فكرة الغزو التركى إلى سوريا ليست جديدة ولكنها تسيطر على العقول السياسية التركية، وخاصة الرئيس التركى رجب طيب أردوغان الذى تراوده والتى ينظر خلالها إلى سوريا باعتبارها جزء مقتطع من الإمبراطورية العثمانية التى أنهارت مطلع القرن العشرين.
وتحاول السلطات التركية توسيع رقعة نفوذها فى الأراضى السورية تحت ذريعة محاربة تنظيم داعش الإرهابى، وتحجيم أى دور للأكراد، وسيطرت أنقرة على عدد من المدن والبلدات فى الشمال السورى منذ إطلاق أنقرة لعملية درع الفرات فى أغسطس 2016، ودخلت الدبابات التركية للأراضى السورية لأول مرة منذ عقود.
وتمارس وسائل الإعلام التركية عملية تضليل ودعم لتحركات أردوغان فى الأراضى السورية، وروج الإعلام التركى لوجود وثائق تثبت أحقية أنقرة فى بسط سيطرتها على أكثر من 15 قرية سوريا فى إدلب المتاخمة لحدود تركيا وعدد من المحافظات السورية الأخرى.
ودفع الجيش التركى بتعزيزات عسكرية ضخمة إلى سوريا لإنشاء مناطق مراقبة على طريق الدول بين محافظة إدلب والحدود السورية مع تركيا والحدود السورية مع الأردن، وذلك لبسط أنقرة سيطرتها الكاملة على تلك المنطقة عبر القوات العسكرية التى تسعى للبقاء لفترة أطول داخل المدن والبلدات السورية.
التحركات التركية فى شمال سوريا وخاصة فى مدينتى جرابلس ومنبج فى محافظة حلب، استندت على عدد من الوثائق العثمانية التى تروج لأحقية أنقرة فى الهيمنة على المدينتين، فيما روج الإعلام التركى لوجود مقابر لقادة عثمانيين فى مناطق أخرى شمالى سوريا، وذلك لإعطاء الرئيس التركى رجب طيب أردوغان ذريعة للسيطرة على تلك المدن السورية.
ولم تتوقف الأطماع التركية فى سوريا يوميا سواء فى عفرين أو حلب، وتستخدم تركيا ورقة "محاربة الإرهاب" فى السيطرة على المدن والبلدات السورية، والترويج لأخطار تواجد الجماعات المسلحة الكردية شمالى سوريا، والتى تعتبرها تركيا امتدادا لحزب العمال الكردستانى الذى تحظره أنقرة.
التحركات العسكرية التركية فى سوريا، تهدف إلى الهيمنة على أكبر عدد من المدن السورية، وكان الرئيس التركى رجب طيب أردوغان قد هدد بدخول قوات تركية إلى شمالى العراق بذريعة تطهيره من القوات الكردية، وهو ما يكشف النوايا الحقيقية لتركيا التى تريد نهب ثروات السوريين والهيمنة على المدن السورية.
وجاء تصريح أردوغان قبل يومين بشأن استعداد جيشه لشن عمليات "أكثر فاعلية" شرقى نهر الفرات، حيث تتمركز وحدات حماية الشعب الكردية، ليزيد المخاوف من التمدد التركى فى سوريا، الآخذ فى الاتساع على مدار أكثر من عامين.
يمتد تاريخ الصراع التركى ـ السورى إلى فترة حكم مصطفى كمال أتاتورك الذى خطط لإعادة سوريا إلى الحاضنة التركية، وخاض المعارك ضد الفرنسيين المنتدبين على سوريا آنذاك، وتمكن من ضم عدة أراض واسعة من الشمال السورى إلى تركيا خلافا لما نصت عليه اتفاقية سيفر لعام 1920 التى رسمت حدود سوريا، والتى جعلت الحد الفاصل بين سوريا وتركيا خطا يبدأ من غرب مدينة "جيهان" ويمتد شرقا على مسار خط سكة الحديد التى كانت تمر إلى الشمال من عنتاب وأورفة وماردين وصولا إلى نهر دجلة.
لم يقتصر التدخل التركى فى سوريا على سرقة الأراضى فقد، بل امتدت الهيمنة التركية لتشمل الكتب المدرسية ولافتات الطرق والمؤسسات العامة التى باتت تعج باللغة التركية داخل سوريا.
وقالت وكالة الأنباء الفرنسية، إن جدار مبنى المجلس المحلى بمدينة أعزاز السورية فى حلب تتصدرها عبارة مكتوبة باللغتين العربية والتركية "التآخى ليس له حدود، وإلى جانبها رسم للعلم التركى وراية للمعارضة السورية".
فيما وجدت المؤسسات الحكومية التركية والشركات الخاصة فرصة للتواجد فى سوريا عبر ضخ المزيد من الأموال فى مشروعات شمالى سوريا، وأنشأت تركيا شبكة كهرباء فى مدينة جرابلس، ورفعت الأعلام التركية وصورة رجب طيب أردوغان على جدار مستشفى تركى فى المدينة.
فيما تنتشر البضائع التركية فى سوق أعزاز بشكل كبير من حلويات وثياب ومواد تنظيف والعديد من السلع الأساسية، ويحصل بعض السكان السوريين على البضائع عبر "المديرية العامة للبريد التركية" الرسمية، التى فتحت مكتبا لها فى مدينة أعزاز يعمل فيه موظفون أتراك وسوريون.
وتمثل القوى الكردية عقبة فى طريق الرئيس التركى رجب طيب أردوغان لتنفيذ مخططه الخبيث، لذا تسعى القوات التركية لاستهداف معسكرات القوات الكردية فى شمال سوريا والعراق، وفى إطار عملياتها العسكرية ضد الأكراد فى سوريا، أعلنت وسائل إعلام تركية مقتل أربعة مسلحين أكراد عقب إطلاق القوات التركية لقذائف عبر الحدود على منطقة عين العرب فى شمال سوريا.
وأسفرت الضربات التركية عن إصابة ستة مسلحين آخرين فى عين العرب، فيما أفاد المرصد السورى لحقوق الإنسان أن القصف التركى الجديد من قبل القوات التركية استهدف قريتى كور على وسليم، ما تسبب بأضرار مادية، وبوقوع عدد من الجرحى من مقاتلى قوات الدفاع الذاتى.
والأحد الماضى، قصفت المدفعية التركية، "ملاجئ" تابعة للقوات الكردية التى تدعمها الولايات المتحدة وتعتبرها أنقرة "إرهابية" فى شمال سوريا.