جاء التعديل رقم 18 لآخر مسودة لقانون التأمين الصحى، الذى استغرق إعداده أكثر من 15 سنة قامت بصياغته فى هذه المدة 10 حكومات و8 وزراء صحة.
القانون الذى تقدمت به الحكومة لمجلس النواب للموافقة عليه جاء هذه المرة ليؤكد أن (بصمات) البنك الدولى و(توصيات) هيئة المعونة الأمريكية مازالت قائمة (إلا قليلا) وأنه لا خلاف بين حكومات ما قبل وبعد الثورتين على ذلك.
وجاءت مواد القانون الـ56 لم تلب كثيرا من طموحات وآمال الشعب المصرى فى احترام وحماية الحق فى الصحة وإن لم يتم التأكيد على دور الدولة الكامل والشامل فى هذا المجال.
مزايا مشروع قانون التأمين الصحى الجديد
كشف المركز المصرى للحق فى الدواء، عن دراسة حول المسودة الأخيرة للقانون تؤكد أن القائمين على صياغة القانون أنجزوا ميزة مهمة للتغلب على البيروقراطية باتخاذ الرقم القومى دليل لتقديم الخدمة العلاجية فورا إذ يرتبط رقم التأمين الصحي بالرقم القومي، وأكد القانون على الرقابة والمتابعة فى معظم مراحل تقديم الخدمة للمريض.
كما تضمن القانون إنشاء ملف إلكترونى لكل مريض يسجل حالته المرضية وهذا سوف يكون بداية حقيقية لرسم خريطة واضحة للأمراض فى مصر بعد مطالبات للمجتمع المدنى منذ سنوات تعتمد على انتشار (المرض والتكلفة، والتغطية العلاجية) حتى يسهل اتخاذ أى قرار.
وهناك نقطة مضيئة أخرى فى القانون إذ اختلفت هذه المسودة عن مثيلتها السابقة فى تجسيد أن القانون للأسرة وليس للفرد، وهذا دور هام للدولة كانت تحاول التهرب منه فى الصياغات السابقة، لأنه أكد أن نظام التأمين إلزامي، وأن وحدة التغطية هى الأسرة وليس الفرد كما فى النظام السابق.
كما تميز القانون بشمول الفئات غير المسجلة رسميا ولكن بشكل غير كامل وبشكل مبهم دون تفسيرات ولكنها تعتبر خطوة متقدمة مثل إعفاء أصحاب المعاشات وذوى الأمراض المزمنة من دفع أى مساهمات مع الاكتفاء (بالاشتراك ) فقط وإعفاء غير القادرين من أى مدفوعات.
عيوب مشروع قانون التأمين الصحى الجديد
و يرى المركز المصرى للحق فى الدواء، أن هذا القانون سيكون بداية حقيقية لخصخصة المستشفيات وليس كل النظام الصحى فى مصر.
إذ لم ينص القانون ومواده أنه نظام تأمينى صحى واجتماعى كما أكدت مواد الدستور المصرى الجديد، وهو ما يتنافى تماما مع الدستور الذى وافق عليه المصريون.
بل وأكدت الماده 4 أن (هيئة التأمين الصحي) مؤسسة اقتصادية هى من تدير ولها مالها من طبيعة الهيئات الاقتصادية التى تخضع للربح والخسارة وبالتالى يجب على المنتفع المؤمن عليه أن يدفع أسعار الخدمات خاصة التى تتصف بالجودة الشاملة وهى ترتفع حسب أنواعها، وبالتالى لن يستطيع المنتفع الحصول على كل الخدمات.
وجاءت المادة 7 أيضا بهذا المعنى من الاعتماد على استراتيجية استثمار أموال النظام، بما فى ذلك أهلية إنشاء شركات مساهمة وفقا لأحكام القانون 159 لسنة 1981 بشأن الشركات المساهمة، وذلك على النحو الذى تحدده اللائحة التنفيذية وهو شىء خطير إذ يفتح الباب أمام الشراكة مع القطاع الخاص مستقبلا.
وفسر محمود فؤاد المدير التنفيذى للمركز المصرى للحق فى الدواء، أن القانون افترض أننا أمام هيئة صحية تقدم الخدمة طالما ربحت، متسائلًا: "ماذا لو خسرت هذه الهيئة؟"، مضيفًا أنه سوف تتأثر كل الخدمات وسيدفع أصحاب المعاشات والأرامل والأطفال والأمراض المزمنة فاتورة هذه الخسارة أى حوالى أكثر من 15مليون منتفع، نظرا لأن المشروع الاقتصادى خسر، وبالتالى يجب تخفيض الأعباء على الهيئة وإضافتها للمريض.
إلغاء مساهمة الهيئة القومية للتأمين الاجتماعى لتحمل نسبة 3%
ووفق دراسة المركز المصرى للحق فى الدواء، فهناك إلغاء لمساهمة الهيئة القومية للتأمين الاجتماعى لتحمل نسبة 3% وهذا الأمر أدى لزيادة نسب الاشتراك للأرامل من 1 الى 2% وكذا أصحاب المعاشات، بل أصبح صاحب المعاش يدفع لمن ( يعوله) 2% للزوجة و1% للابن وهى زيادة مضافة على الخدمات التى ستقدم والأعباء.
كما نص المشروع على ضرورة إعادة الدراسة الاكتوارية كل خمس سنوات ففى ظل استيراد كافة المستلزمات الطبية وبعض الأدوية سيكون هناك تحرك، حدث فى الأسعار بالتالى سيتم رفع أسعار الخدمات للمنتفع ولم يتحدث القانون عن الأطراف، التى ستمول الفارق، فلا يجوز إطلاقا فرض ضريبة جديدة دون موافقة البرلمان المصرى وهذا دور مجلس الشعب القادم.
وأوضح محمود فؤاد، أنه لايجب أن يتأثر المنتفعون بأى أسباب اقتصادية طارئة ليس لهم دخل بها وكان لزاما على الحكومة أن تضع تصورا لكيفية التعويض مثل أن تطرح ضرائب إضافية على الخمور وملوثات البيئة مثل الأسمنت والسيراميك وخلافه.
هيئة مستقلة تابعة لمجلس الوزراء لمراقبة الجودة
ونص القانون على إنشاء هيئة مستقلة تابعة لمجلس الوزراء لمراقبة الجودة وهى تماثل هيئة الجودة والرقابة وهيئة المستشفيات وكلها تفتقد عنصر المشاركة المجتمعية كونها هيئة تقدم خدمة يجب متابعتها من المستفيدين الحقيقيين، حيث تعتبر سلكا وظيفيا.
ومن ضمن السلبيات، أن القائمين على القانون قاموا باختراع كلمة (المساهمين) ثم يجاوب القانون نفسه ويعرف ماهية المساهمة فجاءت الورق الأخيرة فى مسودة القانون لتفصح عن النوايا الحقيقية لفلسفته لدفع مقابل كل خدمة فى العيادة الخارجية:
20% من الأدوية بحد أقصى 50 جنيها، و10% من الإشاعات بحد أقصى 200 جنيه، و5% من التحاليل بحد أقصى 100 جنيه ويستثنى أصحاب المعاشات أى أن المريض شهريا عليه أن يدفع أكثر من 250 جنيها تزيد فى حالات الإشاعات عالية السعر مثل الرنين.
وهو ما فسره مدير المركز المصرى للحق فى الدواء، بقوله "تعتبر هذه الإجراءات منسجمة مع إحدى توصيات البنك الدولى لتقليل التكلفة الحكومية وكانت أيضا توصية من هيئة المعونة الأمريكية سنة 1966 بورقة قدمها الحزب الوطنى باسم (الإصلاح الصحى) تعتمد على تنمية القطاع الخاص عبر تمكينه من الحصول على نسبة من الخدمات".
النظام الجديد يرفع نسبة الأطفال بشكل مبالغ فيه
وبحسب دراسة المركز المصرى للحق فى الدواء، فإن النظام الجديد يرفع نسبة الأطفال بشكل مبالغ فيه، إذ إن الأطفال فى كل النظم التأمينية سواء كان تجاريا أو اجتماعيا مجانا وهنا الطفل يدفع قبل دخوله التعليم 12 جنيها 8 قبل الالتحاق بالمدرسة و4 عن كل سنة، ولكن النظام الجديد سيزيد النسبة على عائل الأسرة نصف فى المائة دون نسب الدواء والإشاعات والتحاليل، فالحكومات فى جميع دول العالم تلجأ لتمويل علاج أطفالها من فرض ضرائب على دور السينما والملاهى وخلافه، ويعتير المركز المصرى للحق فى الدواء أن هذا يأتى عملا بالورقة السابعة من توصيات البنك الدولى سنة 1996.
واختتمت الدراسة بالتأكيد أن الحكومة كعادتها تهرب من دورها الحقيقى فجاء القانون الجديد يلغى القانون 23 لسنة 2012 الخاص بالتأمين الصحى على المرأة المعيلة، والقانون رقم 127 لسنة 2014 الخاص بالتأمين الصحى على الفلاحين، وكان كلاهما ينص على أن تدفع الموازنة العامة للدولة 200 جنيها لكل مواطن.
واعتبر محمود فؤاد، أن قانون التأمين الصحى هو خطوة جيدة إلى الأمام ولكنه لا يلبى طموحات المصريين فهو نصفه "تجارى" ونصفه "اجتماعى"، بعكس ما نادى به المصريون خلال ثورتى يناير ويونيو بالعدالة، فأصبح الأمل فى مجلس النواب لتغيير بعض مواد القانون مع مايتفق لاحترام مبدأ الحق فى الصحة كحق دستورى.