى يبدأ فى استجداء المارة بسلع "تافهة" تارة يحمل "علبة مناديل" وتارة أخرى يحمل معطر للسيارة، ليتعاطف معه الجميع ويعطوه "ما فيه النصيب" قبل أن يتحركوا بسياراتهم.
الطفل الصغير لا يعرف كثيراً عن أسرته، بحد قوله لـ"برلمانى"، وكل ما يعرفه فى الدنيا أنه يجمع الأموال ويضعها فى نهاية اليوم بين يد سيدة، تمنحه علبة كشرى مكافأة لتعبه على مدار اليوم، ليذهب يستريح بين مجموعة من أطفال الشوارع فى غرفة صغيرة استأجرتها لهم السيدة.
"زيزو" الذى رفض الافصاح عن اسمه الحقيقى لـ"اليوم السابع"، والذى يتواجد باستمرار عند وصلة صفط اللبن قبل طلعة الطريق الدائرى، كشف العالم السرى لأطفال الشوارع، ما بين انتهاكات جسدية يتعرضون لها من قبل بعض المسجلين خطر، وتعذيب وتهديد بالقتل، مؤكداً أن هناك العشرات من الأطفال ضحايا التفكك الأسرى والنسب المجهول والعلاقات غير الشرعية، وأنهم لم يجدوا ملاذاً لهم سوى الشارع.
وبسؤال الطفل عن سبب رفضهم للاستجابة لمبادرات الجهات المعنية مثل وزارة التضامن لوضعهم فى دور رعاية تضمن لهم حياة كريمة، أكد الطفل أن أطفال الشوارع دأبوا على السكة "الشمال"، وبعضهم يجنح للسرقة وتعاطى المخدرات، لذا فإنهم يتهربون من دور الرعاية التى تحاول أن تصنع منهم أشخاصا أسوياء مفيدين للمجتمع.
بدوره، قال حازم الملاح المتحدث باسم مشروع أطفال بلا مأوى بوزارة التضامن، إن هناك توجيهات صارمة من الدكتورة غادة والى باحتواء أطفال الشوارع ونقلهم لدور رعاية، لإعادة تأهيلهم وتعليمهم وتوفير حياة كريمة لهم.
وأضاف الملاح، فى تصريحات لـ"برلمانى"، أن حملاتنا تستهدف نحو 16 ألف طفل شارع، ونجحنا فى الفترة الماضية فى نقل الآلاف من الأطفال لدور رعاية مجهزة بأحدث الأساليب وذلك بالتعاون مع صندوق تحيا مصر، وهدفنا عدم وجود أطفال شوارع فى مصر.
وأمنياً، أكد اللواء د.علاء الدين عبد المجيد الخبير الأمنى، أن أطفال الشوارع خطر على الأمن العام، حيث يتم استغلالهم فى العديد من الجرائم مثل السرقات والتسول، وفى بعض الأحيان بنزع أعضاءهم.
وأضاف الخبير الأمنى، فى تصريحات لـ"برلمانى" أن وزارة الداخلية متمثلة فى مباحث الأحداث تبذل جهود كبيرة فى هذا الشأن، ويتم يومياً ضبط العديد من قضايا أطفال الشوارع، حيث تحولهم الجهات المعنية بعد ذلك لدور رعاية تليق بهم، ويتم تعليمهم بشكل جيد، حتى يصبحوا أشخاصا نافعين للمجتمع ونتفادى جرائمهم.