ماذا تعنى هذه النتيجة بالنسبة لطهران؟
بعض المحافل السياسية الإيرانية لديها اعتقاد وتأمل فى أن تؤدى هذه النتائج إلى إضعاف قبضة الرئيس دونالد ترامب وفى النهاية تقليل حجم الضغوط على إيران، ولديهم قناعة بأن الديمقراطيين الذين خرج من بينهم الرئيس السابق باراك أوباما صاحب سياسة المهادنة مع طهران وصاحب أكبر صفقة وهي الاتفاق النووى المعروف بـ (خطة العمل الشاملة المشتركة) فى عام 2015، والغاضبون من تدمير ساكن البيت الابيض الجديد "ترامب" للصفقة فى 8 مايو 2018، فى حال تعزيز سلطتهم فى مجلس النواب قد يعارضون ترامب فى سياساته.
وأصحاب هذه الرؤية يعوّلون على إثارة انقساما فى الكونجرس في السنتين المقبلتين من فترة رئاسة ترامب، وبالنسبة لهم يعتقدون أن الديمقراطيون قد يسعون لقلب المعادلة، لمنع ترامب من فرض سياساته، لكن كان من الممكن أن تصح هذه الرؤية فى حال فاز الديمقراطيين في انتخابات التجديد النصفي وسيطروا على مجلس الشيوخ والنواب، وقتها فإنهم سيحاصرون ترامب في البيت الأبيض وسيكبلون يديه في عدد كبير من الملفات.
أما صانع القرار الإيرانى فيتفهم جيدا أن نتائج انتخابات التجديد النصفى لن تكون ميزان الربح والخسارة بالنسبة لهم فيما يخص بتعاطى الإدارة الأمريكية مع طهران، وأن صعود الديمقراطيين لا يعنى حدوث أى تغيير فى سياسيات الإدارة الأمريكية المتشددة حيال طهران، ويرى أنه لا يوجد ما يمكنهم فعله لتغيير السياسة طالما يسيطر الجمهوريون على البيت الأبيض فحسب، بل هو على قناعة بأنهم عاجزين على إدخال تغييرات ملموسة في الأجندة السياسية للرئيس الأمريكى لإنقسام هذا المعسكر على نفسه أصلا.
وينظر داخل إيران إلي هذا المعسكر (الديمقراطى) فى الوقت نفسه، أنه قد يكون ورقة رابحة لطهران، فقد يمثلون صداعا فى الرأس لترامب، يزيد من التعقيدات أمام البيت الأبيض في عدد من القضايا الداخلية والتى قد تشغل ترامب عن مواجهة طهران، فبدلا من أن تنصب جهود البيت الأبيض فقط على إيران، وجود الجمهوريين يفتح جبهة جديدة تضاف إلى جبهات المواجهة الداخلية أمام الرئيس الأمريكى، لكن سياسة إحتواء الخصوم التى ينتهجها الرئيس الأمريكى قد تجهض هذه الرؤية الإيرانية، ففى الساعات الأولى لظهور النتائج أشاد الرئيس الأمريكي، بالانتخابات ووصفها بأنها "نجاح هائل"، وذلك على الرغم من خسارة حزبه الجمهوري السيطرة على مجلس النواب.
طهران لا تثق فى الجمهوريين أو الديمقراطيين
ومن زاوية أخرى، فان مسئولى طهران لاسيما المسئولين الذين احتكوا بشكل كبير بالمسئولين الأمريكيين وربطتهم لقاءات متعددة، كفريق التفاوض النووى الإيرانى، والذى يترأسه وزير الخارجية جواد ظريف، لديه قناعة بأنه لا يمكن التعويل على أى من المعسكريين فى الولايات المتحدة جمهورى كان أو ديمقراطى، فعشية الانتخابات الأمريكية، قال ظريف فى تسجيل مصور، بعث من خلاله رسائل للداخل والخارجية الإيرانى، وفى معرض حديثه عن السياسيات الأمريكية تجاه بلاده أن "الحكومات الأمريكية السابقة كانت قد بدأت أيضا بلهجة ترامب وبمبدأ عدم الاحترام للشعب الإيراني ولكن كلما أصبحت أكثر خبرة في عملها فقد تغيرت سياساتها ولهجتها تجاه إيران".
من خلال تصريح ظريف وتصريحات مسئولين إيرانيين فى مناسبات عديدة، يمكن قراءة استمرار حالة عدم الثقة بين مسئولى طهران وواشنطن، سواء كان المسيطر على البيت الأبيض الحزب الديمقراطى أو الجمهورى، وازدادت حالة عدم الثقة هذه مع انسحاب ترامب من الاتفاق النووى، والتى لم تنته بشكل كامل بعد توقيع الاتفاق النووى يوليو 2015، فروحانى خرج فى سبتمبر 2015 أى بعد شهرين من التوقيع في مقابلة مع شبكة (سي.بي.إس) التلفزيونية الأمريكية اعتبر أن "الولايات المتحدة والجمهورية الإسلامية خففتا أجواء العداء بينهما بعد الاتفاق النووي، وإن ظلت أجواء عدم الثقة قائمة"، لذا يمكن استنتاج أن مسئولى إيران أدركوا أن توجهات الإدارة الأمريكية تتغير وفقا لميول سكان البيت الأبيض السياسية وعليه لا يمكن الثفة فى أى إدارة.
استحضار "انتظار الفرج" من العقيدة الشيعية
وفى ظل حالة التوتر بين البلدين والتصعيد وسياسة "ممارسة الضغوط القصوى"، التى تنتهجها إدارة ترامب على إيران، يبقى لإيران استراتيجية "انتظار الفرج"، ما يعنى إضفاء العامل المذهبى الشيعى الذى أصبح سمة من سمات الشخصية الإيرانية المنتظرة "للفرج" وظهور المهدى المنتظر المخلص من الجور والظلم الذى ملأ الدنيا، واستحضار هذا العامل فى صراعها مع الولايات المتحدة، فعلى الأرجح ستغلب سياسة انتظار الفرج على الشخصية الإيرانية التى تستمد من هذه العقيدة الشيعية سمة الصبر التى جعلتها تبرع فى حياكة سجادة واحدة لسنوات دون أن ينتابها الملل، وعليه ستنتظر طهران رحيل ترامب الذى أمامه عامين، فضلا عن احتمال نجاحة فى ولاية رئاسية جديدة فى 2020.
صعود الديمقراطيين لا يؤثر على سياسات ترامب تجاه إيران
محللون إيرانيون لديهم نظرة أكثر واقعية للصراع بين إيران والولايات المتحدة، ويقول محلل الشئون الأمريكية الإيرانى على بيجدلى، "بشكل عام لا يمكن القول إنه فى حال فاز الديمقراطيين فى انتخابات التجديد النصفى سوف يترك ذلك أثرا على قرارات ترامب بشأن السيناريوهات المعدة ضد طهران، لذا فإن السياسات الأمريكية لن تتغير بعد الانتخابات" لكنه رأى فى مقابلة مع وكالة إيلنا العمالية الإصلاحية، أن فقط القضايا الداخلية هى التى ستتغير وفقا لمصالح المعسكر الجمهورى.
أمير هوشنج كوشش المحلل السياسى الإيرانى، قال إن فوز الليبراليين ودخولهم لمجلس النواب لا يمكن أن يؤثر بشكل كبير على سياسات ترامب.. الواقع أن فوز الديمقراطيين لن يغير من توجه البيت الأبيض وسياسيات ترامب تجاه إيران، إلا لو سيطر الديمقراطيون على المجلسين النواب والشيوخ، ففى هذه الحالة من الممكن أن تخلق مشكلات عديدة لترامب".
وهناك احتمالية أن تستغل طهران فشل الجمهوريون فى السيطرة على مجلس النواب وتعمل على تضخيم النتيجة، والترويج لها وكأنها دليل على ضعف ترامب، بحسب أحمد زيد أبادى المحلل السياسى والصحفى الإيرانى الذى أمضى وقتا كبيرا فى السجون الإيرانية ومنع من ممارسة الصحافة، ويقول أبادى أن"حصول الديقراطيين على الأغلبية سيؤثر على العلاقات الداخلية للسلطة فى أمريكا وسيقوض إلى حد ما حرية إدارة ترامب فى بعض القضايا الاقتصادية والاجتماعية، وبخلاف ما تراه المحافل السياسية فى إيران لن يؤثر ذلك على سياسة الولايات المتحدة الخارجية ولاسيما حيال العقوبات المشددة على طهران".